خرج الفنان عبد الوهاب عبد المحسن من مرسمه، بألوانه إلى غمار الطبيعة الحُرة ساعياً للاقتراب من طير «أبو قردان» الوديع، مقتفياً اقترابه الهادئ من المياه، وتنقله بخفة وهو يُجاور البشر مُضفيا سحراً خاصاً بتلك الوداعة، وكثيراً من الإلهام لعبد الوهاب عبد المحسن ظهرت في لوحات معرض «قُرب الماء».
يشير عنوان المعرض، الذي يستضيفه غاليري «آزاد» بالقاهرة، إلى حالة الاقتراب من الماء والأرض، وهو ملمح لا يغادر مشروع الدكتور عبد الوهاب عبد المحسن، على مدار مسيرته الفنية التي تزيد على 50 عاماً في مجال الفن التشكيلي، الذي يقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن هذا المعرض يعد واحداً من خماسية تشكيلية قام برسمها تدور حول مدينة البرلس، مسقط رأسه، التي تقع بمحافظة كفر الشيخ، (شمال دلتا مصر).
يعتبر عبد المحسن أن تلك الخماسية تشبه فكرة المتتالية الروائية في الأدب، أو الرباعية الشعرية، ولكن بالنسبة له هي خماسية تشمل 5 معارض ومشاريع فنية مستوحاة من مدينته التي تضم بحيرة البرلس المُطلة على البحر المتوسط وهي «قُرب الأرض»، و«مدن الملح»، و«القربان»، و«قُرب الماء»، و«مصرف كفت» الذي سيتم عرضه نهاية العام الجاري.
«هو طائر صامت، لا يُصدر صوتاً ولا صخباً، يبعث من حوله حالة من الصفاء، تجعله يتماهى مع الفلاحين في الأرض، في امتداد لبراح الطبيعة من حوله»، هكذا يصف عبد المحسن طائر «أبو قردان» الشهير في مصر باسم «صديق الفلاح»، الذي استلهم منه موضوع معرضه، وقام برسم أكثر من ثلاثين لوحة من وحي تأمله واقترابه منه، يقول: «سعيت من خلال اللوحات لترجمة هذا الحوار البصري بين حركة أبو قردان وهدوء تحركه بين الناس، في نسيج واحد مع رومانسية الطبيعة من حوله».
ويعيش طائر «أبو قردان» بالقرب من المسطحات المائية، وهو معروف بلونه الأبيض ومنقاره المميز، وأرجله الصفراء، وارتبط حضوره بالميثولوجيا والأساطير، كما قدسه المصريون القدماء واعتبروه رمزاً للإله «تحوت»، وهو إله القمر والحكمة والطب، الذي عُرف بسيد الكلمة المقدسة، ويُنسب إليه اختراع فن الكتابة.
ويوظف الفنان في تكوينات مختلفة حضور أبو قردان في لوحات المعرض، الذي يستمر حتى 5 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، فهو يظهر كبطل وحيد للوحة، في تأمل قريب لمعالم هيكله أو في مجموعات تقترب من الأشجار، وأحياناً تلتصق بها كأنها الطيور باتت أوراقاً لا تتجزأ من تلك الأشجار، علاوة على تصوير اقترابه من الماء والأرض، متشبثاً بتعاريج الأرض وتشققات طينها.
ويغلب اللون الأبيض على فضاء لوحات المعرض، ويشير الفنان عبد الوهاب عبد المحسن إلى أن هذا اللون يرمز للضوء الذي يشع حول الطائر، وكذلك فإن اللون الأبيض لـ«أبو قردان» يكتسب انعكاسات من الطبيعة من حوله، كما اللون الأخضر والأزرق والقرمزي، «حتى اللون الأحمر ظهر بدرجات دافئة مُتماهية مع رقة الطبيعة، وأردت أن يظهر بياض طائر أبو قردان وكأنه لؤلؤ له حضور وألق»، حسب الفنان.
ويعتبر الفنان عبد المحسن أن هذا التأمل لطائر من أشهر الطيور القريبة من السواحل يأتي في إطار بحثه الدائم عن ملامح تخص بيئته التي ينفعل بها، تلك المحيطة ببحيرة البرلس.
ويظهر هذا التأمل عبر اقتفاء مُفردات جمالية وحالمة، تقترب من طبيعة تلك البحيرة، وبشرها، وعالمها المنفتح على الصيد والزراعة، ويُنوع الفنان عبد الوهاب عبد المحسن مساحة هذا التأمل عبر خامات مختلفة، سواء من خلال التصوير والحفر والغرافيك.
طائر «أبو قردان» يُلهم فناناً مصرياً «قُرب الماء»
معرض عبد المحسن واحد من خماسيته حول بحيرة البرلس
طائر «أبو قردان» يُلهم فناناً مصرياً «قُرب الماء»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة