أنظار العالم تتجه نحو الهند بعد تطورات أفغانستان

بالتوازي مع القلق الجماعي من الصعود الصيني

أنظار العالم تتجه نحو الهند بعد تطورات أفغانستان
TT

أنظار العالم تتجه نحو الهند بعد تطورات أفغانستان

أنظار العالم تتجه نحو الهند بعد تطورات أفغانستان

منذ استيلاء جماعة «طالبان» على السلطة في أفغانستان وانسحاب القوات الأميركية السريع من البلاد، وتوقيع اتفاقية الدفاع الثلاثي التي عُرِفت باسم «أوكوس»، ساد التوتر البيئة الإقليمية والدولية، وأصبحت غير ودية وغير موثوق بها ويتعذر التنبؤ بتطورات أحداثها.
ثم إنه مع تكشف حقائق جيوسياسية وجغرافية اقتصادية جديدة، تحولت الهند الآن إلى عنصر محوري في الشبكة الناشئة من التحالفات المتغيرة في المنطقة. وتحمل هذه الديناميكيات المتغيرة فرصاً مهمة لنيودلهي، في ظل صياغة تحالفات جديدة. وربما لذلك، اختار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي القيام بجولة داخل الولايات المتحدة وعبر أرجاء الأمم المتحدة، لشعوره بمدى أهمية كل اجتماع تعقده المنظمة الأممية، إلا أن مودي واجه جملة من التحديات في ظل الاجتماعات مع عدد من كبار المسؤولين الأميركيين وقادة الحوار الأمني الرباعي المعروف باسم «كواد»، وأيضاً كبار رجال الأعمال الأميركيين، بجانب إلقاء خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وعدد من الفعاليات الأخرى.
جدير بالذكر أنه خلال فترة توليه رئاسة الحكومة الهندية، زار مودي الولايات المتحدة سبع مرات خلال سبع سنوات: 2014 و2015 و(مرتين عام 2016) و2017 و2019 و2021. والتقى ثلاثة رؤساء مختلفين (باراك أوباما ودونالد ترمب وجو بايدن، الذي التقاه كذلك عندما كان نائباً للرئيس). ومع ذلك، حظيت هذه الزيارة باهتمام خاص. وفيما يتعلق بمودي، قد يكون هذه واحدة من أهم التي سيطرت على ذهنه خلالها مخاوف المتعلقة بالأمن، لكن يبدو أن المناقشات تحولت نحو التهديدات الأمنية غير التقليدية التي كانت هي الأخرى على جدول الأعمال.
تفاعلت القوى العالمية مع التطورات الأخيرة في أفغانستان بصور مختلفة، ويبدو أن باكستان والصين وتركيا على وجه التحديد تتخذ مساراً مغايراً لباقي القوى. وكانت روسيا هي الأخرى في التكتل ذاته الداعم لحركة «طالبان»، إلا أنه كما يبدو بدلت موقفها بعد اتصال هاتفي جرى بين الزعيم الهندي ناريندرا مودي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
بل كان من اللافت والاستثنائي أن يصل ممثلون عن وكالات الأمن والاستخبارات من الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا إلى نيودلهي في وقت واحد؛ إذ استضاف مستشار الأمن الوطني الهندي، أجيت دوفال، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) ويليام بيرنز، وكذلك نيكولاي باتروشيف من الاستخبارات الروسية، وريتشارد مور من الاستخبارات البريطانية (إم آي 6)، ومع أي من الدول المشاركة أعلنت عن عقد هذه الاجتماعات، أكدت مصادر مطلعة جلوس مسؤولين روس وأميركيين معاً بوساطة الهند.
مثل هذا الاجتماع غير مسبوق، وهو يشير إلى مدى جدية رد فعل هذه القوى تجاه الأزمة الأفغانية، والدور المهم الذي تضطلع به الهند بجمعها الروس والأميركيين معاً. ومن بين الأمور التي تثير قلق واشنطن، الثروة المعدنية الهائلة وغير المستغَلّة عند أفغانستان، وبالتأكيد، لن يروق لواشنطن أن ترى هذه الثروة في يد الصين. ومن جانبها، لا ترغب روسيا هي الأخرى في ازدياد هيمنة الصين في المنطقة، ذلك أن أي صعود صيني في أفغانستان سيعني تمدّداً أكبر لـ«التنين الأصفر» داخل آسيا الوسطى، التي تمس حدودها سيبيريا الروسية، وهي منطقة شاسعة تتطلع الصين إلى الهيمنة عليها. وفي هذا السياق، من جهته، أعرب راجيف شارما، الدبلوماسي الهندي السابق في أفغانستان، عن اعتقاده بأن الصين، التي أعلنت عن حزمة مساعدات بقيمة 31 مليون دولار أميركي للنظام الجديد في كابل، كانت بمثابة المشكلة الأساسية في اجتماع قادة الوكالات الاستخباراتية من الدول الثلاث.
- الأهمية المحورية لـ«كواد»
ستظل النتائج الاستراتيجية لنشاط ناريندرا مودي المزدوج في واشنطن ملموسة لفترة طويلة، والمقصود هنا اجتماعه بالرئيس الأميركي جو بايدن، قبل مشاركته الشخصية لأول مرة في قمة «كواد» بمشاركة رئيسي وزراء أستراليا واليابان. واللافت هنا أنه جرى إغفال ذكر الصين في البيانين الصادرين عن الاجتماعين؛ إذ أشارت كل البيانات الافتتاحية التي أدلى بها الرئيس ورؤساء الوزراء المشاركون في قمة «كواد» إلى أنه جرى الدفع بالجانب الأمني إلى أولوية متأخرة، في إطار المناقشات التي دارت.
وفي هذا الصدد، أشار الكاتب الصحافي الهندي براتاب بانو ميهتا إلى أن «تعزيز وحدة الصف داخل (كواد) محور سياسي مهم في خضم جهود إعادة تشكيل النظام الآسيوي. وفيما يخص الولايات المتحدة، فإن ذلك يشير إلى التزامها بالبقاء على اتصال مع المحيطين الهندي والهادي، وقيادة جهود تتميز بدرجة أكبر من التنسيق لاحتواء الصين. أما بالنسبة للهند، فإن الإشارة السياسية الكبرى من وراء ذلك أنها مستعدة لأن تكون جزءاً من مجموعة ستحرم الصين من فرصة قلب ما تعتقد هذه المجموعة أنه نظام عالمي قائم على مبادئ الديمقراطية، ومنطقة محيطين هندي وهادي تتميز بالحرية والانفتاح. أما فيما يتعلق بأستراليا، فإنها إشارة واضحة على أنها قد حسمت موقفها، إذ إن التحركات القوية من جانب الصين لم يترك خياراً آخر لهذه الدول».
وللعلم، تعد مجموعة «كواد» جزءاً من إعادة ترتيب الهيكل الأمني في آسيا. والمعتقد أن المجموعة ستتخذ توجهاً أكثر تصادمية، مع كل ما يحمله هذا من مخاطر. ولكن في غمرة الابتهاج بهذه الإشارات السياسية حول هذه التجربة الجديدة «لا يجوز إغفال حقائق مهمة، أبرزها أن (كواد) وُلدت على خلفية تناقض وفشل ذريع، بجانب الصعود الصيني. وبالتالي، سيتعين على (كواد) التغلب على ظلال هذه الإخفاقات»، حسب ميهتا.
ومع ذلك، فإن الوجود المتزامن لرؤساء استخبارات دول «كواد» في واشنطن، وبدء المجموعة في العمل المشترك بمجال التكنولوجيا الناشئة يشير إلى أن الصين كانت دوماً في أذهان المشاركين.
من ناحيته، أشار الكاتب سيما غوها إلى أن «القمة الأولى لقادة (كواد) تحمل رمزية هائلة، خاصة بالنسبة لرئيس الوزراء مودي، لأن هذا جاء بالتزامن مع اجتماعه مع الرئيس بايدن. والمعروف أن مجموعة (كواد) تركز على منطقة المحيطين الهندي والهادي، وليس لأي الدول الثلاث الأخرى حدود طويلة مع الصين كحال الهند التي تشترك مع الصين بحدود تمتد لمسافة 3488 كلم. وفي حين تتمتع أستراليا بحماية المظلة النووية الأميركية، كما خدم التحالف الأمني بين الولايات المتحدة واليابان كلا البلدين على نحو جيد منذ الحرب العالمية الثانية، تظل هناك مخاوف إزاء الدخول في تحالف وثيق مع الولايات المتحدة... التي من الطبيعي أن تسعى لتعزيز مصالحها الخاصة. وهذا أمر تجلّى تماماً في ضوء خروجها الفوضوي من أفغانستان بنحو يكاد يتعذر تصديقه. وبالتالي، تقديمها البلاد إلى (طالبان) على طبق من فضة». وهنا يتساءل غوها: «هل يمكن بعد الآن الوثوق بالولايات المتحدة؟ لقد كانت حكومة أشرف غني دونما شك فاسدة وتفتقر إلى الكفاءة، ومع ذلك تظل الحقيقة أن إبقاءها خارج اتفاق السلام مع (طالبان) وإطلاق سراح 500 من سجناء (طالبان) المتشددين كان خطوة تفتقر إلى الحكمة». بل ويذهب الدبلوماسي الهندي السابق نافتيج سإرنا، الذي أمضى ثلاث سنوات في الولايات المتحدة قبل التقاعد، أبعد ليقول «اليوم، يدفع المدنيون الأفغان، خاصة النساء، ثمن هذه السياسة (الأميركية) المعيبة.
- بين «كواد» و«أوكوس»
من جهة ثانية، سعت الهند لفصل دورها داخل «كواد» عن شراكة «أوكوس» المعلنة قريباً بين أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة. والمؤكد أن بناء أسطول أسترالي من الغواصات النووية في إطار «أوكوس» سيحمل دلالات إيجابية ومهمة فيما يخص الحسابات الاستراتيجية الهندية داخل منطقة المحيطين الهندي والهادي. وحول هذا الأمر شرح سارنا: «الوقت الحالي مناسب كي تسعى الهند بسرعة نحو تعميق المبادرات التعاونية مع الولايات المتحدة لضمان حصولها على عتاد المستقبل، مثل الطائرات من دون طيار (المسيّرات) وأشباه الموصلات والألواح الشمسية المتخصصة، والتعاون مع دول (كواد) بنشاط من أجل تعزيز الاستقرار الإقليمي. وتُعدّ هذه الاستراتيجية المثلى للمضي قدماً عبر النظام البيئي العالمي المقلقل الذي تجد نفسها اليوم فيه».
ومن التطورات الأخرى الإيجابية، إعادة المجموعة التأكيد على رغبتها في العمل مع الشركاء ذوي التفكير المماثل. ومع التأكيد على محورية منظمة «آسيان»، اختارت القوى الأربع كذلك التأكيد على دعم استراتيجية التعاون الجديدة التي أعلنها الاتحاد الأوروبي مع دول منطقة المحيطين الهندي والمحيط الهادي. وفتحت هذه الوثيقة الجديدة آفاقاً جديدة من خلال تنديدها مباشرة بالإجراءات الصينية في بحر الصين الجنوبي وانتهاكات حقوق الإنسان في إقليم سنكيانغ - ويغور. أيضاً، وتدعو الاستراتيجية الجديدة إلى شراكات موسعة مع الاتحاد الأوروبي في مجالات الأمن والتكنولوجيا والاستراتيجية الاقتصادية مع مجموعة من الشركاء الجدد، مثل الهند وكوريا الجنوبية. ومع هذا التقارب في المصالح، نتوقع المزيد من التعاون بين مجموعة «كواد» والاتحاد الأوروبي في المنطقة.
«كواد» أعلنت أيضاً عن تشكيل مجموعة لتنسيق البنية التحتية لتوجيه استثمارات البنية التحتية للمجموعة بشكل أفضل داخل البلدان النامية. ويشير هذا التطور إلى أن «كواد» عقدت العزم بالفعل على إنهاء التردد والصمت الذي اتسمت به استجابتها حتى الآن لـ«مبادرة الحزام والطريق» الصينية. ومن خلال إنشاء آلية التنسيق هذه، أظهرت «كواد» جاهزيتها لتوفير وضع رأس المال الاستثماري والسياسي المطلوب للتنافس مع مبادرات تطوير البنية التحتية العملاقة التي تطرحها الصين.
- «منظمة شنغهاي للتعاون»
أخيراً، وقبل أيام قلائل من مغادرة مودي نيودلهي متجهاً إلى الولايات المتحدة، وجَّه رئيس الوزراء الهندي كلمة إلى أعضاء «منظمة شنغهاي لتعاون»، الذين يضمون رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، والرئيس الصيني شي جينبينغ. وكان هذا الاجتماع العشرين لقيادات الدول الأعضاء، الذي انعقد على خلفية عدد من التطورات الإقليمية والعالمية الرئيسية. كذلك كانت هذه المرة الأولى التي يلتقي مودي وجينبينغ وجهاً لوجه، وإن على نحو افتراضي، منذ حالة التأزُّم بين قوات البلدين على طول «خط السيطرة الفعلية»، في مايو (أيار). ولقد وجه مودي انتقادات إلى الصين، معتبراً أن تعزيز الترابط بين دول المنظمة يستدعي «أن نمضي قدماً مع مراعاة احترام سيادة بعضنا البعض وسلامته الإقليمية».
ومن دون ذكر باكستان بالاسم، وجه مودي توبيخاً لزعيمها عمران خان «لسعيه إلى طرح قضايا ثنائية (مثل كشمير) أمام منظمة شنغهاي للتعاون».
- مودي يرسل من نيويورك إشارات وتحذيرات إلى باكستان
> حمّل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الخطاب، الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، رسالة موجهة بوضوح إلى باكستان، قال فيها: «من الضروري للغاية ضمان عدم استخدام الأراضي الأفغانية لنشر الإرهاب والأنشطة الإرهابية»، ومن ثم أعرب الزعيم الهندي القومي اليميني عن مخاوف الهند بخصوص أفغانستان. واللافت أنه تطرق في كلمته «إلى تفاقم التفكير الرجعي والتطرف في العالم»... واستطرد: «في ظل هذه الظروف، يتعيّن على العالم بأسره أن يجعل التفكير العلمي والعقلاني والتقدمي أساس برامجهم التنموية»، معرباً عن اعتقاده بأن التقدم الاجتماعي والتكنولوجي يساعد في التغلب على الآيديولوجيات المتطرفة.
من ناحية، صرح اللفتنانت جنرال متقاعد من الجيش الهندي سيد عطا حسنين بأن «واحدة من أكبر الأفكار التي طرحتها الهند في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، العزلة الكاملة لباكستان على المسرح العالمي. وعلى مدار فترة طويلة، لعبت باكستان عن طيب خاطر دور المنطقة العازلة الغربية للحد من الطموحات الإقليمية للهند». وحسب كلام حسنين «انتهت اللعبة الكبرى أخيراً، تاركة إسلام آباد للتعامل مع شياطين الإرهاب التي أثارتها. ولقد أشارت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس (وهي هندية الأم) نفسها إلى ملاذات الإرهاب في باكستان أثناء لقائها مع مودي، ما يشير إلى تغيُّر المزاج العام في واشنطن. ومن المحتمل أن تكون جولة مودي قد حققت كل ذلك بكثير من البراعة والشعور بالتوازن»، وفق تعبير الجنرال الهندي.
- أضواء على حقيقة الخلاف حول «أوكوس»
> وقعت أستراليا والمملكة المتحدة (بريطانيا) والولايات المتحدة اتفاقية عسكرية عرفت باسم «أوكوس» (الأحرف الأولى من أسماء الدول الثلاث AUKUS)، التي بمقتضاها ستبني أستراليا أسطولاً من الغواصات النووية بمعاونة الدولتين الأخريين. وهذا ما أدى إلى إلغاء عقد كانت أستراليا قد وقَّعته مع فرنسا لشراء غواصات تقليدية، الأمر الذي أشعل خلافاً مع فرنسا التي شكت من أن الاتفاقية أُبرمت من وراء ظهرها، وأن حليفاً رئيسياً في «ناتو» (حلف شمال الأطلسي) لا تجوز معاملته بمثل هذه «القسوة».
وبينما كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على وشك الصعود للطائرة التي ستقله إلى الولايات المتحدة لحضور اجتماع «كواد» والجمعية العامة للأمم المتحدة، تلقى اتصالاً هاتفياً من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تناول خلاله تعزيز التعاون في منطقة المحيطين الهندي والهادي، وكذلك تعزيز الاستقلال الاستراتيجي للهند، وفق بيان من مكتب ماكرون. ونظر مراقبون إلى هذه المكالمة على أنها رسالة من قبل فرنسا الغاضبة، التي لطالما اعتبرتها الهند لفترة طويلة شريكاً استراتيجياً جديراً بالاعتماد عليه، موجهة إلى واشنطن وغيرها ممن يعتبرون الهند أحد أهم شركائهم في منطقة المحيطين الهندي والهادي. كذلك رأوا فيها تعبيراً عن استياء باريس من استبعادها من اتفاقية «أوكوس»، رغم الوجود الفرنسي القوي في المنطقة.b ومن جانبه، دعم الاتحاد الأوروبي الموقف الفرنسي، مؤكداً على أن منطقة المحيطين الهندي والهادي بحاجة لمزيد من التعاون و«قدر أقل من التشرذم».
السؤال المطروح هنا هو: إذا كان من الممكن التعامل مع فرنسا على هذا النحو، فكيف سيكون الحال مع شركاء أقل أهمية، مثل الهند؟
وكيل وزارة الخارجية الهندي السابق كانوال سيبال قال معلقاً: «شعارنا التعامل مع الإيجابيات وحماية مصالح الهند بأفضل ما نستطيع». ويقر سيبال بأن كون دولة ما صديقة لواشنطن يحمل مزايا كثيرة. وعلى سبيل المثال، فإن الاتفاق النووي المدني المُبرم بين الهند والولايات المتحدة عام 2006 أنهى اعتبار الهند دولة منبوذة نووياً، وسمح لها بخيار التجارة النووية، والوصول إلى أحدث التقنيات. لكنه، مع ذلك، نبه إلى ضرورة أن تحتاط الهند إزاء رهاناتها والتأكد من أن لديها خيارات أخرى. ويشار هنا إلى أنه سيجري نشر ثماني غواصات نووية أسترالية في مياه المحيطين الهندي والهادي بمقتضى اتفاقية «أوكوس»، وذلك بهدف احتواء الصين بصورة أساسية.
ورغم امتلاك الصين صواريخ تمكّنها من استهداف سفن السطح الأميركية، فإنه لم نجح بعد في تطوير تقنية قادرة على التصدّي للغواصات داخل المياه العميقة.
وفي هذا الشأن يوضح وكيل وزارة الخارجية هارش شرينغلا قائلاً: «تختلف (كواد) و(أوكوس) في طبيعتيهما، ذلك أن (كواد) مجموعة متعددة الأطراف من البلدان ذات الرؤية والقيم المشتركة. كما أن لدينا أيضاً رؤية مشتركة تجاه منطقة المحيطين الهندي والهادي وضرورة العمل على جعلها منطقة تتميز بالشفافية والانفتاح والشمول». أما سلفه الوكيل السابق كانوال سيبال، فيعتقد أنه «في الوقت الحالي، لن تكون الهند رافضة لـ(أوكوس)، بل ستنظر إليها باعتبارها قوة مضاعفة في منطقة المحيطين الهندي والهادي. وإن أي تحرك لاحتواء الصين يمثل خطوة مرحب بها. كما أن اليابان، عضو (كواد) التي تدخل في نزاعات بين الحين والآخر مع الصين، راضية بالتأكيد عن الاتفاق الجديد».
ومعلوم أن نيودلهي تعتمد على تأكيدات واشنطن بأن «أوكوس» لن تتداخل مع «كواد»، ثم إنها تعي جيداً الثقل الأميركي والمكاسب الاقتصادية المترتبة على الدخول معها في علاقات وثيقة. وكذلك، يمكن لنيودلهي أن تضطلع بدور إيجابي في الأزمة الدبلوماسية المتعلقة بـ«أوكوس».


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».