حالة من الجدل أثارها تطبيق «إنستغرام» خلال الأيام القليلة الماضية، عقب تسريب دراسات من داخل شركة «فيسبوك» تشير إلى «التأثير السلبي لـ(إنستغرام) على المراهقات»، مما دفع مشرّعين أميركيين وخبراء في التواصل الاجتماعي إلى مطالبة شركة «فيسبوك» المالكة لتطبيق «إنستغرام» بوضع سياسات نشر جديدة تحمي المستخدمين.
جاء هذا التطور بينما يمثُل أحد كبار مسؤولي شركة «فيسبوك» خلال الأسبوع الحالي أمام مجلس الشيوخ الأميركي للرد على تساؤلات حول «تأثير إنستغرام على الصحة العقلية للمراهقات»، وهو ما اعتبر من جانب مراقبين تغيراً في طريقة النظرة إلى هذا التطبيق، وتطبيقات التواصل الاجتماعي بشكل عام، ما يُمكن أن يدفع لتغيير في سياسات النشر والتعامل مع المستخدمين. ومن ناحية أخرى، أشار متخصصون في الإعلام وصحافيون إلى أن قيمة التسريبات الأخيرة تأتي كونها صادرة من داخل «فيسبوك» وتتضمن معلومات تبين مدى التأثير السلبي على المراهقات.
الجدل الذي صاحب «إنستغرام» جاء في أعقاب نشر صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، منتصف الشهر الحالي، سلسلة من المواضيع الصحافية تضمنت تسريبات لدراسات أجراها «فيسبوك» على مدار السنوات الثلاث الماضية. وأشارت هذه التسريبات إلى أن التطبيق «يضر بالصحة العقلية للمستخدمين، وخاصة المراهقات... وأن بعض المشاكل المتعلقة بالصحة العقلية للمراهقين، إنما كانت بسبب الصور التي ينشرها التطبيق، تجعلهم غير راضين عن أشكال أجسامهم وأساليب حياتهم».
جوناثان غروبرت، الصحافي والمدرب وصانع البودكاست الأميركي المقيم في هولندا، يرى أن «مارك زوكربيرغ (مؤسس «فيسبوك») على دراية بحجم التأثير السلبي لمنتجاته ولوسائل التواصل الاجتماعي على المستخدمين». في حين يعتبر فتحي أبو حطب، المتخصص بشؤون الإعلام الرقمي في مصر، أن «قيمة التسريبات الأخيرة تأتي كونها صادرة من داخل (فيسبوك)، وتتضمن معلومات تبين مدى التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة (إنستغرام)، على المراهقات».
لكن الحقيقة، أن هذه ليست المرة الأولى التي تصدر فيها دراسات حول تأثير «إنستغرام» على الصحة العقلية؛ بيد أنها المرة الأولى التي تصدر من داخل الشركة المالكة للتطبيق. في مايو (أيار) عام 2017 أظهر استطلاع رأي أجرته «الجمعية الملكية للصحة العامة» في بريطانيا أن «إنستغرام هو الأسوأ بين منصات التواصل الاجتماعي، من حيث تأثيره على الصحة النفسية للشباب». أما فيما يخص التسريبات الأخيرة، فقد انتقدتها «فيسبوك»، وقال السير نيك كليغ، نائب رئيس الشؤون العالمية في شركة «فيسبوك» (ونائب رئيس وزراء بريطانيا سابقاً)، عبر مدوّنة تحت عنوان «ما الذي فهمته وول ستريت جورنال خطأ عن (فيسبوك)، أن شركة (فيسبوك) تدرك حجم مسؤولية إدارة منصة عالمية، وتتعامل مع ذلك بجدية، وتقبل النقد؛ لكننا نعارض بشدة التوصيف الخاطئ المتعمد لما نحاول فعله». وقالت كارينا نيوتون، رئيسة السياسة العامة في «إنستغرام» عبر بيان صحافي إن «إنستغرام يمكن أن يكون مكاناً يعيش فيه البعض تجارب سلبية، إلا أنه في الوقت نفسه يمنح صوتاً للمهمشين، ويساعد على التواصل بين العائلة والأصدقاء. والبحث الذي أجراه «فيسبوك» دليلٌ على محاولة الشركة فهم القضايا المعقدة التي يواجهها الشباب». وتابعت أن «إنستغرام يعمل على معالجة المقارنات الاجتماعية وصورة الجسد السلبية».
عودة إلى غروبرت، فإنه قال لـ«الشرق الأوسط» إن «فيسبوك عدّل خوارزمياته لزيادة المحتوى الإيجابي على منصاته، وهو ما يؤكد إدراكه لحجم التأثير السلبي للمنشورات والصور على وسائل التواصل الاجتماعي، ولو لم يكن مدركاً لذلك لما تحرك من الأساس». ولكن وفق مراقبين قد لا تكون خطوات «فيسبوك» الأخيرة كافية للحد من الضرر. وبالفعل، أعلن كل من السيناتورين الأميركيين ريتشارد بلومنثال ومارشا بلاكبرن، وهما من كبار المشرعين في لجنة مجلس الشيوخ التجارية الأميركية لحماية المستهلك، يوم الأربعاء الماضي، اعتزامهما التحقيق مع «فيسبوك» في التسريبات التي نشرتها «وول ستريت جورنال» حول تأثير «إنستغرام» على الصحة العقلية للمراهقات. وبحسب بيان صحافي لبلومنثال وبلاكبرن فإن «فيسبوك» كشركة تركز على النمو بأي ثمن، وتهتم بالأرباح ولو على حساب صحة وحياة الأطفال والمراهقين... ولقد قدمت «فيسبوك» إجابات مراوغة عند سؤالها عن تأثير إنستغرام على الشباب».
وفي السياق ذاته، شن عدد من النواب الأميركيين هجوماً على «فيسبوك»، وقال النائب الجمهوري كين باك، في تغريده على حسابه الرسمي عبر «تويتر» إن «شركات التكنولوجيا العملاقة أصبحت شبيهة بشركات التبغ. و(فيسبوك) لم تقل الحقيقة بشأن ضرر منتجاتها على المراهقين». كذلك وجه عدد من النواب الديمقراطيين خطاباً إلى شركة «فيسبوك» يدعونها فيه إلى «التخلي عن خططها لإطلاق نسخة من إنستغرام للأطفال». وذلك في أعقاب إعلان «فيسبوك» خلال يوليو (تموز) الماضي اعتزامها إطلاق نسخة من «إنستغرام» للأطفال دون سن 13 سنة.
في هذا الشأن يقول أبو حطب إن «فيسبوك لم تقل الحقيقة عندما سئلت أمام الكونغرس قبل أكثر من سنة عن تأثير منتجاتها على المراهقين. بل قالت يومذاك إن لها تأثيرات إيجابية، وذلك رغم أنه توافرت لدى الشركة هذه الدراسات، التي كانت نتائجها سابقة على جلسات الاستماع السابقة». ويضيف أبو حطب لـ«الشرق الأوسط» أن «التحدي الآن أكثر صعوبة، خاصة أن الدراسات المنشورة تمسّ قطاعات كبيرة من المجتمع، ولو تحرّك المتضررون، سيواجه كل من (فيسبوك) و(إنستغرام) دعاوى قضائية من نوع مختلف، خاصة أن الجانبين لم ينكرا صحة الدراسات المسربة، ولم يتخذا خطوات فعلية لمعالجة ما يسببه إنستغرام من ضرر». ومن ثم طالب أبو حطب بـ«إجراء مزيد من الدراسات حول تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على المجتمع، وعلى الشباب بشكل خاص، واتخاذ إجراءات لحمايتهم».
وفي حين يرى مراقبون أنه بينما يواجه تطبيق «إنستغرام» تحديات داخلية في أعقاب نشر هذه الدراسات، بدأ منافسون استغلال الفرصة، إذ أطلق تطبيق «تيك توك» مجموعة من الخدمات لمساعدة المستخدمين الذي يعانون من مشاكل نفسية ويواجهون أفكاراً انتحارية من خلال نشر مجموعة من الأدلة لدعم المستخدمين نفسياً. وهذا أمر يراه أبو حطب «أمراً طبيعياً»، ذلك أن «تيك توك يخاطب شريحة واسعة من المستخدمين، وهو غير مُثقل بالأعباء والضغوط التي تواجه (إنستغرام) والشركة المالكة له، والتي تحتكر أربع تطبيقات من التطبيقات الأكثر استخداماً في العالم». ويضيف أن «فيسبوك يواجه دعاوى احتكار للتخلي عن هذه التطبيقات، مع أن المسألة هذه المرة مختلفة، لكونها لا تتعلق فقط باحتكار أو بسيطرة على سوق الإعلان... بل بضرر حقيقي يقع على المستخدمين».
وهنا يذكّر أبو حطب بأن «شركة (فيسبوك) تمتلك حالياً عدة منصات وتطبيقات هي (فيسبوك) و(فيسبوك ماسنجر) و(إنستغرام) و(واتساب)، وأثبتت الفترة الماضية خطأ امتلاك الشركة هذا العدد من التطبيقات، بينما عجزت عن التعامل كما يجب مع الأضاليل والأخبار الكاذبة».
هل يستجيب «إنستغرام» للدعوات المطالبة بتغيير سياسات النشر؟
هل يستجيب «إنستغرام» للدعوات المطالبة بتغيير سياسات النشر؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة