ليبيا: الفدية أو القتل وسيلة تجار البشر للابتزاز

لقطة من فيديو وزعه «اللواء 444 قتال» لعملية تحرير 8 مصريين في مدينة بني وليد الليبية
لقطة من فيديو وزعه «اللواء 444 قتال» لعملية تحرير 8 مصريين في مدينة بني وليد الليبية
TT

ليبيا: الفدية أو القتل وسيلة تجار البشر للابتزاز

لقطة من فيديو وزعه «اللواء 444 قتال» لعملية تحرير 8 مصريين في مدينة بني وليد الليبية
لقطة من فيديو وزعه «اللواء 444 قتال» لعملية تحرير 8 مصريين في مدينة بني وليد الليبية

عبر مشاهد قاسية، ظهر مواطن صومالي الجنسية في مقطع فيديو، وهو يمرّر سيفه على رقاب مجموعة من الوافدين الذين خطفهم من مناطق مختلفة في ليبيا وكدّسهم في مخبأ سري، غالبيتهم من المصريين؛ كي يدخل الرعب في قلوب أسرهم فيسارعون بدفع فدية مالية لإطلاقهم، في واحدة من جرائم الاتجار بالبشر التي تكافحها الأجهزة الأمنية في ليبيا.
التحقيقات الأولية التي أجرتها النيابة في طرابلس خلال اليومين الماضيين، بتوجيه من النائب العام الصديق الصور، كشفت عن أن المتهم الذي يدعى حسن قيدي، ويقود شبكة منظمة تعمل في تنظيم عمليات الهجرة غير المشروعة، دأب على اقتياد ضحاياه من الوافدين والتغرير بهم بزعم قدرته على مساعدتهم في الهجرة إلى أوروبا، لكن دائماً كان ينتهي بهم الحال بسجنهم في مخابئ سرية، حيث يعذَبون بشكل يومي، وترسل مقاطع مصورة إلى أسرهم بقصد ابتزازها مالياً لإطلاق سراحهم.
وقال مصدر أمني في مديرية أمن زوارة لـ«الشرق الأوسط»، «نجحنا أكثر من مرة في القبض على أفراد من هذه العصابات التي يكون أغلب عناصرها من الليبيين، وحررنا المخطوفين، لكن للأسف كان بعض هذه المافيا ينجح في ابتزاز أسر الضحايا، سواء في مصر أو دول أفريقية أخرى، من بينها السودان، والحصول منهم على مبالغ كبيرة لإطلاق سراح أبنائهم المخطوفين».
وكشفت وزارة الداخلية الليبية عن «تحرير» مختطفين في مدينة مصراتة (غرب ليبيا)، من قبضة عصابة تمتهن خطف وابتزاز العمالة الوافدة من الجنسيات العربية والأفريقية، مشيرة إلى أن قسم البحث الجنائي في مصراتة جمع معلومات بشأن تورط عصابة «بخطف العمالة وابتزازهم والاتصال بذويهم عبر الهاتف وتعذيبهم تحت مسمعهم للضغط عليهم لدفع المبالغ المالية لإطلاق سراحهم، وكذلك سرقة ما يدخرون من أموال».
وأفادت التحقيقات التي يجريها مكتب النائب العام، بأن الصومالي قيدي يقود شبكة تعمل في الاتجار بالبشر، وتعمّد قتل العشرات من المهاجرين لأجل الاتجار بأعضائهم، والاعتداء جنسياً على عدد من المهاجرات تحت سطوة السلاح، وتعريض المهاجرين للمعاملة القاسية لإرغام ذويهم على دفع مبالغ مالية نظير إطلاق سراحهم.
وسبق لعناصر «اللواء 444 قتال» التابع لمنطقة طرابلس العسكرية، القبض على المتهم الصومالي، في عملية نوعيّة بمدينة بني وليد مطلع مارس (آذار) الماضي؛ امتثالاً لأوامر القبض الصادرة ضده بغية مكافحة جرائم التهريب والاتجار بالبشر.
وتقول أسر مصرية عدة، إنه طُلب منها إرسال مبالغ مالية كبيرة على حسابات أشخاص في ليبيا كي يتم إطلاق سراح أبنائها المخطوفين هناك. وفي أبريل (نيسان) الماضي، أعلنت 5 عائلات بمركز منفلوط في محافظة أسيوط جنوب مصر، أن كل منها دفع لعصابة من تجار البشر في مدينة بني وليد (شمال غربي ليبيا) فدية 7 آلاف دولار لإطلاق 5 عمال خطفوا هناك.
وتعد جرائم خطف المهاجرين غير النظاميين هي الأشهر في مناطق عدة في ليبيا، لكن في بني وليد تقع بوتيرة متسارعة، وهو ما كشفت عنه أحدث عمليات المداهمة التي شنها «اللواء 444 قتال» على المدينة؛ إذ نجح مساء أول من أمس، في تحرير 8 مصريين كانوا محتجزين في «أحد أوكار عصابات المتاجرة بالبشر».
وأوضح اللواء الذي داهم أوكاراً عدة للخارجين على القانون في المدينة، فجر أمس، أن العصابة الخاطفة التي احتجزت المصريين كانت تطالب أسرهم بدفع فدية مقابل إطلاق سراحهم، لكن قوات تمكنت من الوصول إليهم وتحريرهم.
ولم تكن هذه هي العملية الوحيدة التي تتم فيها مداهمة أوكار مافيا الاتجار بالبشر، غير أن اللافت هو استهدافهم للمصريين بشكل أكبر، بحسب مصدر أمني أرجع الأمر «لقدرة ذويهم على تدبير الأموال المطلوبة وإرسالها سريعا إلى ليبيا».
وفي اجتماع سابق لمجلس وزراء العدل العرب، عُـقد عن بُعد عبر الدائرة المغلقة، قدمت ليبيا عدداً من الملاحظات بشأن اتفاقية مكافحة الاتجار غير المشروع بالأسلحة ومسألة تجريم دفع الفدية.
وأعلن «اللواء 444 قتال» في 10 مارس الماضي، تحرير قرابة 120 مهاجراً كانوا محتجزين بأحد أوكار تجار البشر ببني وليد أغلبهم يحملون الجنسية المصرية. كما جرى تحرير 20 مصرياً آخرين أواخر العام الماضي كانوا محتجزين لدى عصابات تهريب. وكشف تقرير سابق مشترك صادر عن المنظمة الدولية للهجرة ووزارة شؤون المهجرين في ليبيا، عن تورط مافيا تهريب البشر في إجبار المهاجرين وعائلاتهم على دفع آلاف الدولارات كفدية لتحريرهم من الأسر.
وفي سياق قريب، تمكنت دوريات أمنية تابعة لوزارة الداخلية من ضبط 69 مهاجراً غير نظامي من جنسيات مختلفة بمحيط المدينة القديمة في طرابلس، وذلك ضمن الحملة الأمنية التي تتولاها دوريات المكتب بنطاق المدينة القديمة وجوارها.



هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
TT

هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)

أثار انتشار عسكري وأمني لعناصر من «حماس» وموالين لها، عقب بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، تساؤلات بشأن مستقبل الصفقة، في ظل ردود فعل إسرائيلية تتمسك بالقضاء على الحركة، وجهود للوسطاء تطالب الأطراف بالالتزام بالاتفاق.

تلك المشاهد التي أثارت جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد ورافض، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، ستكون ذريعة محتملة لإسرائيل للانقلاب على الاتفاق بعد إنهاء المرحلة الأولى والعودة للحرب، معولين على جهود للوسطاء أكبر لإثناء «حماس» عن تلك المظاهر الاستعراضية التي تضر مسار تنفيذ الاتفاق.

بينما قلل محلل فلسطيني مختص بشؤون «حماس» ومقرب منها، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من تأثير تلك الأجواء، وعدّها «بروتوكولية» حدثت من قبل أثناء صفقة الهدنة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وبزي نظيف وسيارات جديدة وأسلحة مشهرة، خرج مسلحون يرتدون شارة الجناح العسكري لـ«حماس» يجوبون قطاع غزة مع بداية تنفيذ اتفاق الهدنة، الأحد، وسط بيان من وزارة الداخلية بالقطاع التي تديرها عناصر موالية للحركة، كشف عن مباشرة «الانتشار بالشوارع»، وخلفت تلك المشاهد جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد يراها «هزيمة لإسرائيل وتأكيداً لقوة وبقاء (حماس) بالقطاع»، وآخر معارض يراها «استفزازية وتهدد الاتفاق».

عناصر من شرطة «حماس» يقفون للحراسة بعد انتشارهم في الشوارع عقب اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)

إسرائيلياً، تساءل المعلق العسكري للقناة 14 نوعام أمير، بغضب قائلاً: «لماذا لم يتم ضرب (تلك الاستعراضات) جواً؟»، بينما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بإسقاط الحكومة في حال الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.

وأكد مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في بيان الاثنين، «مواصلة العمل لإعادة كل المختطفين؛ الأحياء منهم والأموات، وتحقيق كل أهداف الحرب في غزة»، التي تتضمن القضاء على «حماس».

ويصف الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور سعيد عكاشة، ما قامت به «حماس» بأنه «استعراض مزيف لعلمها بأنها لن تدير غزة، لكنها تحاول أن تظهر بمظهر القوة، وأنها تستطيع أن تحدث أزمة لو لم توضع بالحسبان في حكم القطاع مستقبلاً، وهذا يهدد الاتفاق ويعطي ذريعة لنتنياهو لعودة القتال مع تأييد الرأي العام العالمي لعدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».

ويتفق معه المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، قائلاً إن «(حماس) لا تزال بعقلية المقامرة التي حدثت في 7 أكتوبر، وتريد إرسال رسالتين لإسرائيل وللداخل الفلسطيني بأنها باقية رغم أنها تعطي ذرائع لإسرائيل لهدم الاتفاق».

بالمقابل، يرى الباحث الفلسطيني المختص في شؤون «حماس» والمقرب منها، إبراهيم المدهون، أن «الاستعراض لا يحمل أي رسائل وظهر بشكل بروتوكولي معتاد أثناء تسليم الأسرى، وحدث ذلك في الصفقة الأولى دون أي أزمات»، مشيراً إلى أن «الحركة لها جاهزية ونفوذ بالقطاع رغم الحرب، والانتشار الأمني يعدّ دور وزارة الداخلية بالقطاع وتنفذه مع توفر الظروف».

وعقب دخول الاتفاق حيز التنفيذ، استقبل رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مكتبه بالدوحة، وفداً من الفصائل الفلسطينية، مؤكداً ضرورة العمل على ضمان التطبيق الكامل للاتفاق، وضمان استمراره، وفق بيان لـ«الخارجية» القطرية الأحد.

وبينما شدد وزير الخارجية المصري، خلال لقاء مع رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، ببروكسل، مساء الأحد، على «أهمية التزام أطراف الاتفاق ببنوده»، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية، سبقه تأكيد مجلس الوزراء الفلسطيني، الأحد، استعداد رام الله لتولي مسؤولياتها الكاملة في غزة.

وبتقدير عكاشة، فإن جهود الوسطاء ستتواصل، لا سيما من مصر وقطر، لوقف تلك المواقف غير العقلانية التي تحدث من «حماس» أو من جانب إسرائيل، متوقعاً أن «تلعب غرفة العمليات المشتركة التي تدار من القاهرة لمتابعة الاتفاق في منع تدهوره»، ويعتقد مطاوع أن تركز جهود الوسطاء بشكل أكبر على دفع الصفقة للأمام وعدم السماح بأي تضرر لذلك المسار المهم في إنهاء الحرب.

وفي اتصال هاتفي مع المستشار النمساوي ألكسندر شالينبرغ، الاثنين، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على «ضرورة البدء في جهود إعادة إعمار القطاع، وجعله صالحاً للحياة، بما يضمن استعادة الحياة الطبيعية لسكان القطاع في أقرب فرصة». بينما نقل بيان للرئاسة المصرية، عن المستشار النمساوي، تقديره للجهود المصرية المتواصلة على مدار الشهور الماضية للوساطة وحقن الدماء.

ويرى المدهون أنه ليس من حق إسرائيل أن تحدد من يدير غزة، فهذا شأن داخلي وهناك مشاورات بشأنه، خصوصاً مع مصر، وهناك مبادرة مصرية رحبت بها «حماس»، في إشارة إلى «لجنة الإسناد المجتمعي» والمشاورات التي استضافتها القاهرة مع حركتي «فتح» و«حماس» على مدار الثلاثة أشهر الأخيرة، ولم تسفر عن اتفاق نهائي بعد بشأن إدارة لجنة تكنوقراط القطاع في اليوم التالي من الحرب.