قوس النصر المغطى هدية كريستو العابرة لباريس

TT

قوس النصر المغطى هدية كريستو العابرة لباريس

على مدى ستين عاماً تقريباً، حلم الفنان المعروف باسم كريستو بتغطية قوس النصر. وفي شبابه، عندما هرب من بلغاريا الشيوعية، كان يحدق إلى النصب التذكاري من شقته الصغيرة العلوية. ويُظهر التصوير السريالي الذي يرجع تاريخه إلى سنة 1962 القوس، الذي يبلغ ارتفاعه 164 قدماً، كبيراً بصورة فجة. لقد طغت الحرية على القداسة. ولقد رغب الفنان دائماً أن يمعن الناس النظر إلى ما لم يروه من قبل.
والآن، بعد أكثر من سنة بقليل من وفاة كريستو في سن 84، صار «قوس النصر المغطى» واقعاً حقيقياً. إذ يغطي حوالي 270 ألف قدم مربع من القماش الأزرق الفضي، الذي يتوهج في الأضواء المتغيرة بباريس، النصب التذكاري الذي أمر نابليون ببنائه في عام 1806 في أوج قوته وانتصاراته. كانت مادة «البولي بروبيلين»، التي تذكرنا بأسطح الزنك المميزة في المدينة، مؤمنة ولكن غير مثبتة بإحكام بواسطة حبل أحمر طوله 1.9 ميل، اتفاقاً مع تعليمات الفنان بالغة الدقة.
قال لي فلاديمير يافاشيف، ابن شقيق كريستو ومدير المشروع، «كان يريد كياناً حياً، مع ثناياه المتحركة، ذلك الذي يحول سطح النصب إلى شيء حسي». وفجأة، ظهر في قمة الشانزليزيه، كيان شاحب بلمسة سحرية بارعة، وتشد خفته المتألقة ألواح فولاذية زنة 150 طناً. وكان التأثير الناجم مزعجاً ومحيراً في آن واحد.
انتقل يافاشيف من نيويورك إلى باريس قبل عامين لإدارة المشروع. كان العمل شاقاً. وقد أعربت الرابطة الفرنسية لحماية الطيور عن قلقها بشأن اثنين من الصقور التي تعشش عالياً في الواجهة، وأدى ذلك إلى تأخير مبدئي، قبل أن تتسبب جائحة الفيروس في التأخير الثاني.
ترك يوم الباستيل، الموافق 14 يوليو (تموز)، ويوم الهدنة، الموافق 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، عندما تُقام الاحتفالات عند النصب التذكاري، مجالاً محدوداً من العمل. وإجمالاً للقول، عمل 1200 شخص في عملية تغطية النصب التذكاري.
قال سيباستيان روجر، كبير المهندسين، وهو يقف تحت القوس، «كان الأمر صعباً ومجهداً. عليك توخي الحذر الشديد، فهذا قوس النصر بعد كل شيء!».
ومنذ افتتاحه رسمياً يوم السبت وحتى 3 أكتوبر (تشرين الأول)، أصبح القوس في الحقيقة شيئاً آخر تماماً، لقد تحول إلى كيان خيالي ضخم من خلال الهوس المتحرر لفنان رفض تقبل الحدود.
ولد كريستو من رحم الاضطهاد الخانق للإمبراطورية السوفياتية، وكان اسمه بالكامل كريستو فلاديميروف جافاشيف، وكان دوماً يعتنق فكرة محورية واحدة: ألا وهي عدم التنازل عن الحرية المطلقة. عندما ارتفع سور برلين في عام 1961، قام بصنع جدار من براميل النفط على شارع فيسكونتي في باريس، في أول تصريح عام متحدٍ.
قال الرئيس إيمانويل ماكرون، وهو يقف عند قوس النصر هذا الأسبوع: «أعتقد أن هذا هو ما نؤمن به: أن الأحلام المجنونة لا بد أن تتحقق». ولقد أثارت تغطية النصب التذكاري، بفحواه العسكرية والتاريخية والفنية، ولاعتباره مستودع الذاكرة الوطنية، مشاعر الفخر الفائقة لدى الشعب الفرنسي، لأن هذا هو لُب المغامرة الفنية في كل مكان.
ثار بعض التذمر من هنا وهناك. إذ شجب فلوريان فيليبوت، السياسي اليميني، «كيس النفايات الملفوف حول واحد من أروع معالمنا الوطنية». وفي صحيفة «لوموند» اليومية، تساءل كارلو راتي، المهندس المعماري الإيطالي، عما إذا كان من المقبول بيئياً الاستعانة بكميات كبيرة من القماش لتغليف النصب التذكاري. وقال يافاشيف إن كل المواد المستخدمة تقريباً مُعاد تدويرها.
قوس النصر، مثل أي نصب تذكاري عظيم، بُني ليبقى طويلاً. لكن الفن التصوري للسيد كريستو سريع الزوال. وسوف يجري تفكيكه في غضون أسابيع. وهناك شيء ما يبعث على التحرر في هذا السياق، ربما لأن الطبيعة العابرة للعمل تجعل الملكية (الاستحواذ) مُحالاً. إن هذا عمل ضخم ولكنه غير جوهري بالمرة. يبدو أن النسيج يعرب عن فكرة عابرة بما يتماشى مع حياة كريستو الترحالية.
وهذه ليست المرة الأولى التي يغلف فيها كريستو أيقونة من أيقونات باريس البارزة. ففي سنة 1985، بعد سنوات عديدة من الكفاح من أجل الحصول على تصريح من السلطات، غطى الفنان جسر «بونت نويف» رفقة 44 مصباحاً على الجسر بنسيج من لون الحجر الرملي. ولقد زار التجربة ثلاثة ملايين زائر خلال فترة عمله التي استغرقت أسبوعين.
وسبق تغطية القوس جزئياً بالقماش مرة واحدة فقط. في سنة 1885، بمناسبة تشييع جنازة الشاعر والمؤلف المحبوب فيكتور هوغو، إذ رُفع غطاء أسود كبير من أعلى النصب التذكاري. وانضم أكثر من مليوني شخص إلى موكب الجنازة من قوس النصر إلى البانثيون حيث دفن هوغو.
كريستو أحب باريس. كانت مدينته الثانية، بجانب نيويورك. «إنني أفتقد حماس عمي، قد كان يتقافز بين أرجاء الأماكن!» كما قال يافاشيف. لقد كان عاماً صعباً على العاصمة الفرنسية، التي غالباً ما خضعت لحظر التجول بسبب الجائحة، وقد أُغلقت المطاعم والمقاهي التي تبرز النسيج الضام للمدينة عبر فترات طويلة. لذا فإن شعار «قوس النصر المغطى» يبدو وكأنه لحظة للحرية، وهو عمل فني عام وكبير تتزاحم عنده الحشود الضخمة.
قال هيدالغو: «كريستو يثقل كاهلنا، ويربكنا، ويزودنا بحديث لا يتوقف. إنه يلعب بالضياء، وبسماء باريس التي يتردد صداها من خلال عمله العابر».
إن لقوس النصر أوجهاً عديدة. لقد بدأ حياته كأثر للمجد العسكري. إذ يحمل نقوشاً لأسماء معارك نابليون العظيمة. وكان تحية ماثلة لانتصارات الإمبراطور الظافر. لكن الحرب خسارة رهيبة أيضاً، كما أظهر القرن العشرون. وفي سنة 1920، بعد سنتين من الحرب العالمية الأولى، وُضع قبر الجندي المجهول أسفل القوس. وكُتب عليه نقش يقول: «جندي فرنسي مات لأجل الوطن 1914 - 1918». الشعلة الأبدية المتقدة.
وأسفر وجود القبر أسفل القوس عن استحالة مرور المواكب العسكرية تحته، كما لو كان ذلك إعلاناً عن عدم جدوى الحرب.
وخلال المشروع، كان القبر محترماً للغاية. وتمكن الأشخاص الذين كانوا يعتنون بالشعلة كل مساء في الساعة 6:30، من إتمام مهمتهم. وقال أحدهم للصحافيين يوم الخميس، إن الجندي المجهول موجود في كفنه منذ 100 عام. لقد تركنا كريستو قبل الأوان وهو الآن في قبره. وأعتقد أن هذا الكفن المؤقت يخبرنا بأن القوس مغطى، ولكننا سوف نراه مرة أخرى قريباً - لذلك هناك نوع من الوحدة حولنا.
* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

بمليوني دولار... بيع قطعة نقود رومانية نادرة تحمل صورة بروتوس

يوميات الشرق تم بيع القطعة النادرة بـ2.09 مليون دولار ضمن مزاد في جنيف (أ.ف.ب)

بمليوني دولار... بيع قطعة نقود رومانية نادرة تحمل صورة بروتوس

بيعت قطعة نقود ذهبية رومانية نادرة جداً تحمل صورة بروتوس، أحد المشاركين في قتل يوليوس قيصر، لقاء 2.09 مليون دولار ضمن مزاد أقيم الاثنين في جنيف

«الشرق الأوسط» (جنيف)
يوميات الشرق بقايا كائنات بحرية يتجاوز عمرها 56 مليون عام وتعود لعصر الإيوسيني المبكر في طبقات لصخور جيرية (الشرق الأوسط)

اكتشاف تاريخي لبقايا كائنات بحرية في السعودية عمرها 56 مليون سنة

أعلنت هيئة المساحة الجيولوجية في السعودية اليوم (الأحد)، عن اكتشاف لبقايا كائنات بحرية يتجاوز عمرها 56 مليون عام وتعود للعصر الإيوسيني المبكر.

«الشرق الأوسط» (جدة)
يوميات الشرق معرض يحكي قصة العطور في مصر القديمة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

معرض أثري يتتبع «مسيرة العطور» في مصر القديمة

يستعيد المتحف المصري بالتحرير (وسط القاهرة) سيرة العطر في الحضارة المصرية القديمة عبر معرض مؤقت يلقي الضوء على صناعة العطور في مصر القديمة.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق الفيلا تدلّ على «أسلوب حياة فاخر» (تيفونت أركيولوجي)

اكتشاف آثار فيلا رومانية فاخرة على الأرض البريطانية

اكتشف علماء آثار و60 متطوّعاً فيلا رومانية تدلّ على «أسلوب حياة فاخر»، وذلك في مقاطعة يلتشاير البريطانية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)

الحناء تراث عربي مشترك بقوائم «اليونيسكو» 

في إنجاز عربي جديد يطمح إلى صون التراث وحفظ الهوية، أعلنت منظمة «اليونيسكو»، الأربعاء، عن تسجيل عنصر «الحناء» تراثاً ثقافياً لا مادياً.


«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.