صورة الصحافي في ثلاث مراحل من أدب نجيب محفوظ

بينهم انتهازيون ونفعيون و«اشتراكيون مزيفون»

صورة الصحافي في ثلاث مراحل من أدب نجيب محفوظ
TT

صورة الصحافي في ثلاث مراحل من أدب نجيب محفوظ

صورة الصحافي في ثلاث مراحل من أدب نجيب محفوظ

في «اللص والكلاب» دفعت الانتهازية الصحافي رؤوف علوان إلى احتلال موقع كبير في أشهر الصحف الحكومية، وانضم إلى فئة الأغنياء الذين كان يهاجمهم عن تناقضات عالم الصحافة وشخصية الصحافي في عدد من أعماله يدور كتاب «الصحافي في أدب نجيب محفوظ»، الصادر حديثاً بالقاهرة عن دار العربي للنشر والتوزيع، لمؤلفه الدكتور محمد حسام الدين إسماعيل، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة. ويمكن اعتبار الكتاب دراسة في علم اجتماع الأدب، فهو يدرس صورة الصحافي في جميع أعمال نجيب محفوظ من روايات وقصص قصيرة، لأنه أنه «لا يمكن فصل صورة الصحافي عن الخطاب الأدبي، وطبيعته التي تبحث عن الجوهر، ولا عن طبيعة المجتمع الذي أنتج هذا الصحافي».
ويعدد المؤلف دوافعه لدراسة هذه الصورة بقوله إنها «تقدم صوراً للصحافة والصحافيين أقرب للواقعية، وأعمق بكثير مما تقدمه معظم الدراسات الأكاديمية الإعلامية؛ لأن الأدب نوع كتابي عنده من الحرية أكبر من هذه الدراسات بما لا يقارن، مقدماً رؤى جزلة ثاقبة عن هؤلاء الذين يُحبون أن يُسألوا لا أن يُسألوا»
يذهب الكتاب، الواقع في 240 صفحة، إلى أن النماذج الصحافية في أدب نجيب محفوظ - التي لا تزال حية حتى الآن - لا تخبرنا فقط عن خواص زمنية بالمهنة وقت كتابة الرواية أو القصة، بل تتجاوز ذلك عبر الزمن، ألا وهي الثقافة (بالمعنى الذي تقصده دراسات التحليل الثقافي)، وهو ما جعل نقاّد وباحثي أدب نجيب محفوظ يرون مثلاً أن بعض نماذج رواية «المرايا» - التي نشرها عام 1971 تعبر عن شخصيات شغلت حيزاً كبيراً من القرن العشرين - وما تزال نماذجها تعيش بيننا حتى الآن رغم نصف قرن على كتابة الرواية، فالعناصر الثقافية شبه الثابتة التي رصدها نجيب محفوظ بعبقريته وموهبته هي إفراز لخصوصية الخطاب الأدبي الراقي.
يتوقف المؤلف عند شخصيات أخرى حيّة، فمثلاً في رواية «اللص والكلاب»، نرى بطلها رؤوف علوان قد دفعته الانتهازية والنفعية والأنانية إلى احتلال المناصب العليا في أشهر كبريات الصحف الحكومية، وعن طريق الانتهازية صعد فوق قمة المجد والشهرة والثروة وانضم إلى فئة الأغنياء الذين كان بالأمس يهاجمهم بمقالاته الصحافية.
وقسّم المؤلف روايات محفوظ إلى ثلاث مراحل، الأولى الواقعية، والثانية الفلسفية، ثم المرحلة الثالثة متعددة التجارب الإبداعية.
وفي سبيل ذلك، نجد أن الفصل الأول يحمل عنوان الصحافي في روايات المرحلة الواقعية، وهي الممتدة من «عبث الأقدار» حتى «الثلاثية»، واختار من بينها المؤلف رصد الصورة في روايات «القاهرة الجديدة»، «خان الخليلي»، «الثلاثية».
ويتناول المؤلف بداية رواية (القاهرة الجديدة)، متحدثاً عن 3 شخصيات كانت لها علاقة بالصحافة (أحمد بدير ومحجوب عبد الدايم وعلي طه)، من خلالهم يقدم محفوظ رؤيته للعمل الصحافي، مُركزاً على شخصية «محجوب» الصحافي الانتهازي الذي يتجرد من مبادئه، ثم تفضيله طريقاً آخر مختصراً إلى الصعود الاقتصادي والاجتماعي، وهو أن يبيع شرفه مقابل وظيفة عندما يتزوج من عشيقة مرؤوسه.
وفي الثلاثية (بين القصرين، قصر الشوق، السكرية)، تظهر الصحافة وحياة بعض الصحافيين قوية وحاضرة، وأول تناول لها نراه في نشر كمال أحمد عبد الجواد مقالاً في جريدة «البلاغ الأسبوعي»، وفي الحوارات الكثيرة بين كمال وأصدقائه، وفي «السكرية» نرى تبيان صورة مهنة الصحافة عام 1941 خاصة لدى البرجوازية التركية القديمة، ليصل المؤلف إلى أن صورة الصحافي الاشتراكي في أدب نجيب محفوظ مستمرة ملامحها حتى الآن.
ويتحدث الفصل الثاني، عن «الصحافي في روايات المرحلة الفلسفية»، وهي الممتدة من «اللص والكلاب» إلى «ميرامار»، وفيه يرصد المؤلف تحولات الصورة في روايات «اللص والكلاب»، «السمان والخريف»، «الشحاذ»، «ثرثرة فوق النيل»، «ميرامار».
وجاء الفصل الثالث ليرصد الصحافي في روايات المرحلة متعددة التجارب، وهي الممتدة من «المرايا»، «قشتمر»، «الحب تحت المطر»، «الباقي من الزمن ساعة»، «أمام العرش».
بينما خصص المؤلف الفصل الرابع من كتابه لرصد صورة الصحافي في القصص القصيرة منذ مجموعة «همس الجنون» وحتى «أحلام فترة النقاهة».


مقالات ذات صلة

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

يوميات الشرق الأمير فيصل بن سلمان يستقبل الأمير خالد بن طلال والدكتور يزيد الحميدان بحضور أعضاء مجلس الأمناء (واس)

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب «حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
كتب كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

يتناول كتاب «حكايات في تاريخ مصر الحديث» الصادر في القاهرة عن دار «الشروق» للباحث الأكاديمي، الدكتور أحمد عبد ربه، بعض الفصول والمحطات من تاريخ مصر الحديث

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

أسواق 2024: الكتب الأكثر مبيعاً... الخاسرون والرابحون

 «من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر
«من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر
TT

أسواق 2024: الكتب الأكثر مبيعاً... الخاسرون والرابحون

 «من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر
«من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر

ككل نهاية سنة ينشر الإعلام الفرنسي قائمة بالكتب والإصدارات التي سجَّلت أقوى المبيعات على مدار السنة. النتائج تُنشر بناءً على أرقام معاهد الإحصاء المختصة، مثل «إيدستا» أو «داتاليب»، ولكن أيضاً انطلاقاً من الأرقام التي أعلنت عنها دور النشر، وهي لا تأخذ بعين الاعتبار القيمة الأدبية للإصدارات، بل النجاح التجاري فقط، حيث يحدث أن نجد في أسفل القائمة كتباً قيّمة لاقت ترحيب النقاد لكنَّ الإقبال الجماهيري عليها كان ضعيفاً.

من هذا المنظور تُوجت دار نشر «ألبان ميشال» هذه السنة «ملكة للمبيعات»، حيث سجلت بفضل غزارة ونوعية الأعمال التي أشرفت على نشرها هذه السنة، أكبر النجاحات. أول هذه الأعمال كانت رواية «من أجل عيون منى» للكاتب والباحث في تاريخ الفن توماس شيسلر، وهي الرواية التي فاقت منذ صدورها كل التوقعات، إذ حازت اهتماماً إعلامياً واسعاً، كما تُرجمت إلى 32 لغة بما فيها العربية، وبيعت بأكثر من 390 ألف نسخة (أرقام خاصة بفرنسا) وهي تروي قصّة «منى»، طفلة في العاشرة تصاب بتوقف تدريجي للبصر، فيقرر جدها معالجتها على طريقته الخاصة بأن يصطحبها في كل أسبوع إلى أكبر متاحف فرنسا لتتأمل روائع الفن العالمي.

«مذكرات» لجوردن بارديلا

من الأعمال الناجحة أيضاً الرواية الرابعة للكاتبة فاليري بيران «تاتا» وهي بوليسية نفسية تروي قصة كوليت، امرأة مختفية تقوم ابنة أختها بالتحقيق في سبب اختفائها لتكتشف أن لخالتها حياة مزدوجة. هذه الرواية بيعت بأكثر من 250 ألف نسخة وهو نفس الإنجاز الذي وصلت إليه رواية «نادل فندق الريتز» للكاتب فيليب كولين، وهي القّصة الحقيقية لفرانك مايير، أشهرا نادل في باريس إبان حقبة النظام الفيشي. «ألبان ميشال» كانت أيضاً المؤسسة التي نشرت السيرة الذاتية لرئيسة وزراء ألمانيا السابقة أنجيلا ميركل بعنوان «الحرية: الذكريات 1954 - 2021» التي تروي فيها مسيرتها السياسية عبر أكثر من 700 صفحة. ورغم أن الكتاب بيع منه نحو 350 ألف نسخة فإن الإنجاز لم يكن في مستوى توقعات وآمال الناشر على اعتبار أنه دفع أكثر من 400 ألف يورو في مزاد علني خاص (حسب مصادر مجلة «لكسبرس») مقابل الحصول على حقوق النشر، ناهيك بمصاريف الترجمة والدعاية والتوزيع، خصوصاً إذا ما قورن بما حققته دار نشر «فايار» مع الطبعة الفرنسية لمذكرات ميشال أوباما مثلاً، التي بيع منها داخل فرنسا 500 ألف نسخة وأكثر من عشرة ملايين في العالم. سنة 2024 أكدت أيضاً صحة الآراء التي ترى أن الجوائز تسهم في الترويج للكتب ورفع المبيعات، فعلى الرغم من الجدل الكبير بخصوص قضية نشر قصّة سعادة عربان البطلة الحقيقية لـ«الحوريات» لكمال داود دون إذنها، فإن الرواية تمكنت من تحقيق نجاح تجاري كبير منذ صدورها في 15 أغسطس (آب)، إذ بيع منها حتى الآن أكثر من 390 ألف نسخة، متبوعة برواية «جاكاراندا» التي يواصل فيها الكاتب غاييل فاي استكشاف إشكالات المنفى والذاكرة والهويات المتعددة من موطنه رواندا. هذه الرواية كانت تنافس «الحوريات» على جائزة «غونكور» لكنها ختمت السنة بجائزة «رونودو»، وبيع منها أكثر من 250 ألف نسخة، وهي الثانية لفاي بعد ثماني سنوات على صدور عمله الروائي الأول «البلد الصغير». أقل منهما حظاً الكاتبة هيلين غودي، فرغم ترحيب النقاد بعملها وترشحها للقائمة الصغيرة لـ«غونكور» فإن عملها الروائي لم يلقَ الرواج المتوقَّع، حيث لم تَبِعْ من روايتها «الأرخبيل» سوى 4000 نسخة منذ صدورها.

«تاتا» لفاليري بيرن

سنة 2024 تميزت أيضاً بنجاح الكتب السياسية لشخصيات من اليمين المتطرف، أهمها إصدارات تابعة لدار نشر «فايار» التي أصبحت مِلك رجل الأعمال فنسان بولوري المعروف بقربه من تيار اليمين المتطرف. أهم هذه الإصدارات السيرة الذاتية لجوردان برديلا، رئيس حزب التجمع الوطني، وهي بعنوان «عن ماذا أبحث؟»، حيث لاقت إقبالاً كبيراً وبيع منها 150 ألف نسخة، إضافةً إلى كتاب فيليب دو فيليي، وهو شخصية سياسية محافظة من اليمين المتطرف سجّل كتابه «مبيد الذاكرة» أكثر من 140 ألف نسخة، في الوقت الذي سجلت فيه كتب الشخصيات اليسارية أمثال الرئيس السابق فرانسوا هولاند، وآن هيدالغو، عمدة باريس، فشلاً ذريعاً، حيث بيع من عمل الرئيس السابق 6000 نسخة، و السيدة هيدالغو 250 نسخة فقط.

على أن روايات الجريمة والتشويق تبقى الأكثر شعبية.

على رأس القائمة الرواية البوليسية «حيوان متوحش» للكاتب السويسري جويل ديكير وهي من نوع المغامرات البوليسية، وحازت رواجاً شعبياً كبيراً وبيعت بأكثر من 420 ألف نسخة. تليها الرواية الجديدة لغيوم ميسو «شخص آخر»، وهي من النوع البوليسي أيضاً وبيع منها 390 ألف نسخة.

«فادي الأخ المسروق» لرياض سطوف

ودائماً في عالم الجريمة تَحوَّل الطبيب الشرعي البلجيكي فيليب بوكسو إلى نجم المكتبات الفرانكوفونية بفضل كتب استلهمها من خبرته في تشريح الجثث وأسلوبه المتسم بروح الفكاهة اللاذعة. وقُدرت مبيعات كتابه الأخير «في مواجهة الموت» بـ300 ألف نسخة.

والجديد هذه المرة اقتحام القصص المصوَّرة وسلاسل المانغا بقوة سوق الكتب. حيث نقلت وسائل الإعلام الفرنسية النجاح الساحق الذي سجَّله المؤثر الشاب «أنوكس تاغ» بسلسلة المانغا «الغريزة» أو «أنستا»، (دار نشر «ميشال لافون»)، التي بيع منها 265 ألف نسخة بعد شهرين فقط من صدورها، إضافةً إلى سلسلة الرسوم المصّورة: «أنا فادي... الابن المسروق» للرسّام السوري الفرنسي رياض سطّوف الذي يعد من الأسماء المتعودة على احتلال صدارة قوائم الكتب الأكثر مبيعاً (بيست سيلرز) في فئة القصّص المصورة (بي دي)، فهو معروف بسلسلة «عربي من المستقبل» التي أصدر منها 6 مجلدات، وهي سيرة ذاتية هزلية عن حياته من الطفولة في سوريا وليبيا إلى حياته في المهجر. «عربي من المستقبل» كانت قد حازت بها عدة جوائز منها «الجائزة الكبرى لمهرجان أنغولام» أما السلسلة الجديدة فقد بيع منها أكثر من 350 ألف نسخة.