حملات تصفية حوثية لمعارضي الجماعة في الأجهزة الأمنية

تنفيذاً لأوامر زعيم الميليشيات بـ{تطهير المؤسسات}

منظر عام لمباني صنعاء التاريخية المدرجة في قائمة منظمة «يونيسكو» (إ.ب.أ)
منظر عام لمباني صنعاء التاريخية المدرجة في قائمة منظمة «يونيسكو» (إ.ب.أ)
TT

حملات تصفية حوثية لمعارضي الجماعة في الأجهزة الأمنية

منظر عام لمباني صنعاء التاريخية المدرجة في قائمة منظمة «يونيسكو» (إ.ب.أ)
منظر عام لمباني صنعاء التاريخية المدرجة في قائمة منظمة «يونيسكو» (إ.ب.أ)

لم تكتف الميليشيات الحوثية بإعلانها الثلاثاء الماضي تسريح 904 ضباط من قوات الشرطة والأمن من غير الموالين لها طائفيا بمناطق سيطرتها بعد أن اتهمتهم بالعمالة، ولكنها واصلت المضي في استهداف ما تبقى من منتسبي ذلك القطاع، إذ أفادت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» بأنها أقرت تسريح نحو 150 عنصرا يعملون بجهاز الأمن القومي (المخابرات) وإحلال مكانهم آخرين ممن تلقوا تدريباتهم على أيدي خبراء من «حزب الله» ومن الاستخبارات الإيرانية.
وكانت الجماعة الموالية لإيران أعلنت قبل أيام عن تنفيذ مجزرة جديدة بحق المئات من منتسبي قطاع الأمن بمناطق سيطرتها بعد أن نهبت مرتباتهم ومارست بحقهم شتى صنوف القمع والملاحقة.
وبحسب ما نشرته وسائل إعلام حوثية ، تمثلت هذه المذبحة بقرار صادر عما يسمى بالمجلس الأعلى للشرطة في صنعاء تضمن تسريح 904 ضباط من قوات الشرطة والأمن بذريعة العمالة للخارج، واستبدالهم بعناصر أمنية موالية للميليشيات.
وفي السياق نفسه، ذكر مصدر أمني في صنعاء، لـ«الشرق الأوسط»، أن المجلس الحوثي الانقلابي عقد مؤخرا جلسة في العاصمة المختطفة بشأن ما سماه تطهير المؤسسة الأمنية من غير المؤدلجين طائفيا والذين لا يكنون الولاء والطاعة لزعيم الانقلابيين وحلفائه في إيران.
وكشف المصدر الأمني، الذي اشترط عدم الكشف عن هويته، حفاظا على سلامته، عن تكليف مجلس الشرطة الحوثي خلال الاجتماع لجنة أخرى برئاسة قيادات في الميليشيات تعمل في داخلية صنعاء لاستكمال حصر أسماء من تبقى من الضباط والأفراد للشروع بفصلهم من وظائفهم ضمن خطط وتوجهات الانقلابيين للمرحلة المقبلة.
وأشار المصدر إلى أن القيادي في الميليشيات وعم زعيمها المعين في منصب وزير الداخلية بحكومة الانقلابيين عبد الكريم الحوثي اعترف خلال الاجتماع أن قرارات الفصل التعسفية تأتي ترجمة لتوجيهات زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي في أحدث خطبه.
وأكد المصدر نفسه أن غالبية الضباط الذين استهدفتهم الميليشيات مؤخرا بالفصل التعسفي من وظائفهم بذريعة العمالة للخارج هم موجودون بمناطق سيطرتها ويعانون الويلات والحرمان في منازلهم منذ سنوات مضت على طردهم من قبل الجماعة من أعمالهم.
وقال إن الضباط المستهدفين هم ممن سبق للجماعة أن فشلت مرات عدة بإقناعهم في الحضور والمشاركة بدوراتها الطائفية.
وأرجع مراقبون قيام الميليشيات بارتكاب هذه المجزرة الوظيفية، وما سبقها من مجازر أخرى مماثلة بحق آلاف الضباط والجنود بأنه يعود إلى رفضهم القاطع حضور دورات التعبئة الفكرية والطائفية وعدم انصياعهم لأوامر الجماعة في الإدارات والأقسام والمراكز والمؤسسات الأمنية التي كانوا يعملون بنطاقها.
وعلى الصعيد نفسه، كشفت المصادر عن اعتزام الانقلابيين تسريح أكثر من 150 من موظفي وكوادر جهاز الأمن القومي تمهيدا لإحلال عناصر أمنية أخرى تلقت تدريباتها في الفترات السابقة على أيدي خبراء «حزب الله» وخبراء الاستخبارات الإيرانية.
وقالت المصادر في حديثها، لـ«الشرق الأوسط»، إن معظم العناصر الذين تنوي الجماعة إحلالهم مكان الضباط الأمنيين الرسميين كانوا يعيشون في إيران ولبنان وعادوا إلى اليمن في عام 2011، وتولوا حينها إدارة جميع العمليات الأمنية الخاصة بالميليشيات.
وكانت الميليشيات الحوثية دمجت في 2018 جهازي المخابرات الخاضعين لها في صنعاء (الأمن القومي والأمن السياسي) في جهاز واحد أطلقت عليه جهاز الأمن والمخابرات، وذلك بالتوازي مع استمرارها في سياسة حوثنة هاتين المؤسستين بشكل كبير وتحويلهما إلى جهاز يغلب عليه العناصر القادمون من صعدة ومن المنتمين إلى سلالة زعيمها عبد الملك الحوثي.
وعقب انقلابها المشؤوم، كانت الميليشيات الموالية لإيران سارعت إلى بسط سيطرتها على جهازي الأمن السياسي والقومي وطردت كوادرهما وحولت من بقي منهم إلى أدوات للبطش بالمعارضين وملاحقة السكان في سياق السياسة التي يرسمها زعيم الجماعة لتشديد قبضته على المجتمعات المحلية أمنيا وسياسيا وثقافيا.
وسبق للجماعة أن شنّت قبل أسابيع قليلة ماضية، حملات ملاحقة واعتقال طالت المئات من منتسبي الأجهزة الأمنية في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، كما أحالت نحو 3 آلاف من منتسبي الأمن النظاميين، بينهم ضباط إلى التقاعد الإجباري دون وجود أي مسوغات قانونية، وذلك في سياق استكمالها تصفية من لا يكنّون الولاء والطاعة لزعيمها.
وذكرت المصادر حينها أن الميليشيات أحالت أيضا ضباطاً وجنوداً من جهازي الأمن السياسي والقومي (المخابرات) وآخرين من مصلحة الأحوال المدنية وممن يعملون في الجوازات وأقسام وإدارات الأمن في صنعاء ومدن أخرى للتقاعد القسري، رغم أن غالبيتهم لم تتجاوز فترة عملهم السن القانونية للإحالة للتقاعد.
وكانت تقارير محلية وأخرى دولية اتهمت في أوقات سابقة الميليشيات بتحويل ما يسمى جهاز الأمن والمخابرات التابع لها إلى أداة لممارسة أبشع الانتهاكات بحق المناوئين لها من خلال سلسلة من حملات المداهمات للمنازل والاعتقالات التعسفية بحق المدنيين، إضافة إلى ارتكاب شتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي بحق آلاف المعتقلين من الناشطين والسياسيين والصحافيين والحقوقيين وهو ما تسبب في وفاة العشرات تحت التعذيب.


مقالات ذات صلة

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي خلال عام أُجريت أكثر من 200 ألف عملية جراحية في المستشفيات اليمنية (الأمم المتحدة)

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

يدعم البنك الدولي مبادرة لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، لمنع المستشفيات اليمنية من الانهيار بتأثيرات الحرب.

محمد ناصر (تعز)

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.