لماذا فشلت المعارضة في بناء مؤسسات قوية؟

غليون: «لم تمثل قوى اجتماعية واضحة».. زيادة: «دخول قطاعات هائلة إلى الحقل السياسي غير المنظم أصلاً»

ناشطون سوريون يرفعون علم الثورة السورية في أنطاليا في يونيو 2011 في أول لقاءات تنسيق المعارضة في سوريا مع بداية الثورة السورية (غيتي)
ناشطون سوريون يرفعون علم الثورة السورية في أنطاليا في يونيو 2011 في أول لقاءات تنسيق المعارضة في سوريا مع بداية الثورة السورية (غيتي)
TT

لماذا فشلت المعارضة في بناء مؤسسات قوية؟

ناشطون سوريون يرفعون علم الثورة السورية في أنطاليا في يونيو 2011 في أول لقاءات تنسيق المعارضة في سوريا مع بداية الثورة السورية (غيتي)
ناشطون سوريون يرفعون علم الثورة السورية في أنطاليا في يونيو 2011 في أول لقاءات تنسيق المعارضة في سوريا مع بداية الثورة السورية (غيتي)

في تاريخ الثورة السورية الذي بدأ قبل 4 سنوات، انطلقت معارضة خارجية عشوائية في البداية، استهلها مؤتمر أنطاليا صيف عام 2011، ثم محاولات حثيثة لإعلان جسم مؤسساتي يجمع المعارضين بشتى تنوعهم مع الحراك الثوري الموجود داخل سوريا، لحين الإعلان عن تأسيس المجلس الوطني السوري الذي لم يكمل السنتين من عمره حتى تم اختراقه بتأسيس الائتلاف الوطني تحت تبرير تجاوز أخطاء المجلس، لكن الائتلاف لم يتجاوز سابقه، وإن حظي بعمر افتراضي أطول. لماذا فشلت المعارضة المقيمة خارج سلطة النظام السوري في تأسيس مؤسساتها؟ سؤال يسبر تعقيداته رمزان نشطان كل في مجاله، وإن لم يتقيدا لاحقا بالشكل المؤسساتي التقليدي للمعارضة.
المفكر والأكاديمي د. برهان غليون، أول رئيس للمجلس الوطني السوري، يرى ضرورة مقاربة الموضوع من منطلق فشل المعارضة في بناء إطار عمل مشترك كان ولا يزال الشرط الأول لتحقيق أهدافها، أو على الأقل لتحويلها إلى فاعل حقيقي في الصراع القائم حول السلطة، وفي ما بعد حول سوريا نفسها، بين فاعلين كثر، ليس مركب نظام الأسد الأمني والعسكري والطائفي إلا أحدها. فليس المجلس الوطني ولا الائتلاف إلا صيغ لتجسيد هذه الوحدة أو التفاهم بين أطراف المعارضة من أجل تطبيق برنامجها.
أما لماذا فشلت المعارضة السورية في بناء مثل هذا الإطار ولا تزال حتى اليوم، فيعدد غليون العوامل ويقول: «أولا لأنها ليست معارضة تمثل قوى اجتماعية واضحة وتمتلك الحد الأدنى من الانتظام الفكري والسياسي والإداري والخبرة. وما كان بإمكانها أن تنشأ داخل نظام يتبع سياسة الحرب الاستباقية تجاه الرأي المختلف، وإنما هي مجموعات محدودة وأفراد عاشوا غالبا في الحصار والعزلة، وتعودوا أن يتنافسوا على رهانات بسيطة أهمها الظهور، ظهور الاسم أو الموقع».
وثاني العوامل التي يرى المفكر السوري أنها وراء هذا الفشل، أن «شبه المعارضة» هذه قررت منذ البداية أن تضع يدها على الثورة لتعوم نفسها بعد غرق طويل، فأصابها ما يصيب «العديم الذي يقع على سلة تين»، كما يقول المثل العامي، فأصبحت تتصارع على السيطرة عليها وعلى أجهزتها الوليدة، بدل أن تتوحد ضد عدوها الحقيقي. ولم يقبل كثير من أفرادها، إن لم يكن معظمهم، أن يكون مثقف وأكاديمي في موقع القيادة، واعتبروا ذلك اغتصابا لحقوقهم، هم الذين لا يزالون منذ عقود يتعرضون لشتى أنواع الظلم والتنكيل والإرهاب من قبل النظام. والحال أن سبب النجاح في إنشاء أي مجلس وطني هو توفر قيادة من خارج صفوف المعارضة التقليدية وبعيدة عن نزاعاتها وحساسياتها الطويلة.
أما د. رضوان زيادة مدير مشروع «بيت الخبرة السوري» فكان من مؤسسي المجلس الوطني السوري، لكنه انفصل عنه لاحقا وأسس لمشروع يعمل عليه مع 200 باحث، معني بوضع خطة التحول الديمقراطي في سوريا، أي بناء تصور لسوريا في المستقبل من الناحية السياسية والتشريعية والقانونية والأمنية والاقتصادية، وهو أول مشروع تفصيلي يناقش كل جوانب المرحلة الانتقالية. ولا بد أنه بات لديه تصور الآن عن سبب فشل المعارضة في بناء مؤسساتها.
ويبقى السؤال: لماذا غادر زيادة المعارضة الرسمية وركز على الدراسات والبحوث حول سوريا؟
يقول زيارة: «عاشت سوريا تحت ظل نظام تسلطي منذ عام 1963، أي منذ وصول حزب البعث إلى السلطة الذي أوقف العمل بكل الأحزاب منذ اليوم الأول للانقلاب، وبالتالي لم يسمح للأحزاب السياسية بالعمل أو النمو حتى صدر قانون الأحزاب بعد بدء الثورة، أي بعد 50 عاما تقريبا على تجميد العمل السياسي داخل سوريا. وطوال العقود الماضية، حتى الآن، لم يسمح في سوريا إلا للأحزاب الحليفة لحزب البعث بالترخيص».
إذن، وفي شكل هذه الأنظمة، والكلام لرضوان زيادة، تكون المعارضة ضعيفة للغاية، أو بالأحرى معدومة. لأن ثمن مقاومة النظام مرتفعة للغاية تحت شكل هذه الأنظمة التسلطية. ومن هنا، وبعد انطلاقة الثورة ودخول قطاعات هائلة من الشباب والسوريين من مختلف الأعمار في الحقل السياسي غير المنظم أصلا، عانت المعارضة من فشلها في تنظيم أمورها. وبالتالي لم تستطع المؤسسات التي شكلتها المعارضة على عجل احتواء هذا العدد الكبير من الراغبين والمهتمين بالانضواء تحتها، ودائما كانت تحت شعور فقدان المشروعية، كما حصل مع المجلس الوطني ومن ثم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، لأن هذه المؤسسات لم تنشئ الثورة أو تقودها في يوم من الأيام. فضلا عن كل ذلك استمرار الأسد في عمليات القتل أضعف من قدرة المعارضة على فعل أي شيء لوقف القتل سوى اللجوء إلى المجتمع الدولي الذي تجاهل مطالب السوريين بكل استخفاف، وتعمد التأخر في اتخاذ القرارات التي تصبح بلا معنى عندما يتم اتخاذها متأخرة، مع الأخذ بعين الاعتبار تسارع الأمور في سوريا بشكل يفوق قدرة المتابع، وبخاصة مع تحول الثورة إلى مسلحة ونشوء تنظيمات وجماعات جديدة يوميا.
ويرى زيادة أن المعارضة اصطدمت بـ3 عقبات رئيسية: الأولى عدم قدرتها على تنظيم نفسها بسبب دخول العدد الكبير من الناشطين في الحقل السياسي إلى مؤسسات المعارضة التي لم تكن قد تأسست بعد، والثاني استمرار الأسد في ماكينة القتل اليومي الذي أنهك المجتمع السوري وأفقد المعارضة القدرة على المناورة السياسية والمفاوضات، بحيث أصبحت تفكر فقط في كيفية وقف القتل ولم تجد حلا سوى في اللجوء إلى المجتمع الدولي. ثالثا، تجاهل المجتمع الدولي عذابات السوريين وآلامهم وتعامل معها باحتقار ودون مسؤولية، حتى دخلت سوريا في أعظم كارثة إنسانية في تاريخها لجهة عدد القتلى والمهجرين واللاجئين، ما أفقد السياسة معناها، وتحول كل النقاش إلى متابعة شؤون الكارثة الإنسانية التي أصبحت الحقيقة اليومية للسوريين.
هل ضاع الملف السوري دوليا إذن بين قضيتي «داعش» ومباحثات النووي الإيراني؟ وهل زمن إنقاذ سوريا قد فات الآن؟ سؤالان يجيب عليهما الدكتور برهان غليون، بقوله: «بل ضاعت سوريا بأكملها لأنها حرمت من القيادة، فلا الأسد الذي يقتل شعبه بالسلاح الكيماوي ويدمر بلده، ولا المعارضون الذين يضيعون وقتهم في عض بعضهم بعضا والمهاوشة، يمكن أن يمثل أي منهم قيادة، في وقت تفجرت فيه كل الألغام التي وضعها النظام ووضعتها الدول الطامعة في السيطرة على البلاد في جسم المجتمع ومؤسساته».
ويصل د. غليون في الختام إلى قناعة، أن إنقاذ سوريا يحتاج قبل أي شيء آخر إلى قيادة تنتزع الملف السوري وقضية السوريين من الأيادي الكثيرة التي تتلاعب بها، وتعيد توحيد السوريين حولها، وتمهد لعهد المصالحة والعودة إلى حضن الوطنية الجامعة بعد تخليص سوريا من وحوشها الكاسرة، «وأن (داعش) و(النووي) تفاصيل بالنسبة إلى هذه المسألة، ولا يفوت زمن إنقاذ الأوطان في أي أوان».



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.