4 سنوات في مغطس الدماء: نازحون في الداخل فقدوا طريق العودة

استعادة بيوتهم ممن سكن فيها.. مشكلة كبيرة تنتظر السوريين بعد انتهاء الحرب

احياء سورية مدمرة
احياء سورية مدمرة
TT

4 سنوات في مغطس الدماء: نازحون في الداخل فقدوا طريق العودة

احياء سورية مدمرة
احياء سورية مدمرة

لا يتمالك أبو أغيد نفسه وهو يستعيد ذكريات المظاهرات في مدينته حمص عام 2011 فيستغرق في البكاء على من مات من أهله وجيرانه وعلى منزله ومشغله وبيوت وأراضي عائلته التي دمرت ونهبت. أربع سنوات مضت وها هي السنة الخامسة تطل عليه وجراحه لم تندمل، وما زال مصمما على القول: «لن تطيب جراحنا ونعوض خسائرنا إلا بسقوط النظام»، يقولها ويهز رأسه متأسفا ليتبعها بكلمة: «يا حيف».
يعيش أبو أغيد (50 عاما) في حي الغوطة بحمص، في نزوح هو الثالث له خلال عامين، فالأول كان باتجاه القلمون وسط البلاد، ثم طرطوس، واليوم في أحد أحياء حمص الآمنة نسبيا، يعيش في بيت يدفع إيجاره شقيقه اللاجئ في تركيا 25 ألف ليرة (100$)، ويشير إلى أن اثنين من أشقائه ووالدته قتلوا في حمص أيام المظاهرات في العام الثاني من الثورة. بقية أشقائه الثلاثة، هاجروا مع عائلاتهم كل إلى بلد؛ ألمانيا وتركيا ولبنان، أما هو فلم تكن لديه إمكانية للهجرة فتنقل داخل البلاد إلى أن عاد ليستقر في حمص في حي غير حيه الذي نشأ فيه، ولم يعد لديه أي أمل باستعادة بيته المدمر ولا عمله، فبعد أن كانت له ورشة نجارة بات بائعا متجولا للملابس المستعملة، وبالكاد هو قادر على تحصيل لقمة العيش لأطفاله الثلاثة ووالدتهم. ويقول: «لولا مساعدة أشقائي في الخارج لسحبتني الكلاب بالشوارع. أعيش اليوم على الكفاف، حتى أطفالي دون مدرسة».
والمشكلة الكبرى التي يعاني منها اليوم، أن أصحاب المنزل الذي يستأجره، وكانوا قد فروا إلى لبنان، قرروا العودة إلى منزلهم بحمص، وهو ليس بإمكانه البحث عن منزل آخر؛ إذ لا يمكنه دفع أي مبلغ إضافي بعد ارتفاع أسعار الإيجارات. ويتساءل عما «إذا كان لمن هرب بداية الثورة وترك بلده ومدينته وبيته، أن يعود إلى منزله ويطرد الذي تبقى وصمد تحت القصف والبطش والدمار!!».
أحد الناشطين المعارضين وما زال يقيم في حمص، تحدث عن مشكلة كبيرة تنتظر السوريين بعد انتهاء الحرب، وهي مشكلة المهجرين الذين نزحوا إلى الأحياء الآمنة وسكنوا في بيوت نزح أصحابها إلى دول الجوار أو أوروبا، ومعظم النازحين الذين سكنوا تلك البيوت الفارغة استئجارا أو استيلاء، نزحوا من أحياء مدمرة وفقدوا موارد رزقهم، وبالتالي لم يعد باستطاعتهم إخلاء البيوت التي استقروا بها في حال عاد أصحابها.
وبحسب الأرقام المتداولة، فإن أكثر من 7 ملايين سوري تهجروا من بيوتهم، ونزحوا داخل البلاد إلى المناطق الأكثر أمنا، بينما يقدر بأكثر من 4 ملايين عدد اللاجئين إلى دول الجوار (تركيا والأردن ولبنان) التي استقبلت العدد الأكبر من اللاجئين، بالإضافة لمصر والعراق ودول أخرى في أوروبا. وتعد محافظات حمص ودرعا وحلب وإدلب والرقة والحسكة ودير الزور، الأكثر تضررا على هذا المستوى، وتعادل ثلثي مساحة البلاد تقريبا، تعرضت غالبية مناطقها، أحياء وبلدات، لتدمير كامل.
وتشير تقارير منظمات دولية إلى أن محافظة ريف دمشق وأحياء أطراف العاصمة، تصدرت قائمة النزوح، فقد تجاوز عدد النازحين 3 ملايين نسمة، معظمهم من أحياء العاصمة الجنوبية ومخيم اليرموك وحي العسالي والحجر الأسود، المعروفة بـ«حزام الفقر» ذات الكثافة السكانية العالية، وأحياء القابون وبرزة، التي تحولت إلى مناطق شبه خالية من السكان نتيجة محاصرتها من قبل قوات النظام وتعرضها لتدمير منهجي واسع.
واتجه معظم سكان الأحياء الثائرة في مدينة حمص وفي بلدة القصير باتجاه القلمون بريف دمشق ومحافظتي طرطوس وحماه، لتبقى أكثر من 10 أحياء في مدينة حمص شبه خالية من السكان، مثل أحياء حمص القديمة والقصور وبابا عمرو والخالدية وجورة الشياح، والإنشاءات التي دمرت بشكل شبه كامل. أما سكان محافظتي إدلب وحلب، فكان توجههم نحو اللاذقية على الساحل السوري، كما توجه النازحون من غوطة دمشق ودرعا إلى محافظة السويداء.
وقدرت منظمات حقوقية نسبة الأطفال بين نازحي الداخل بـ45 في المائة، يعيش عدد كبير منهم في الحدائق ومراكز الإيواء الحكومية، وهي عبارة عن مدارس خرجت من الخدمة ومبان رسمية مهجورة، لا تتوفر فيها شروط السكن والأمان والحماية، أو أي من المستلزمات الضرورية. كما يعاني النازحون ممن استأجروا منازل في مناطق أكثر أمنا، من الفقر بسبب غلاء المعيشة ونفاد المدخرات، وفقدان مورد الرزق بسبب مقتل أو تغييب المعيل، ومعظم النازحين حتى الذين اضطروا للعمل بأشغال ومهن صغيرة، يتلقون مساعدات بشكل أو بآخر من جهات محلية أو من أقارب في الخارج.
وبعد 4 سنوات من النزوح، يتحدث أكثرية النازحين الذين استقروا في منازل بديلة عن فقدان الأمل بالعودة إلى مناطقهم. أبو مصطفى (70 عاما) النازح من ريف حمص الغربي، لا يتمنى سوى أمر واحد: أن يدفن في بلدته بريف القصير الذي بات اليوم تحت سيطرة حزب الله. ومع أنه لم يشارك في المظاهرات ضد النظام ولا في أي أعمال قتالية، إلا أنه يخشى العودة المشروطة بتسوية وضعه مع الجهات الأمنية؛ إذ لا توجد ضمانات لعدم اعتقاله أو قتله، ناهيك بتدمير منزله والاستيلاء على أراضيه الزراعية وكل ممتلكاته، ويقول: «جاري عاد إلى المنطقة، لكنه لم يجد منزله ولا أرضه، فمات بالسكتة القلبية كمدا».
في حين أن ماجد الذي غادر مدينة حماه إلى دمشق بسبب مضايقات المخبرين في حيه واستدعاءاته المتكررة إلى فروع الأمن واعتقاله لمدد متفاوتة، ما زال منزله ومحله التجاري قائما، لكنه نفسيا لم يعد قادرا على الذهاب إلى حماه، واختار دمشق للاستقرار والعيش بعيدا عن معارفه وأهله. يقول: «حياتي انقلبت رأسا على عقب، وقد تعايشت مع هذا الوضع إلى حد أني لم أعد قادرا على تعديله، حتى لو أتيحت لي العودة إلى مدينتي، فلن أعود».
بعد 4 سنوات من انطلاقة الثورة، لم يعد حلم السوريين الخلاص من الاستبداد وإنما فقط العيش في منطقة آمنة دون تهديد من أي طرف، حتى حلم عودة النازحين واللاجئين إلى بيوتهم ومناطقهم، بدأ يبهت في مغطس الدماء الساخن ليصبح حنينا موجعا إلى حياة صارت من الماضي، غير معلوم ما إذا كانت ستتجدد، أم ستؤول، كما غيرها، إلى حيوات شعوب أخرى عاشت النزوح واللجوء ولا تزال.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».