إذا كان برنارد شو قد اعتبر أن الشخص «الأحمق» هو من يختزل الفن في الرسم، فإنه محق في ذلك تماماً، فالفن لا يمكن اختزاله في شكل واحد أو أسلوب بعينه، كذلك لا يمكن أن نضع له حدوداً أو نهايات، وهو ما يذهب إليه أيضاً المثل الشعبي العربي القائل: «الفنون جنون».
في القاهرة؛ يمكننا أن نضيف لهذا المَثل ما يؤكد أن الفنون أيضاً ابتكار متجدد، وإبداع في الرؤى، وتطويع ما حولنا بما يجعله موُاكباً للعصر. فمع زيارة المعرض الفني «متاهة»، يمكن أن نلمس خطوات جديدة يتحرك بها الفن التشكيلي نحو الحداثة، حيث يأبى أن نختزله في لوحة صامتة، بل يمكن لعناصر هذه اللوحة أن تتحرك، وتجعل المتلقي يعيش بداخلها.
فالمعرض، الذي يستضيفه متحف المثال محمود مختار بالعاصمة المصرية حالياً، يعد «أول معرض فني مصري بتكنولوجيا الواقع المعزز والواقع الافتراضي»، حسب صاحبته الفنانة الدكتورة أسماء شاهين.
ويعتمد «الواقع المعزز» على عروض تكنولوجيا الواقع الافتراضي والمواد التفاعلية عبر الكومبيوتر والأجهزة الذكية، حيث يسمح للمستخدم بالتجول افتراضياً في بيئة قريبة من الواقع، والتفاعل معها بالصوت والصورة، فيرى ما لا يمكن رؤيته في الواقع.
ومع تطبيق هذا التكنيك على عالم الفن التشكيلي؛ يمكن للفنان تحريك بعض مفردات لوحته الفنية، أو إكسابها مكونات وعناصر جديدة لا ترى بالعين المجردة، ما يجعل المشاهد لا يقف أمامها فحسب، بل يدخل إليها ويتفاعل معها. وهو ما يمكن رؤيته داخل لوحات معرض «متاهة»، حيث تلجأ صاحبة المعرض إلى استخدام تقنيات جديدة من خلالها تأخذ المتلقي في تجربة خيالية من خلال عدد من اللوحات المتتالية، التي يمكن الدخول إليها من خلال تطبيق هاتفي أعد خصيصاً لهذا المعرض، حيث يسمح للمتلقي بأن يرى الواقع الحقيقي للوحات، وأن يعيش داخلها قصة مسلسلة وواقعاً افتراضياً آخر.
وعن اختيار فكرة «المتاهة»، تقول شاهين لـ«الشرق الأوسط»، «استلهمت الفكرة من المتاهة التي يواجهها الإنسان في حياته، فهو مكبل وأمامه دوماً متاعب وعراقيل تقف أمامه، فيتعثر ويسقط، ثم يخطو خطوات بحثاً عن طريق النجاة، وقد يسقط مجدداً أو ينهض تجاه بصيص من الأمل، وهي الفكرة التي عبرت عنها عبر عدد من اللوحات الواقعية، ثم أضفت إليها عنصراً رئيسياً في الواقع المعزز يتمثل في فتاة صغيرة تمثل هذه المتاهة، كعنصر حي يتحرك أمام المشاهد، حيث تدخل دروب هذه المتاهة الحياتية بحثاً عن الطريق، فتسرع الركض أحياناً وتسقط أحياناً أخرى، ثم تتجه ناحية الضوء الذي يمثل الأمل، لتخرج في النهاية من الشرنقة محلقة بجناحيها نحو الحرية».
اعتمدت الفنانة على دمج أكثر من أسلوب فني وعلى عدد من المراحل حتى الوصول إلى واقعها المعزز، فهي بداية تلجأ إلى أسلوب الرسم والتلوين على الجسد (Painting body)، والمرحلة الثانية تتمثل في أخذ «كادرات» فوتوغرافية مع تسليط إضاءات عليها بألوان مختلفة، والمرحلة الثالثة أخذ هذه الصور والعمل عليها عن طريق «الغرافيك»، ثم يأتي المحور الثاني، وهو التعبير عن مضمون المتاهة نفسها، عن طريق رسم «جداريات» كبيرة الحجم بأشكال مختلفة، وهي التي فوق سطحها تتحرك بطلة العمل في الواقع المعزز، بما يحكي أحداثاً متتابعة تجعلنا أمام قصة أو حكاية متكاملة، تتضمن عدداً من المشاهد وتضم دراما وتصاعداً للأحداث ونهاية.
ترى شاهين أن هذا الأسلوب يتيح للمتلقي أن يكون داخل الحدث، وبأن يكون جزءاً من العمل الفني، بل هو الجزء الرئيسي الذي يتفاعل ويتعايش مع اللوحة، التي في هذه الحالة لا تكون على طبيعتها الصامتة.
وحسبها، فإن هذه الفكرة الفنية معروفة لدى الغرب، ولكنها تقتصر على وجود عنصر واحد متحرك في لوحة واحدة، أما فكرتها هي فتقوم على ربط جميع اللوحات عن طريق عنصر مشترك، مع الاعتماد على الرسم والتصوير والغرافيك والأنيميشن والتكنولوجيا، وهو ما يجعل الفن التشكيلي يحاكي الأساليب التكنولوجية الحديثة ولا يتأخر عنها.
«المتاهة»... جولة واقعية ـ افتراضية بين «متاعب الحياة»
معرض مصري يستعين بتكنولوجيا الواقع المعزز
«المتاهة»... جولة واقعية ـ افتراضية بين «متاعب الحياة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة