القاهرة تطلب من الحريري عدم الاعتذار عن تأليف الحكومة

لقاؤه مع السيسي الخميس محطة سياسية ضمن مشاورات عربية ودولية

الحريري مستقبلاً السفير المصري في لبنان ياسر علوي (دالاتي ونهرا)
الحريري مستقبلاً السفير المصري في لبنان ياسر علوي (دالاتي ونهرا)
TT

القاهرة تطلب من الحريري عدم الاعتذار عن تأليف الحكومة

الحريري مستقبلاً السفير المصري في لبنان ياسر علوي (دالاتي ونهرا)
الحريري مستقبلاً السفير المصري في لبنان ياسر علوي (دالاتي ونهرا)

يشكل الاجتماع المرتقب لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الخميس المقبل، في القاهرة، محطة سياسية تأتي في سياق مشاوراته العربية والدولية يتطلع من خلالها إلى استقراء آفاق المرحلة السياسية في لبنان والموقف الذي سيتخذه، خصوصاً أن القيادة المصرية لا تحبذ اعتذاره عن تأليف الحكومة وتلتقي مع القيادة الروسية التي تمنت عليه بلسان نائب وزير الخارجية والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، عدم الاعتذار.
ويلتقي الموقفان المصري والروسي مع مواقف دولية وإقليمية لا تؤيد اعتذاره، وتدعوه للتريث إفساحاً في المجال أمام الاتصالات والمشاورات الجارية لعلها تدفع باتجاه إسقاط الشروط التي تؤخر تشكيل الحكومة.
وفي هذا السياق، قال رئيس حكومة سابق لـ«الشرق الأوسط»، إن الإعلام يستعجل حرق المراحل ويتحدث عن اعتذار الحريري، وأكد أن الحريري لم يتخذ حتى الساعة قراره بالاعتذار، وإن كان من الخيارات الجدية المطروحة على الطاولة مع أنه إذا حصل فلن يحصل بلا مقدمات سياسية تسبقها ولا يمكن القفز فوق مفاعيلها.
ولفت رئيس الحكومة، الذي فضل عدم ذكر اسمه، إلى أنه سيكون للحريري موقفه النهائي في ضوء تقويمه للواقع السياسي، وقال إن رئيس الجمهورية ميشال عون يعول على اعتذاره، وأن يترك له تسمية من يرشحه لخلافته على غرار تسميته في السابق للسفير مصطفى أديب، لتشكيل الحكومة، الذي اضطر للاعتذار، لأن عون والفريق السياسي المحسوب عليه بادرا إلى وضع شروط لإعادة تعويم وريثه السياسي النائب جبران باسيل لتأمين استمرار إرثه السياسي بعد انتهاء ولايته الرئاسية.
وكشف أنه سبق أن طُرحت مسألة تسمية البديل للحريري على جدول أعمال اجتماع رؤساء الحكومات السابقين الذين لم يبدوا حماسة لتبني هذا الاقتراح لأنه من غير الجائز تقديم اعتذار الحريري كهدية لعون الذي يعيق تشكيل حكومة مهمة ويرفض تقديم التسهيلات انصياعاً لرغبة باسيل.
ورأى رئيس الحكومة السابق أن مجرد الدخول في لعبة تسمية البديل يعني حكماً بأننا ارتضينا بملء إرادتنا أن نقدم مكافأة لعون على عناده ومكابرته على غرار مكافأته بانتخابه رئيساً للجمهورية بعد أن عطل الجلسات النيابية المخصصة لانتخاب الرئيس لأكثر من عامين معتمداً على فائض القوة الذي يتمتع به حليفه «حزب الله»، وكان وراء الضغط لمنع اكتمال النصاب القانوني لانتخاب الرئيس ما لم يُنتخب عون رئيساً.
وغمز من قناة «حزب الله» متهماً إياه بالشراكة مع عون في تعطيل تشكيل الحكومة، وقال إن الحزب يتشدد بتلطيه وراء عون الذي يستقوي بالعضلات السياسية لحليفه، وإلا لماذا يرفض التدخل لديه للسير في مبادرة حليفه الاستراتيجي رئيس المجلس النيابي نبيه بري مع أن أمينه العام حسن نصر الله كان أبدى استعداده لمساعدته؟
واعتبر أن «حزب الله» برفضه مساعدة بري قرر الانحياز لمصلحة عون - باسيل اللذين اتخذا قرارهما بقطع الطريق على الحريري ومنعه من تشكيل الحكومة، وقال إن الحزب ينظر إلى تشكيلها من زاوية إقليمية، ولا يأبه للحسابات المحلية، ويستثمر في تعطيل عون تشكيلها، لأنه يربط ولادتها بمفاوضات فيينا ويضع أوراقه في السلة الإيرانية، وبالتالي فإن إصراره على تسريع ولادتها هو للاستهلاك المحلي، لأنه بموقفه هذا سيبقي البلد تحت رحمة المفاوضات.
وفي هذا السياق أكد مصدر سياسي أن موقف الحزب من الحكومة يجب أن يُقرأ من المفاوضات الجارية في فيينا بين الولايات المتحدة وإيران برعاية أوروبية حول الملف النووي، وقال إنها لم تحقق التقدم المطلوب بخلاف ما يشاع من تفاؤل في أعقاب انتهاء كل جولة من المفاوضات، وإلا لماذا شن نصر الله في كلمته الأخيرة هجوماً غير مسبوق على السفيرة الأميركية لدى لبنان متهماً إياها بتدمير العملة اللبنانية وباستمرار الحصار على لبنان؟
ولاحظ المصدر نفسه أن توجس «حزب الله» سرعان ما تمدد ليشمل في الوقت نفسه السفيرة الأميركية دوروثي شيا، ونظيرتها الفرنسية آن غريو، عشية استعدادهما للتوجه إلى المملكة العربية السعودية، وهذا ما عكسته وسائله الإعلامية التي اتهمتهما بالوصاية والانتداب على لبنان. ورأى أن الحزب يضع موقفه من تشكيل الحكومة بتصرف حليفه الإيراني.
لذلك فإن «العهد القوي» ومن خلفه حكومة «تصريف الأعمال» يحاول تقديم «رشاوى» للسواد الأعظم من اللبنانيين تتوزع بين إعطائهم البطاقة التمويلية لقاء رفع الدعم الذي يسري مفعوله، فيما تفتقد البطاقة إلى من يمولها مالياً لمساعدة العائلات الأشد فقراً، مع أنه يدرك أنها مسكنات بلا مفاعيل سياسية واقتصادية، ويسعى من خلالها لأخذ اللبنانيين إلى مكان آخر، رغم أنه يعرف أن لا حل للانهيار إلا بتشكيل حكومة ببرنامج إصلاحي وبشروط فرنسية، وهذا ما قيل للرئيس حسان دياب لدى اجتماعه بالسفراء العرب والأجانب.
وعليه فإن «العهد القوي» بات محاصراً دولياً، خصوصاً أن الحكومة المستقيلة أسقطت نفسها دولياً فور تبني الرئيس دياب بموقف غير مباشر اتهام نصر الله لواشنطن بفرص الحصار على لبنان ما استدعى رداً عنيفاً من السفيرتين الأميركية والفرنسية.
ويبقى السؤال: هل اتخذ الحريري قراره بالتريث في حسم موقفه من الاعتذار بناء لنصائح من المجتمع الدولي في ضوء إجماع معظم السفراء لدى لبنان على أن لا خروج من الأزمة إلا بتشكيل الحكومة، وإن كانوا مدركين للصعوبات التي يواجهها؟ وهل يأتي تريثه إلى حين جلاء النتائج المرجوة من معاودة الاتصالات الدبلوماسية حول الملف اللبناني، علماً بأن اعتذاره بنظر أكثرية مؤيديه ومحازبيه يشكل نكسة له وانتصاراً مجانياً لعون.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.