تبدو شخصية «تالا» التي تؤديها سارة أبي كنعان في مسلسل «داون تاون» سهلة؛ لا مطبات فيها ولا آفاق. دور ضئيل، لا ينشّط «العضلات» الفنية. لكن الممثلة الشابة تصقله بالعفوية، فيصبح كاراكتيراً لطيفاً يمكن انتظاره، لا يُبلله الملل. ترددت قبل الموافقة: «أؤدي الشخصية أم أعتذر؟ أخشى أن تتراءى فارغة». تخبر «الشرق الأوسط» أنها أعطت الكاراكتير عاطفة وأعطاها قسوة. غريب عالم الـ«أندرغراوند» الذي يلامسه المسلسل، استفزها فتساءلت: «ما خفايا الـ(Dark web)؟ مَن هم رؤوسه؟ ومن وراءه؟». تضخّم حسّ الفضول، فمنحت «تالا» رغبتها الذاتية في فك ألغازه. تتلوّع أبي كنعان وتبوح باللوعة: «واجهتني بشاعة الموقف. كثر عملوا ضدي، وما بعرف ليش».
تتمنى لو تُمنح دوراً يجعلها تعيش «الشعطة»، فتذهب إلى التصوير خائفة وتنام خائفة. تتوجّه عبر «الشرق الأوسط» إلى المنتجين: «راهنوا عليّ في أدوار كهذه، ولن تندموا».
تصف دور «تالا» بـ«السهل الممتنع». لمحته في أدوار سابقة أدتها، فكان التحدي استخراج الجديد واستبعاد القديم. لمن لم يشاهد: «تالا» شابة لذيذة، لديها حبيب في لبنان، وعائلة في الغربة. وهي صديقة وفية، صنفها مرح، وعفويتها طاغية. الباقي، «ترشّه» الممثلة كتوابل على الشخصية، فتُجنّبها الاسترخاء البائس على السطح. تميّز بين تالا وسارة: «تدوس على مشاعرها وتكمل طريقها، أما أنا فأمنح الفرص على حساب سعادتي. أبرّر للناس أخطاءهم، وأنجرف بالعاطفة. لقد تبادلنا الأدوار: منحتها ليناً، ومنحتني صلابة. أكملنا بعضنا بعضاً».
نطرق باب المسلسل المعروض عبر «جوي»، من تأليف كلود أبي حيدر، وسيناريو وحوار محمد إدريس، وإخراج زهير قنوع، وإنتاج «فالكون فيلمز». نسأل سارة باستغراب: أحقيقي ما نشاهد؟ وببراءة تجرفنا الدهشة: «هل حقاً ثمة (Fight club) في لبنان؟ ورهانات بالملايين على المتقاتلين؟». لا تملك جواباً. «الأكيد أن عالم الـ(دَّارْك ويب) موجود، وقصص الـ(أندرغراوند) قابضة على عنق المدينة». «الناس تنجذب لما تجهل»، تقول، رداً على سؤال عن هذا الموضوع غير المألوف عادة في الدراما ومدى قدرته على استمالة الجمهور.
فالمسلسلات تعوّد المُشاهد العربي قضايا الخيانة والمخدرات، وقلما تحلّق خارج الصندوق. لـ«داون تاون» خطاب آخر، يُحمّله لنجم ماهر هو السوري سامر إسماعيل. «وهذه الإشكاليات مطروحة في الأفلام الأجنبية، يشاهدها العربي عبر المنصات، ولا يستغرب».
لم يهن على الكرامة جرحها، فتتخذ «تالا» مساراً آخر، بعدما نعتتها أم الحبيب بـ«السخيفة»، والثلاثة معاً يلعبون «لعبة الصراحة». هذه «تالا»، فماذا عن سارة؟ أي المواقف قلَبَ مساراتكِ، وعلّم حد الصدمة؟ تبدأ العد: «الخيانة، والخيبة، والكذب، وسوء المعاملة غير المبرر». أوف أوف، فتجيب: «إيه. تعرّضت لهذه الأوجاع، وبصعوبة تجاوزت. قلت منذ البداية إنني منجرفة عاطفياً، أبرّر للناس وأغفر لهم وإن تسببوا بأذيتي. (تالا) تعلّمني شد الحيل».
لافتة الصداقة مع ستيفاني صليبا بشخصية «تمارا» في المسلسل. نادر الوفاء اليوم، وشبه مفقود كالمواد الغذائية والدواء وحليب الأطفال في لبنان. ماذا عن مفهومكِ للصداقات «سارة»، أم إنها أيضاً مجرد تمثيلية؟ «أؤمن بها. لدي صداقات عمرها 14 عاماً. الفارق أن دائرة الأوفياء تتقلّص. مع العمر، يتأكد الزيف ولا تبقى سوى القلة الصادقة».
فلنعد إلى الدراما ومتاهاتها. نصارح أبي كنعان بأن أفضل أدوارها حتى الآن هو دور «ديانا» في مسلسل «بالقلب»، لعذوبته ورقّته. ونسألها إن كانت لديها الجرأة لتعترف بندمها على شخصية. تتمهّل في التفكير، وتؤكد: «الأدوار تُراكم خبرتي، وإن لم تكن ما أطمح إليه. شخصيات كثيرة لم أرد أداءها، ثم وافقت عليها حين وجدت ما يمكن إضافته واختراعه. لكنها معاً تصقلني وتقوّيني». وأمام الإحراج، تقرّ بالجواب: «شخصية (فتون) في (ثورة الفلاحين) هي الأقرب إليّ؛ إن كان لا بد من إجابة عن سؤال يستثني دور (ديانا)، عن أفضل كاراكتير شكّل فارقاً. استمتعت بالعمل في هذا المسلسل».
نلقي بعض اللوم عليها بالإشارة إلى «غنجها» ورقّتها، ولعلهما السبب في احتمال «التشكيك» في قدرتها وتجنّب مدّها بأدوار تقشّر جلدها وتخرجها من «نمطية» الشابة الدلّوعة. تتأسف لاعتبار أنّ كتّاباً ومنتجين يُفترض تحلّيهم بنظرات ثاقبة، لا يرون الممثلة الحقيقية فيها. «الممثل يعني كل الأدوار. شكلياً؛ أبدو رقيقة، وضمنياً، أنا ممثلة. أقول لمن سيراهن عليّ بأدوار مختلفة إنّه سيكسب رهانه. أمنيتي أن يُعرض عليّ دور يسرق تفكيري ويحرمني النوم. دور يجعلني أهتف: (Yes، I am alive). ويحرّك في أعماقي الإحساس بالشعطة؛ أي بالاتقاد والجنون. أنا في الانتظار».
أفادتها البطولة الجماعية، خصوصاً لناحية وجود خطوط درامية متشعّبة، بعد تجربة البطولة المطلقة، «فالممثل الشاطر يخترق ويلمع». تصبح أكثر انتقائية، وتترقّب مَن يلبّي نداء الممثلة في داخلها. فكّرت مرات في الهجرة وترك المهنة: «بدي مثّل برّا، وإن كان دور كومبارس. عندها ستُقدّر أكثر موهبتي. ثم أتراجع، وأجدّد المحاولة. بدي ضلّ حارب».
بدت غاضبة في «بوست» كتبته عبر «إنستغرام» عن تغلّب الصورة والمصالح والمحسوبيات على «الفن الشريف». تجيب: «نعم ظُلمت»، حين نسألها عن حجم اللوعة... «تُعطى الفرص لمَن لا يستحق، ويتسلّق المتسلّقون قمماً ليست لهم. لم أنل البطولة إلا بعد عذاب. صعدتُ السلّم درجة درجة، وأنا أصطدم بآخرين يصلون دفعة واحدة. كثر وقفوا ضدي ولا أدري لماذا. منح الفرص مشروع، لكن اللاعدالة مؤلمة».
ليست سارة أبي كنعان ممن يشعلون جبهات بسبب آراء في السياسة: «الفنان ليخفّف عن الناس، لا ليؤجج نارهم». تميّز بين صرخة العيش والتراشق بين جماهير الأحزاب، فتتحوّل صفحات التواصل إلى خنادق. ألا تخشين من أصابع تُدلل إليكِ على أنك من «لالا لاند»؟ «فليكن. وجودي الإنساني فاعل مع الجمعيات. أما موقفي فواضح: أريد السياسة خارج عملي وصفحاتي. الناس مش ناقصها هَمّ».
سارة أبي كنعان لـ «الشرق الأوسط»: راهنوا عليّ ولن تندموا
سارة أبي كنعان لـ «الشرق الأوسط»: راهنوا عليّ ولن تندموا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة