ممثل الاتحاد الأوروبي يلوّح بـ«عقوبات» على السياسيين اللبنانيين لـ«تحفيزهم»

عون دعا إلى عودة النازحين السوريين وبوريل قال إنهم ليسوا سبب الأزمة

بوريل مجتمعاً أمس مع الرئيس ميشال عون (دالاتي ونهرا)
بوريل مجتمعاً أمس مع الرئيس ميشال عون (دالاتي ونهرا)
TT

ممثل الاتحاد الأوروبي يلوّح بـ«عقوبات» على السياسيين اللبنانيين لـ«تحفيزهم»

بوريل مجتمعاً أمس مع الرئيس ميشال عون (دالاتي ونهرا)
بوريل مجتمعاً أمس مع الرئيس ميشال عون (دالاتي ونهرا)

بدأ ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل أمس زيارة للبنان، استهلها بالتلويح بفرض عقوبات على شخصيات لبنانية، رافضاً الرواية التي يتبناها الرئيس اللبناني ميشال عون عن تسبب النازحين السوريين بالأزمة الاقتصادية القائمة.
وقال بوريل إنّ الاتحاد الأوروبي يدرس خيارات عدة في التعامل مع الأزمة اللبنانية من بينها فرض عقوبات على القادة السياسيين، وأضاف: «نأمل ألا نكون مضطرين للقيام بذلك، ولا سيما أنّ العقوبات لا تصنع السياسة ولكنّها قد تشكل حافزاً للسياسيين ليتحركوا قدماً. ولكن هذا كله يعود إلى القيادة اللبنانية».
وأكد بوريل أنّ الاتحاد الأوروبي على استعداد لمواصلة تقديم الدعم للبنان وشعبه، وأنّ لديه طرقاً وأدوات مختلفة لمساعدة الحكومة اللبنانية جاهزة فور حصول تقدم ملموس فيما يتعلق بعملية الإصلاح الضروري، ولا سيما أنّه لا يمكن إطلاق مساعدات مالية واقتصادية إذا لم يكن هناك من اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي، مؤكداً استعداد الاتحاد الأوروبي لتقديم مساعدات تذهب مباشرة إلى المجتمع المدني.
وكان بوريل بدأ جولته في لبنان بزيارة رئيس الجمهورية ميشال عون مؤكداً أنّ الأزمة التي يواجهها لبنان هي «صناعة وطنية» وأزمة محلية الصنع فرضت من الداخل وليس من الخارج، وأنّ على الرؤساء والقادة اللبنانيين أن يتحملوا مسؤولياتهم ويضعوا التدابير الضرورية لتشكيل حكومة وتطبيق الإصلاحات الضرورية من دون أي تأخير، وقال: «نحن لا نستطيع أن نفهم كيف مضى تسعة أشهر على تكليف رئيس وزراء وأنتم من دون حكومة حتى الآن».
وأشار بوريل إلى أنّ الاتحاد الأوروبي يدرك العبء الذي فرضه وجود النازحين السوريين في لبنان، إضافة إلى غيرهم، وأنه عمد منذ بداية الأزمة إلى تقديم الدعم المهم للنازحين وللدول المضيفة، وهو على استعداد لتقديم دعم أكبر للبنان وكل الدول التي تستقبل النازحين، ولكنه قال إن الأزمة الاقتصادية التي يواجهها لبنان هي نتيجة سوء الإدارة، وليس لها رابط مباشر بمسألة النازحين، فليس من العدل أن نقول إن الأزمة هي نتيجة وجود هؤلاء.
كما شدّد على ضرورة حصول الانتخابات النيابية المقررة العام المقبل في موعدها وعدم تأجيلها، مشيراً إلى استعداد الاتحاد الأوروبي لإرسال فريق مهمة لمراقبتها في حال وردته دعوة للقيام بذلك، كما أكّد على ضرورة أنّ تحقق السلطات اللبنانية بانفجار مرفأ بيروت وأن يؤدي هذا التحقيق إلى نتيجة.
وأشار بوريل إلى أن نسبة البطالة أصبحت «40 في المائة، وأكثر من نصف الشعب يعيش ضمن معدل الفقر، وهذه الأرقام دراماتيكية». واعتبر أن اتفاقية فورية مع صندوق النقد الدولي «ستنقذ لبنان من انهيار مالي، وليس هناك من وقت لإضاعته».
وأعلن أن «الاتحاد على استعداد لمواصلة تقديم الدعم للبنان وشعبه، وقد قمنا في عام 2020 بتوفير 330 مليون يورو مساعدات للبنان، أي ما يقارب المليون يورو كل يوم، ووضعنا إطاراً بالتعاون مع الأمم المتحدة، لتقديم المساعدات للشعب اللبناني بشكل مباشر».
وعن موضوع النازحين السوريين قال بوريل: «عمد الاتحاد الأوروبي، منذ بداية الأزمة، إلى تقديم الدعم المهم للنازحين وللدول المضيفة، ونحن على استعداد لتقديم دعم أكبر للبنان والأردن وتركيا وكل الدول التي تستقبل النازحين». وأضاف: «إننا على ثقة أن السلطات اللبنانية ستستمر في احترام مبادئ عدم الإعادة القسرية، ونحن نستمر بتقديم الدعم للنازحين وللمجتمعات اللبنانية التي تستضيف الجزء الأكبر من هؤلاء».
وأكد أن لبنان «على حافة الوقوع في الانهيار المالي بسبب سوء الإدارة وليس بسبب وجود نازحين».
من جانبه، شدّد رئيس الجمهورية على أهمية مساعدة أوروبا لبنان في استعادة الأموال المهربة إلى المصارف الأوروبية والاستمرار في التدقيق المالي الجنائي، رغم العراقيل التي توضع أمام هذا العمل الأساسي لمكافحة الفساد الذي تقف وراءه منظومة تضم مسؤولين وسياسيين واقتصاديين ورجال مال وأعمال.
ولفت عون إلى أنّ التدقيق المالي الجنائي هو الخطوة الأولى المطلوبة في المبادرات الإنقاذية وبرامج المساعدات من الدول والهيئات الدولية المعنية، والذي من دونه لا يمكن تحقيق الإصلاحات واستعادة الثقة الخارجية بالواقع المالي اللبناني.
ورحّب عون بأي دعم يقدمه الاتحاد الأوروبي لتشكيل الحكومة الجديدة، التي لا بد أن تكون ذات صدقية وقدرة على إجراء الإصلاحات، وتنطلق من الأصول الدستورية والأعراف والعادات المنبثقة منذ سنوات، مجدداً موقف لبنان من ضرورة إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، وخصوصاً بعد استقرار الوضع الأمني في معظم الأراضي السورية، لأن لبنان لم يعد قادراً على تحمل تداعيات هذا النزوح على القطاعات كافة.
والتقى بوريل كذلك رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قدّم له شرحاً مفصلاً عن مبادرته الرامية لتجاوز الأزمة الحكومية والمراحل التي قطعتها، مؤكداً أن العقبات التي تحول دون إنجاز الحكومة هي محض داخلية. وعرض «ما أنجزه المجلس النيابي من قوانين إصلاحية وما هو قيد الإنجاز في هذا الإطار لمواكبة الحكومة العتيدة في مهمتها الإصلاحية والإنقاذية المنتظرة». وشكر بري للاتحاد الأوروبي دوره وجهوده كما المبادرة الفرنسية لمؤازرة لبنان للخروج من أزماته.
كما التقى بوريل رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب الذي عرض الصعوبات التي يمر بها لبنان، ولا سيما في ظلّ التأخير الحاصل بتأليف الحكومة نتيجة الخلاف السياسي الذي يفاقم الأزمات ويزيد معاناة الشعب.
وأمل دياب الإسراع بإقرار مشروع البطاقة التمويلية في المجلس النيابي والذي سبق وأرسلته الحكومة مع تأمين مصادر تمويلها لدعم نحو 750 ألف عائلة محتاجة، طالباً مساعدة الاتحاد الأوروبي في هذا المجال.
وأكّد دياب أن مفتاح الحل للأزمة المالية والاقتصادية والمعيشية يكمن في تشكيل حكومة جديدة تستأنف التفاوض الذي كانت بدأته الحكومة الحالية مع صندوق النقد الدولي وعلى قاعدة خطة التعافي المالي التي وضعتها الحكومة بعد تحديثها، مشيراً إلى أنّ حكومة تصريف الأعمال لم تتقاعس عن أداء مسؤولياتها وفق ما يسمح به الدستور وفي أعلى سقف من تصريف الأعمال لتسهيل حياة المواطنين والحد من معاناتهم.
ومن المقرّر أن تشمل جولة بوريل في لبنان لقاءات مع مسؤولين حكوميين ورؤساء أحزاب وعسكريين ومنظمات من المجتمع المدني.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.