اختيارات الأطفال تتحدد بالتوجهات المجتمعية أكثر من الأوامر

اختيارات الأطفال تتحدد بالتوجهات المجتمعية أكثر من الأوامر
TT

اختيارات الأطفال تتحدد بالتوجهات المجتمعية أكثر من الأوامر

اختيارات الأطفال تتحدد بالتوجهات المجتمعية أكثر من الأوامر

يبدو أن تكوين العقل الجمعي يبدأ في عمر مبكر جداً من حياة الطفل حتى قبل أن يلتحق بالمدرسة التي تعتبر المجتمع الأول له. ورغم أن الطفل في هذه المرحلة لا يكون مدركاً لتأثير اختيارات الآخرين على اختياراته الشخصية النابعة من الرغبة الذاتية، فإن الحاجة للانتماء إلى مجتمع معين تكاد تكون غريزية، حسب أحدث دراسة نفسية تم إجراؤها على أطفال في مرحلة ما قبل المدرسة.

- توجهات الأقران
وأظهرت الدراسة أن تأثير الأقران أكبر من تأثير القائد سواء كان الأب في المنزل أو المدرس في المدرسة أو المدرب في النادي، خلافاً للتصور العام في التعامل مع الأطفال في هذه المرحلة بأنهم يستجيبون للأوامر والنواهي أكثر من الاختيارات الحرة.
الدراسة التي قام بها علماء من جامعة ديوك Duke University في الولايات المتحدة الأميركية وتم نشرها في نهاية شهر مايو (أيار) من العام الجاري في مجلة «بلوس ون» journal PLOS ONE، أوضحت أن هذا التأثير يمكن استثماره في الأشياء النافعة مثل اتباع نمط غذائي صحي أو ممارسة رياضة معينة وحتى السلوكيات العادية التي قد تطلب شجاعة والتخلص من الخجل.
ومن السلوكيات على سبيل المثال: رفع الأيدي كنوع من مشاركة الآخرين لأداء عمل معين جماعي، وكذلك الخضوع لنظام عام مثل الوقوف في طابور. وكل هذه الأمور يمكن للأطفال رفضها في حالة إذا كانت صادرة كنوع من الأمر ولكن يتم الترحيب بالقيام بها كنوع من مشاركة الجماعة.
قام الباحثون بإجراء التجربة على 104 من الأطفال تتراوح أعمارهم بين الثالثة والخامسة (فترة ما قبل دخول المدرسة في معظم الدول) وأفهموا الأطفال أنهم بصدد المساعدة في إعداد حفلة شاي (حفلة غير حقيقية للتجربة فقط)، ويمكنهم تناول المشروبات والوجبات وقاموا بإعطاء كل طفل بطاقة زرقاء اللون وتم إخبارهم أن كل الأفراد الذين يحملون لون البطاقة نفسها فهم من فريق واحد. وتركوا لهم حرية اختيار الطلبات من الحفل وحتى الأطباق والملاعق وأدوات المائدة وأكواب الشراب.
ثم بعد ذلك جعلوا الأطفال يستمعون إلى اختيارات بقية أعضاء الفريق. وكان هناك جزء من الحضور اختار طلبات معينة متضمنة الأكل والشراب والأدوات على أنها اختيارهم الشخصي، معبرين عن ذلك بالصوت مثل (أنا أفضل هذا النوع من فطيرة التفاح)، والجزء الآخر اختار طلبات كما لو كانت خياراً مجتمعياً معيناً يفضله الجميع مثل (في هذه المقاطعة جميعنا اعتدنا على تناول هذه الفطيرة).

- اختيارات طوعية
تجنب الباحثون المنظمون للحفلة فرض اختيارات معينة على أنها المعيار الاجتماعي لأنهم يمثلون السلطة، بمعنى عدم ترديد عبارات مثل: «يجب شرب هذا النوع من الشاي لأنه جيد»، حتى تكون الاختيارات نابعة من التقاليد وليس مجرد احترام لقوة القانون. واختار الباحثون نموذجين لعرض الآراء الشخصية والمجتمعية أحدهما لشخص بالغ بينما الآخر كان لطفل في عمر 6 سنوات لضمان حيادية الاختيار دون التأثر بمهابة البالغين.
وفي البداية اختار الأطفال طلبات معينة تبعاً لرغبتهم الحقيقية فيها واعتيادهم على تناولها، وبعد سماع آراء الحضور بقيت معظم آراء أفراد العينة كما هي لم تتغير. ولكن نسبة منهم بلغت 23 في المائة قاموا بتغيير رغباتهم بناءً على توجهات الآخرين. واللافت للنظر أن التأثير كان من الآراء التي تم عرضها على أنها خيارات مجتمعية وليست اختيارات خاصة. وكان تأثير الأطفال على تغيير قرارات أقرانهم أكبر بكثير من تأثير البالغين.
نصحت الدراسة بضرورة الاستفادة من نتائج التجربة في التعامل مع الأطفال الصغار وتصدير فكرة النموذج الأخلاقي moral model كبديل عن فكرة ضرورة الالتزام بتنفيذ أوامر معينة. وعلى سبيل المثال في حالة إذا كان الطفل دائم الشجار مع الزملاء في المدرسة يمكن استخدام جملة «نحن لا نقوم بضرب الآخرين» كبديل عن «لا تقم بضرب الآخرين» لأن الطفل في الجملة الأولى يشعر بأنها خيار مجتمع وليست تفضيلات من الأسرة مما يغير طريقة تفكيره ولذلك في حالة ارتكابه فعل عكس التوجه العام يكون قد ارتكب خطأ في حق الجماعة وليس في حق شخص واحد فقط.

- رأي الجماعة
أوضحت الدراسة أن كل المجتمعات والثقافات فيها ما يليق وما لا يليق وفيها الاختيارات المحبذة والمرفوضة مجتمعياً، ومن هنا تأتي أهمية الرأي الجمعي. وكلما كان هذا الرأي نافعاً وجيداً انعكس ذلك على الأفراد والعكس صحيح.
وهذا الأمر هو الذي يوضح التأثير البيئي حتى في السلوكيات السيئة للمراهقين مثل التدخين وشرب الكحوليات وتجربة المواد المخدرة. وكثير من هذه السلوكيات الإدمانية لمجرد عدم الخروج على الجماعة حيث تكون هذه الاختيارات (التدخين والشرب) أفضلية بالنسبة لذلك المجتمع حتى لو كانت مرفوضة من النظام الذي يمثل السلطة (المدرسة - والأسرة - والقانون).
تعتبر هذه الدراسة هامة جداً لأنها تساعد في شرح كيف تكون المجموعات البشرية قادرة على الحفاظ على الممارسات الثقافية ونقلها عبر الأجيال عبر ترغيب الأطفال الصغار في اكتساب هذه الثقافة. وتبعاً للدراسات السابقة فإن الأطفال يعتبرون سلوك الأغلبية نوعاً من التوافق الفكري يجب إتباعه. وقد لاحظ الباحثون أن الأطفال حتى في محاولة تعلمهم تشغيل جهاز معين يستخدمون طريقة التشغيل التي قام بها العديد من الأشخاص وليس الطريقة التي قام بها شخص واحد حيث يتم اعتبار السلوك الجماعي على أنه «الطبيعي».
- استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

صحتك مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

توصلت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا إلى أن اتباع نظام غذائي منخفض في أحماض أوميغا 6 وغني بأحماض أوميغا 3 الدهنية، يمكن أن يبطئ سرطان البروستاتا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
صحتك مرض ألزهايمر يؤدي ببطء إلى تآكل الذاكرة والمهارات الإدراكية (رويترز)

بينها الاكتئاب... 4 علامات تحذيرية تنذر بألزهايمر

يؤثر مرض ألزهايمر في المقام الأول على الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً، ولكن ليس من المبكر أبداً أن تكون على دراية بالعلامات التحذيرية لهذا الاضطراب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

وصل إلى بريد «استشارات» استفسار من أحد المرضى هو: «عمري فوق الستين، ولدي مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. وتناولت (فياغرا) للتغلب على مشكلة ضعف الانتصاب.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)
مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)
TT

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)
مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)

توصلت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس إلى أن اتباع نظام غذائي منخفض في أحماض أوميغا 6 وغني بأحماض أوميغا 3 الدهنية، إلى جانب مكملات زيت السمك، يمكن أن يبطئ بشكل كبير نمو خلايا سرطان البروستاتا لدى الرجال الذين يختارون المراقبة النشطة، ما قد يقلل من الحاجة إلى علاجات عدوانية في المستقبل، وفق ما نشر موقع «سايتك دايلي».

وجد باحثون من مركز UCLA Health Jonsson Comprehensive Cancer Center أدلة جديدة على أن التغييرات الغذائية قد تبطئ نمو الخلايا السرطانية لدى الرجال المصابين بسرطان البروستاتا الذين يخضعون للمراقبة النشطة، وهو نهج علاجي يتضمن مراقبة السرطان من كثب دون تدخل طبي فوري.

سرطان البروستاتا والتدخل الغذائي

قال الدكتور ويليام أرونسون، أستاذ أمراض المسالك البولية في كلية ديفيد جيفن للطب بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس والمؤلف الأول للدراسة: «هذه خطوة مهمة نحو فهم كيف يمكن للنظام الغذائي أن يؤثر على نتائج سرطان البروستاتا».

وأضاف: «يهتم العديد من الرجال بتغييرات نمط الحياة، بما في ذلك النظام الغذائي، للمساعدة في إدارة إصابتهم بالسرطان ومنع تطور مرضهم. تشير نتائجنا إلى أن شيئاً بسيطاً مثل تعديل نظامك الغذائي يمكن أن يبطئ نمو السرطان ويطيل الوقت قبل الحاجة إلى تدخلات أكثر عدوانية».

تحدي المراقبة النشطة

يختار العديد من الرجال المصابين بسرطان البروستاتا منخفض الخطورة المراقبة النشطة بدلاً من العلاج الفوري، ومع ذلك، في غضون خمس سنوات، يحتاج حوالي 50 في المائة من هؤلاء الرجال في النهاية إلى الخضوع للعلاج إما بالجراحة أو الإشعاع.

وبسبب ذلك، يتوق المرضى إلى إيجاد طرق لتأخير الحاجة إلى العلاج، بما في ذلك من خلال التغييرات الغذائية أو المكملات الغذائية. ومع ذلك، لم يتم وضع إرشادات غذائية محددة في هذا المجال بعد.

في حين نظرت التجارب السريرية الأخرى في زيادة تناول الخضراوات وأنماط النظام الغذائي الصحي، لم يجد أي منها تأثيراً كبيراً على إبطاء تقدم السرطان.

الاستشارة الغذائية

لتحديد ما إذا كان النظام الغذائي أو المكملات الغذائية يمكن أن تلعب دوراً في إدارة سرطان البروستاتا، أجرى الفريق بقيادة جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس تجربة سريرية مستقبلية، تسمى CAPFISH-3، والتي شملت 100 رجل مصاب بسرطان البروستاتا منخفض الخطورة أو متوسط ​​الخطورة والذين اختاروا المراقبة النشطة.

تم توزيع المشاركين بشكل عشوائي على الاستمرار في نظامهم الغذائي الطبيعي أو اتباع نظام غذائي منخفض أوميغا 6 وعالي أوميغا 3، مع إضافة زيت السمك، لمدة عام واحد.

ووفق الدراسة، تلقى المشاركون في ذراع التدخل استشارات غذائية شخصية من قبل اختصاصي تغذية مسجل. وتم توجيه المرضى إلى بدائل أكثر صحة وأقل دهوناً للأطعمة عالية الدهون وعالية السعرات الحرارية (مثل استخدام زيت الزيتون أو الليمون والخل لصلصة السلطة)، وتقليل استهلاك الأطعمة ذات المحتوى العالي من أوميغا 6 (مثل رقائق البطاطس والكعك والمايونيز والأطعمة المقلية أو المصنعة الأخرى).

كان الهدف هو خلق توازن إيجابي في تناولهم لدهون أوميغا 6 وأوميغا 3 وجعل المشاركين يشعرون بالقدرة على التحكم في كيفية تغيير سلوكهم. كما تم إعطاؤهم كبسولات زيت السمك للحصول على أوميغا 3 إضافية.

ولم تحصل مجموعة التحكم على أي استشارات غذائية أو تناول كبسولات زيت السمك.

نتائج التغييرات الغذائية

تتبع الباحثون التغييرات في مؤشر حيوي يسمى مؤشر Ki-67، والذي يشير إلى مدى سرعة تكاثر الخلايا السرطانية - وهو مؤشر رئيسي لتطور السرطان، والنقائل والبقاء على قيد الحياة.

تم الحصول على خزعات من نفس الموقع في بداية الدراسة ومرة ​​أخرى بعد مرور عام واحد، باستخدام جهاز دمج الصور الذي يساعد في تتبع وتحديد مواقع السرطان.

وأظهرت النتائج أن المجموعة التي اتبعت نظاماً غذائياً منخفضاً في أوميغا 6 وغنياً بأوميغا 3 وزيت السمك كان لديها انخفاض بنسبة 15 في المائة في مؤشر Ki-67، بينما شهدت المجموعة الضابطة زيادة بنسبة 24 في المائة.