محاولات كشف أسرار أيام فان غوخ الأخيرة تقود إلى ماين الأميركية

عبر تعقب علاقته مع فنان هولندي في اليابان

كاثرين ماثيوز ابتاعت لوحة مائية تحمل توقيع «إي دبليو بروك» لقاء 45 دولاراً في أحد متاجر مدينة ساكو الأميركية (نيويورك تايمز)
كاثرين ماثيوز ابتاعت لوحة مائية تحمل توقيع «إي دبليو بروك» لقاء 45 دولاراً في أحد متاجر مدينة ساكو الأميركية (نيويورك تايمز)
TT

محاولات كشف أسرار أيام فان غوخ الأخيرة تقود إلى ماين الأميركية

كاثرين ماثيوز ابتاعت لوحة مائية تحمل توقيع «إي دبليو بروك» لقاء 45 دولاراً في أحد متاجر مدينة ساكو الأميركية (نيويورك تايمز)
كاثرين ماثيوز ابتاعت لوحة مائية تحمل توقيع «إي دبليو بروك» لقاء 45 دولاراً في أحد متاجر مدينة ساكو الأميركية (نيويورك تايمز)

يشغل الرسام إدموند والبولي بروك، الذي عاش في القرن التاسع عشر، مساحة صغيرة، لكنها مستدامة في تاريخ الفن، وذلك ليس بفضل عمله، وإنما لأنه يسهم في إلقاء نظرة مثيرة على الأيام المأساوية الأخيرة من عمر فنسنت فان غوخ.
كان الاثنان قد ربطت بينهما علاقة أقرب إلى الصداقة خلال الأسابيع التي سبقت إقدام فان غوخ على الانتحار في يوليو (تموز) 1890. ويعد هذا بمثابة حدث لافت بالنظر إلى ميل فان غوخ للعزلة في أثناء إقامته في قرية أوفير سور واس، الواقعة على الأطراف الشمالية الغربية للعاصمة الفرنسية، باريس.
من جهته، نشأ بروك في اليابان، التي سحرت الرسام الهولندي وألهبت خياله. وكان الرسامان ينطلقان معاً في رحلات للرسم. وجرى تأريخ العلاقة بينهما من خلال بضعة رسائل جعلت بروك شخصية مثيرة للاهتمام لأي شخص معنيّ بدراسة حياة فان غوخ ولا يزال يجابه مشقة في سبر أغوار السر وراء إقدامه على إطلاق الرصاص على صدره.
في هذا الصدد، قال تسوكاسا كوديرا، بروفسور تاريخ الفن في جامعة أوساكا في اليابان، عن بروك، الذي أصبح محوراً لأبحاثه: «إنه شخصية شديدة الغموض. ربما تلقى خطابات من فان غوخ، وربما تلقى رسومات أو لوحات كهدية، وربما تبادلا أعمالاً».
جدير بالذكر في هذا الصدد أن كوديرا قضى قرابة عقد في البحث عن معلومات بروك، وصادف في ذلك نجاحاً محدوداً.
وقد زار قبره في اليابان ووجد سجلات تثبت أن أعمال بروك قد جرى تضمينها خلال حياته في معارض نظّمتها الأكاديمية الملكية للفنون في لندن، وكذلك في «صالون باريس» عام 1891، إلى جانب أن أعماله كانت موضوعاً لمعرضين منفصلين على الأقل في اليابان.
إلا أن العثور على لوحة لبروك ظل مهمة مستعصية على الإنجاز أمام كوديرا، وأصابته بالإحباط، ربما حتى الآن. في أبريل (نيسان)، عثرت كاثرين ماثيوز، واحدة من عشاق متاجر التوفير، بمحض الصدفة، على لوحة مائية تحمل توقيع «إي. دبليو. بروك» في أثناء بحثها عبر مقتنيات متجر «ويرهاوس 839» الواقع في مدينة ساكو بولاية ماين، والمتخصص في بيع كل شيء، من قطع الأثاث حتى سلع غريبة.
ودفعت ماثيوز 45 دولاراً مقابل اللوحة التي تصور امرأة يابانية وطفلاً. وفي طريقها إلى المنزل، دفعها فضولها للتعرف على هوية بروك الذي اشترت لوحته للتوّ، توقفت في ساحة مخصصة للسيارات وبحثت عبر جهاز «آيباد» عنه، وسرعان ما اكتشفت العلاقة بينه وبين فان غوخ. وبعد ذلك، اتصلت بمعاونة زوجها، جون، بكوديرا.
من ناحيته، يعتقد البروفسور أنهما على الأرجح اكتشفا شيئاً نادراً، وهي لوحة أصلية للفنان بروك.
وسألناه عبر محادثة هاتفية: «هل هناك رسامون آخرون يمكن أن يحملوا اسم (إي. دبليو. بروك) وربما أبدعوا لوحة لسيدة يابانية وطفل؟» وأجاب كوديرا: «ليس بوسعنا تخيل أي رسامين آخرين».
فيما يخص اللوحة، نجد أنها لوحة صغيرة الحجم (13×19) لامرأة تحمل طفلاً على ظهرها. وجرى تصوير المشهد أمام منزل ريفي محاط بأوراق أشجار خضراء.
من ناحيته، قال كيفين كيراغان، الذي يملك المتجر الكائن في ماين، إنه اشترى اللوحة منذ 15 عاماً بعد بيع عقار لعائلة كانت تسكن في نيو هامبشير.
وكانت هذه العائلة في الأصل قادمة من ولاية كاليفورنيا، الأمر الذي عدّه كونديرا مؤشراً طيباً نظراً لأن اثنين من إخوة بروك عاشا هناك.
وعلى امتداد ما يزيد على العقد، ظلت هذه اللوحة معلقة في منزل كيراغان حتى قرر بيعها نهاية الأمر. وبرر كيراغان قراره بأنه نتيجة «تغير في الذوق».
أما ماثيوز، فأكدت أنها انجذبت على الفور للوحة، وكانت آخر ما انتقته من داخل المتجر في ذلك اليوم. وقالت: «شعرت أن وجه الطفل الصغير المطلّ من خلف كتف والدته قد قفز مباشرة في وجهي».
ومن بين اللمحات القليلة المتاحة عن الأيام الأخيرة لفان غوخ، اللحظات التي جرى الحديث عنها في الرسائل التي تبادلها مع شقيقه ثيو، ووالدته آنا، وشقيقته فيليمين، وشخصين آخرين. ويعد بروك واحداً من القلائل الذين ورد ذكرهم في هذه المراسلات في وقت كان غوخ يعمل بسرعة محمومة وأبدع لوحتي «ويتفيلد مع أبقار» و«الكنيسة في أوفير» وغيرهما.
وفي ثنايا الخطابات، يتحدث غوخ عن بروك، الذي كان في الـ24 حينها، بوصفه رفيقاً حلو المعشر، لكنه فنان متوسط المستوى حتى الآن.
وفي خطاب مؤرَّخ بالثاني من يوليو، كتب غوخ إلى ثيو: «على الأرجح سيظهر لك بعض رسوماته التي تخلو من الحياة بعض الشيء، لكنه يملك قدرة جيدة على مراقبة الطبيعة. لقد كان هنا في أوفير منذ شهور، وكنا نخرج بعض الأحيان معاً. لقد نشأ في اليابان، لكن لا يمكنك إدراك ذلك أبداً من لوحاته، لكن ربما يحدث هذا مستقبلاً».
جدير بالذكر أن بروك، المولود في أستراليا، كان طفلاً صغيراً عندما انتقل إلى اليابان، حيث عمل والده، جون هنري، مراسلاً ومديراً لدى صحيفة «جابان ديليل هيرالد»، صحيفة تصدر بالإنجليزية ومقرها يوكوهاما. وذكر كوديرا في كتالوغ خاص بمعرض أُقيم تحت عنوان «فان غوخ واليابان»، أن «الوالد تقلد في نهاية الأمر منصباً مهماً في إطار الجالية الأجنبية داخل يوكوهاما».
ومع ذلك، ظهرت صعوبات كبرى في تجميع باقي أجزاء السيرة الذاتية لبروك. وبعد عامين من البحث، نجح كوديرا في العثور على قبر الرسام في مقبرة بلدية كوبي للأجانب، والمثير للدهشة أنها كانت على بُعد 30 دقيقة فقط من منزل البروفسور في تاكارازوكا.
وشرح كوديرا أن بروك «انتقل إلى كوبي في سن الـ58 ولم يكن يملك شيئاً، هذه قصة حزينة للغاية».
وكانت هناك صعوبة مماثلة في العثور على أي أثر لأعمال بروك. وقبل بضع سنوات، عثر البروفسور الياباني على سجل يشير إلى أن «ريدفيرن غاليري» في لاغونا بيتش بكاليفورنيا باع لوحة لرسام يُدعى «إي. دبليو. بروك»، لكن مالك المعرض قال إنه لا يستطيع تذكر المشتري. إضافة إلى ذلك، ظهر عمل مسجل باسم «إي. دبليو. بروك» من قبل في السجلات الخاصة بعقار بيع عام 2014 في لوس أنجليس، لكن من جديد أثبت الواقع أنه صعب المنال. ولذلك، فوجئ كوديرا عندما تلقى رسالة عبر البريد الإلكتروني تُخطره بأن لوحة للفنان ربما موجودة في مكان ليس له علاقة معروفة بالفنان.
وعلى الرغم من أن ملكية الفنان للوحة غير مؤكدة بالكامل -مهمة شديدة الصعوبة بالنظر إلى وجود القليل من الأعمال الأخرى لبروك التي يمكن مقارنتها بها- فإن المؤشرات الأولى تبدو واعدة للغاية، طبقاً لما ذكره كوديرا.
جدير بالذكر هنا أن أحد الأسباب الرئيسية من وراء البحث عن بروك احتمال وجود مزيد من الأدلة في مكان ما على صلة ببروك، تتعلق بغوخ، أو ربما عمل له لم يكتشفه أحد لليوم كان هدية من غوخ لصديقه.
إلا أن الأمل في العثور على نماذج إضافية من أعمال بروك تضاءلت بشدة عندما اكتشف كوديرا أن منزل بروك في يوكوهاما تعرض للتدمير بسبب زلزال عام 1923 الكارثي والحرائق المروعة التي تسبب فيها.
الآن، بدأ بعض التفاؤل يعود من جديد بخصوص إمكانية ظهور أعمال لبروك في أماكن غير محتملة، مثل ولاية ماين، ما يعني أن هناك احتمالية لوجود أعمال أخرى لبروك لم تُفقد بسبب مرور الزمن أو كارثة الزلزال والحرائق.
وفي رسالة عبر البريد الإلكتروني، كتب كوديرا أنه «ربما يكون هذا فتحاً هائلاً على صعيد الجهود الرامية لتسليط ضوء جديد على حياة الرسام والشهور الأخيرة من عمر فان غوخ».* خدمة «نيويورك تايمز»



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».