بوادر تصعيد جديد بين واشنطن وبكين حول منشأ الفيروس

اتساع دائرة المشككين في مصدر «كورونا» داخل «الصحة العالمية»

رجل يتلقى لقاح «كورونا» في مقاطعة لياونينغ الصينية (أ.ف.ب)
رجل يتلقى لقاح «كورونا» في مقاطعة لياونينغ الصينية (أ.ف.ب)
TT

بوادر تصعيد جديد بين واشنطن وبكين حول منشأ الفيروس

رجل يتلقى لقاح «كورونا» في مقاطعة لياونينغ الصينية (أ.ف.ب)
رجل يتلقى لقاح «كورونا» في مقاطعة لياونينغ الصينية (أ.ف.ب)

بعد انقضاء حوالي عام ونصف على إعلان جائحة «كوفيد - 19»، بات من الراسخ علميّاً أن فيروس «كورونا» المستجدّ ينتقل بشكل أساسي عبر الهواء وفي الأماكن المغلقة، وأن المسنّين والذكور هم أكثر عرضة للإصابة بالأعراض الخطيرة، وأن الكمّامات الواقية تحدّ من سريانه لكنها ليست كافية وحدها للوقاية منه.
وللمرة الأولى في تاريخ العلوم الطبية، شهد العالم منبهراً كيف تمكّنت شركات الأدوية من تطوير وإنتاج حزمة وفيرة من اللقاحات الفعّالة لمكافحة هذا الوباء في فترة قياسية، لكن حتى الآن يبقى منشأ هذا الفيروس غامضا.
المعلومات المتوفرة حتى الآن تفيد بأن البؤرة الأولى لانتشار الفيروس ظهرت في مدينة ووهان الصينية، وأن المصابين كانوا على صلة بالسوق الشعبية التي تباع فيها حيوانات برّية حيّة، وأن الفرضيّة المعتمدة هي انتقاله هناك من الحيوان إلى الإنسان.
إلى جانب ذلك ترسّخ الاعتقاد بأن الفرضيّة الأخرى التي تشير إلى احتمال تسرّبه بشكل عرضي من معهد العلوم الفيروسية في تلك المدينة تندرج في إطار النظريات المستبعدة التي كانت تنأى الأوساط العلمية عن الأخذ بها ويقود حملة الترويج لها بين القادة السياسيين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الذي اشتهر آنذاك بترويجه أيضا للعديد من النصائح الخاطئة والمعلومات المضلّلة بشأن الوباء، وبانتقاداته اللاذعة ضد الصين ومنظمة الصحة العالمية.
لكن منذ فترة، عادت نظريّة تسرّب الفيروس من المختبر إلى دائرة الفرضيّات التي تستوجب التدقيق والبحث العلمي بعد أن وجّه 18 باحثاً مرموقاً من جامعات «هارفارد» و«ستانفورد» و«ييل» رسالة مفتوحة في مجلة Science منتصف الشهر الجاري، يطالبون فيها بفتح «تحقيق جدّي حول هذه الفرضيّة إلى أن تتوفّر المعلومات الكافية التي تسمح باستبعادها نهائياً». وكان مدير المعهد الأميركي للأمراض السارية، أنتوني فاوتشي، قد أجاب مطلع هذا الأسبوع عن سؤال حول ما إذا كان ما زال يعتقد أن الفيروس ظهر بصورة طبيعية قائلاً: «الحقيقة أني لم أعد مقتنعاً بهذه الفرضيّة. علينا مواصلة البحث والتحقيق لمعرفة ماذا حصل في الصين».
ويوم الأربعاء، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن في بيان أنه كلّف أجهزة المخابرات التعمّق في التحقيق حول منشأ الفيروس وأمهلها ثلاثة أشهر لوضع تقرير نهائي حول هذا الموضوع، مثيراً بذلك موجة استنكار في الأوساط الرسمية الصينية التي طالبته بالكفّ عن استخدام الجائحة لتحقيق أغراض سياسية ودعت إلى مراقبة المختبرات العسكرية الأميركية التي تطوّر أسلحة بيولوجية في مناطق شتّى من العالم، على حد قول الناطق بلسان الخارجية الصينية.
وكان الرئيس الأميركي قد ذكر في بيانه أنه لا يستبعد أيّاً من الفرضيّتين، وأنه لدى وصوله إلى البيت الأبيض طلب من أجهزة المخابرات إعداد تقرير حول منشأ الفيروس تسلّمه مطلع هذا الشهر. ويفيد التقرير عن انقسام في الآراء بين التي ترجّح انتقال الفيروس بشكل طبيعي من الحيوان إلى الإنسان، وتلك التي لا تستبعد تسرّبه من المختبر، ما دفعه إلى تكليف الأجهزة «التعمّق في التحقيق لوضع تقرير نهائي في مهلة لا تتجاوز 90 يوماً».
في المقابل، نددت الصين بما وصفته «التاريخ المظلم» لمجتمع الاستخبارات الأميركية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، تشاو ليجيان، أمس إن «دافع وأهداف (إدارة بايدن) واضحة»، نافيا الحاجة لتحقيق جديد بشأن الوباء.
وأضاف أن «التاريخ المظلم لمجتمع الاستخبارات الأميركية معروف للعالم منذ فترة طويلة»، مشيرا إلى مزاعم بامتلاك العراق أسلحة دمار شامل ما أدى إلى الاجتياح الأميركي لأراضيه. واعتبر تشاو أن إحياء فرضية تسرب الفيروس من مختبر «ينم عن قلة احترام للعلم... ويعطل المكافحة العالمية للوباء».
وفيما أحجمت الأوساط المسؤولة في منظمة الصحة العالمية، أول من أمس، عن التعليق رسمياً على قرار الرئيس الأميركي، اكتفت بالتذكير أن المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس كان قد صرّح أواسط فبراير (شباط) الماضي في أعقاب الكشف عن التقرير الذي أعدته بعثة التحقيق التي أوفدتها المنظمة إلى الصين للتحقيق في منشأ الفيروس بقوله: «لا يمكن استبعاد فرضّية تسرّب الفيروس من المختبر، ولا بد من إجراء تحقيق أوسع».
وترجّح مصادر مطّلعة في منظمة الصحة تحدثت إلى «الشرق الأوسط» أن الخطوة الأميركية التي أعلنها بايدن لا تستند إلى المعلومات التي تداولتها مؤخراً بعض الأوساط الإعلامية حول إصابة ثلاثة عمّال في معهد العلوم الفيروسية في ووهان أواخر العام 2019 وحادثة وفاة عدد من العمّال في أحد المناجم جنوب غربي الصين عام 2012 فحسب، بل إن واشنطن تملك معلومات لم يكشف عنها بعد وتتضمّن أدلة على أن الفيروس كان منتشراً في الصين منذ سنوات، وأن السلطات الصينية لم تبلغ عنه كما هو مفترض وفقاً لأحكام اللوائح الصحية العالمية الملزمة للدول الموقّعة عليها.
كما علمت «الشرق الأوسط» أن دائرة المسؤولين والخبراء الذين يطالبون بتحقيق مستقلّ وأوسع حول منشأ الفيروس تتسّع داخل المنظمة، وأن بعض المعاونين الرئيسيين للمدير العام أعربوا مؤخراً عن خيبتهم من تصرّف السلطات الصينية إزاء بعثة التحقيق والعراقيل التي وضعتها أمامها للقيام بمهمتها.
وينكبّ فريق من الخبراء الفنيين في المنظمة حالياً على مراجعة التوصيات التي تضمنها تقرير لجنة التحقيق حول منشأ الفيروس، تمهيداً لتقديم اقتراح مفصّل بالشروط التي ينبغي توفيرها لبعثات التحقيق التي من المنتظر أن تشكّل في المستقبل. وتقول المصادر إن التحقيق في فرضيّة تسرّب الفيروس من المختبر ستكون ضمن المهام التي ستوكل إلى البعثة التي يجري التفاوض حالياً على تشكيلها بين مجموعة من الدول الأعضاء في المنظمة.
ويتوقّع المراقبون هنا ارتفاع منسوب التصعيد في المواجهة الكلامية بين واشنطن وبكين، ويشيرون إلى اللهجة الجديدة التي تتبعها منذ فترة الدبلوماسية الصينية التي يديرها وانغ يي على رأس جيل جديد من الدبلوماسيين الذين يطلق عليهم «الذئاب المقاتلة»، والمعروفون بخطابهم الهجومي دفاعاً مصالح الصين وسمعتها.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

14 قتيلاً على الأقل جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

14 قتيلاً على الأقل جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

سقط ما لا يقل عن 14 قتيلاً في أرخبيل مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي الذي ضربه السبت إعصار شيدو القوي جداً، على ما أظهرت حصيلة مؤقتة حصلت عليها «وكالة الصحافة الفرنسية» اليوم (الأحد) من مصدر أمني.

صور التقطتها الأقمار الصناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار شيدو فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وقال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن 9 أشخاص أصيبوا بجروح خطرة جداً، ونقلوا إلى مركز مايوت الاستشفائي، في حين أن 246 إصابتهم متوسطة.

الأضرار التي سبَّبها الإعصار شيدو في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

وترافق الإعصار مع رياح زادت سرعتها على 220 كيلومتراً في الساعة. وكان شيدو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً؛ حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرنس- ميتيو).

آثار الدمار التي خلفها الإعصار (أ.ف.ب)

وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، ما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل. ويقيم ثلث سكان الأرخبيل في مساكن هشة.