حملت زيارة البابا فرنسيس التاريخية للعراق الأمل في أن تفتح الباب أمام توافد أفواج من السياح لزيارة معالمه الأثرية وبينها «الأقيصر»، وهي من أقدم كنائس العالم، إلا أن التغيّر البيئي والإهمال في بلد لا يكاد يخرج من أزمة حتى يدخل في غيرها، يجعلان هذه الكنوز عُرضة للضياع.
فكنيسة الأقيصر التي تعود إلى أكثر من 1500 سنة وتقع في صحراء قضاء عين تمر في كربلاء، إلى الجنوب من بغداد، شبه منهارة اليوم، إذ لم تبقَ منها سوى جدران متهاوية، فيما طمرت أرضها رمال الصحراء.
وقال منقّب الآثار زاهد محمد، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «العوامل التي أدت للوصول إلى هذه المرحلة هي الظروف البيئية واتخاذ المنطقة معسكر رماية في عهد نظام صدام حسين»، بالإضافة إلى «عدم وجود صيانة دورية للكنيسة».
وأوضح قائمقام عين تمر، رائد فضال، لوكالة الصحافة الفرنسية أن «الصيانة تحتاج إلى أموال طائلة». وأضاف: «مخصصاتنا قليلة (...) ولا نستطيع بالتالي إجراء صيانة أو بحث عن المعالم التاريخية».
لكنّ المعالم السياحية الأخرى في المنطقة لا تستقطب هؤلاء. ويناشد السكان والمسؤولون المحليون السلطات الإفادة من المواقع الأثرية مثل الكنائس القديمة والزقورة البابلية، مشددين على أن الحفاظ عليها وتوفير الدعاية لها يسهم في جذب أعداد كبيرة من السياح إليها.
وبحسرة، قال عبد الله الجليحاوي الذي يسكن في محافظة الديوانية المجاورة: «الغرب والأميركيون يهتمون بآثارنا أكثر منّا».
وأضاف الجليحاوي: «لقد عمل آباؤنا وأجدادنا مع الأميركيين منذ خمسينات القرن العشرين في (حملات) التنقيب، لكنها انتهت» مع فرض الحصار الدولي على العراق في التسعينات.
ودعا زهير الشعلان، وهو محافظ الديوانية التي تضم أكثر من ألفي موقع أثري، إلى «الاستثمار في هذه المواقع» لإيجاد «فرص عمل جديدة في المحافظة المتعطشة إلى نهضة اقتصادية» يتطلع إليها العراقيون منذ قرابة عشرين عاماً عندما وعدت الولايات المتحدة بتحقيق الديمقراطية والازدهار.
وتضم هذه المحافظة مدينة «نيبور» التي كانت قبل سبعة آلاف عام تمثل أهم المراكز الدينية للأكاديين والبابليين والمشهورة بمعابدها ومكتباتها وقصورها.
وكان لدى الشعلان، مثل كثير من العراقيين، بصيص أمل عند وصول فريق إيطالي للتنقيب عن الآثار بداية العام الجاري، وبعده زيارة البابا فرنسيس التاريخية للعراق خصوصاً لموقع أور التاريخي حيث وُلد النبي إبراهيم، قريباً من الديوانية.
لكن للأسف، كلها لم تخدم حتى اليوم في إعادة الحياة إلى تراث العراق الذي تلاشى جزء كبير منه بسبب الإهمال والسرقة والظروف البيئية.
وسأل الجليحاوي بأسف: «أين سيذهب السياح؟»، حتى لو اكتُشفت مواقع جديدة أو أُعيد تأهيل أخرى، في إشارة إلى الإهمال العام في العراق في ظل تزايد معدلات الفقر إلى 40%.
وأضاف: «لا شيء قُدم لنا! الطرق لم تعبَّد منذ الثمانينات ولم تُثبّت أعمدة للكهرباء منذ السبعينات»، في البلد الذي يعاني منذ عقود نقصاً في الكهرباء.
ورأى محمد طه، الذي يسكن محافظة كركوك الواقعة في وسط العراق، أن «إهمال المواقع الأثرية واضح من الجهات الحكومية وغير الحكومية».
ولاحظ أن «أفضل شاهد على ذلك (قشلة كركوك)»، وهي القلعة العثمانية ذات القبة الفيروزية التي فقدت كثيراً من أجزائها وباتت جدرانها اليوم مهددة بالانهيار.
وعلى مقربة من هناك، توشك قلعة كركوك التي يعود بناؤها إلى ثلاثة آلاف عام، على الانهيار، الأمر الذي يخفض اليوم فرص إدراجها على قائمة «اليونيسكو» كما هي الحال بالنسبة إلى نيبور.
وترى السلطات المحلية أن تلك الأضرار تعود إلى هطول الأمطار بغزارة في هذه المنطقة الجبلية.
لكن هذا الأمر يمثل خطراً لغالبية مناطق العراق، كونه يواجه تهديداً كبيراً بسبب التغير المناخي.
فالتصحر آخذ في التزايد، وبلغ 50% من مساحة بلاد وادي الرافدين، الأمر الذي يهدد الحياة عموماً وينذر بضياع آثار وحتى منشآت حديثة.
وذكّر الجيلحاوي بأن «حزاماً أخضر كان يحمي المنطقة في سبعينات القرن الفائت وثمانيناته».
لكن تلك الأشجار التي كانت تقف بوجه العواصف رحلت، إذ بينها ما أتت عليه قذائف الحروب المتكررة، فيما اجتُثّ قسم آخر لتوفير مناطق للبناء العشوائي.
واختفت بالتالي تلك الطبيعة الخلابة ورحلت الأوراق الخضراء وتلاشت تلك الحواجز الطبيعية من جذورها.
في المحصلة، ارتفعت درجات الحرارة ووصلت أحياناً إلى أكثر من خمسين درجة، ما شكّل خطراً على صحة الناس، وكذلك تزايدت العواصف الرملية وهطول الأمطار خلال مواسم الشتاء.
بالنتيجة، أصبحت المواقع الأثرية وحجارتها تحت رحمة العواصف الرملية التي باتت تهدد بإعادة مدن وادي الرافدين رمالاً من جديد.