أول من أمس قدمت دار «شانيل» عرضها الخاص بخط الكروز لعام 2021 - 2022. أهميته لا تكمن في جمال طبيعة جنوب فرنسا، مكان العرض، أو الأزياء بل في كونه آخر عرض افتراضي من خط الكروز لهذا العام. أو على الأقل هذا ما يأمله الجميع. فعروض الـ«كروز» مبنية على مفهوم السفر وفن الترحال بالأساس، وبالتالي لا يجوز أن تكون سجينة عالم افتراضي. أمر تُدركه مصممة الدار فيرجيني فيار جيداً وتداركته بما صبته في هذه التشكيلة من إبداع فني وإيحاءات نقلتنا بالفعل إلى أجواء ساحرة ولو للحظات. صحيح أنها لم تُعوضنا عن السفر إلى أماكن بعيدة مثل سيول أو هافانا ودبي وغيرها كما عودتنا من قبل، إلا أن الجائحة باتت تفرض واقعاً جديداً، وتتطلب منا الاعتماد على الخيال أكثر.
ما إن بدأ العرض المصور حتى وجدنا أنفسنا في «البروفانس» بجنوب فرنسا. منطقة استهوت العديد من الفنانين عبر القرون بهضابها وتلالها ومآثرها التاريخية، لكن السبب في اختيارها، إلى جانب أن السفر ممنوع، فهو رغبة المصممة فيار الجمع بين مُبدعين جمعهما حب الفن والأدب والموسيقى وصداقة دامت لعقود: غابرييل شانيل وجون كوكتو.
كان هذا واضحاً في اختيارها لـ«كاريير دو لوميير» بالتحديد. فهذا المكان الذي هو عبارة عن سلسلة من المغارات الجيرية على شكل غُرف نحتتها الطبيعة منذ مئات السنين، كان مكان تصوير فيلم «وصية أورفيس» لجون كوكتو. استعماله كمسرح لتشكيلة الكروز لعام 2022. أكسبه بُعداً شاعرياً، لأنه كان كافياً لكي يأخذنا في رحلة فنية ونحن في عقور بيوتنا نتابع العرض من وراء شاشات الكومبيوتر وصوت المغني الفرنسي سيباستيان تيلييه يُدندن في آذاننا. ما نفهمه من فيرجيني أنها لم تختر المنطقة لجمالها وعلاقتها بفنانين كبار من أمثال فينسنت فان جوخ فحسب، بل لعلاقتها بشخص واحد ارتبط ارتباطاً وثيقاً بمؤسسة الدار غابرييل شانيل: الفنان جون كوكتو. فهنا صور فيلمه الشهير «وصية أورفيوس» الذي كان في عام 1959 قوياً ومعاصراً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بالإضافة إلى أنه شهد أول وربما آخر مشاركة للرسام بابلو بيكاسو كممثل بحكم صداقته مع جون كوكتو.
بالنسبة للمصممة فيرجيني التي تعرف المنطقة جيداً وشاهدت الفيلم عدة مرات، كان لا بد أن تأتي التشكيلة بنفس القدر من الإبداع والقوة والحداثة. تقول: «وصية أورفيوس» من الأفلام التي أحبها وأثرت علي، ولا سيما المشهد الذي يظهر فيه رجل برأس حصان أسود ينزل إلى محاجر Carrières de Lumières، وتبرز صورته الظلية على الجدران ناصعة البياض.
كان من البديهي أن تأتي التشكيلة بمثابة احتفاء بعلاقة صداقة أنتجت عدة أعمال فنية. فكما رسم كوكتو لشانيل بورتريهات واسكيتشات، صممت له هي ملابس مسرحيات أخرجها مثل «أنتيغونا» و«أورفيس» و«أوديبوس ريكس» على سبيل المثال. ولكي تفهم المصممة فرجيني العلاقة التي ربطتهما جيداً، عادت إلى رسائل متبادلة بينهما، وإلى شقتها الواقعة في شارع غامبون حيث كانا يلتقيان مع عدة فنانين آخرين. فيها وجدت ديكورات وإكسسوارات كثيرة وظفتها في التشكيلة مثل الأسد والكاميليا والحمام وهلم جرا من المنحوتات الصغيرة التي تزين الشقة وتحولت إلى تعويذات تتفاءل بها غابرييل شانيل طوال حياتها. النجمة التي كان جون كوكتو يوقع بها رسائله أيضاً كانت حاضرة في خلفية مكان العرض كما في بعض الطبعات والإكسسوارات.
لكن المثير أيضاً أن فيرجيني رسمت لوحتها هاته بالأبيض والأسود، مثل فيلم جون كوكتو، مفسرة ذلك بأن هذه كانت وسيلة مضمونة لرسم صورة بسيطة وأنيقة في الوقت ذاته، لا سيما أنها كانت تريد أن توظف الضوء وعكسه بشكل واضح «وهذا ما كان يعشقه كل من كوكتو وشانيل» حسب قولها، مضيفة أنها «من هذه التناقضات بين البياض الناصع في فستان طويل وكيب بتصميم المكرمية أسود، وبين سترة من التويد الأبيض مُطرّزة بحلي جالبة للحظ وفستان أسود من المخمل والجلد، «أردت أن أعكس الجانب العصري والبارز في فيلم (وصية أورفيس) لكوكتو».
وحتى تجعلها معاصرة وقوية، أضافت إليها تارة لمسات من «الروك أند رول» وتارة نكهة من أسلوب البانك، باستعمال الشراريب والجلد، والخرز والترتر، إلى جانب قمصان تحمل وجه عارضة الأزياء لولا نيكون كنجمة روك. رغم حداثة التشكيلة، لم تغب الرومانسية ولا التويد عنها.
فقد ظهرت الأولى في مجموعة تتميز بانسدالها يغلب عليها الدانتيل ومطرزة بتعويذات جالبة للحظ، وأيضاً في بنطلونات واسعة بخصور عالية من الكتان الأبيض، والثاني في جاكيتات وتنورات قصيرة. أهمية التويد هذه المرة أنه مغزول من خيوط مستدامة مائة في المائة في مشاغل «لوساج»، فيما وصفته الدار بـ«شانيل الغد».
دار «شانيل» في آخر رحلة افتراضية إلى «البروفانس»
فيرجيني فيار تجمع غابرييل بصديقها جون كوكتو... بالأبيض والأسود
دار «شانيل» في آخر رحلة افتراضية إلى «البروفانس»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة