إذا لم تكن قادراً على ارتياد معارض الفنون التشكيلية، فإن اللوحات تتحدى الإغلاق وتذهب للقائك. هذا هو ما يقترحه معرض مفتوح في شارع «بوزار»، وسط باريس القديمة، عنوانه «بوجه مكشوف». إن هذا الشارع الواقع في حي «السان جيرمان» يمتلك شهرة عالمية لأنه العنوان الذي يحتضن المعهد التاريخي للفنون الجميلة في العاصمة الفرنسية. كما أنه والحي بكامله يضم أكبر تجمع لصالات العرض التي تتجاور وتتداول كنوزاً من الأعمال التشكيلية، بالإضافة إلى مغامرتها بتقديم تجارب بالغة الحداثة لفنانين شباب.
الصالات مغلقة لكن واجهاتها خرجت من العتمة المفروضة عليها بسبب الإغلاق المعلن في فرنسا بسبب الجائحة، ولم تكتفِ بإعادة أنوارها، بل لمّعت زجاجها وجعلت من واجهاتها معرضاً مفتوحاً للمارة. وستلفت نظر من يعبر في الشارع رؤية بالونات صفراء صغيرة منفوخة أمام الغاليريهات، وهي الإعلان الوحيد عن المعرض الذي يعوّض عن إقفال المتاحف والمراكز الثقافية وغيرها من المؤسسات الثقافية.
هل يمكن أن نسميه معرضاً في الهواء الطلق؟ ليس تماماً. فهناك متفرجون يقفون على الرصيف، يتلقون نسائم الربيع، وهناك لوحات ومنحوتات وأقنعة برونزية وتجهيزات حداثية تقبع آمنة وراء زجاج الواجهات، ليس بينها وبين المارة سوى شبر. وهي واحدة من المرات النادرة التي تنعطف فيها اللغة عن مقصدها. فاللغة الفرنسية تستخدم مصطلح «لحس الفترينات» للنساء المدمنات على التسوق. لكن «اللحس» هذه المرة يجري لأعمال فنية ذات قيمة عالية وليس لثياب وحقائب وأحذية ومجوهرات.
يقول أصحاب الفكرة إن الباريسيين يعانون، في هذه الفترة، من نقص في فيتامين الفن. كما أن المعارض المقترحة على «النت» والزيارات التي تجرى افتراضياً لا تشبع نهم سكان العاصمة المعتادين على تناول الفنون مثل المقبلات في وجباتهم اليومية. وهكذا تجمّع أصحاب الصالات في الحي وقرروا تقديم أطباق فنية صحية تلتزم بشروط الحماية من الفيروس. هناك خطوط مرسومة على الرصيف، تحدد عدد المتفرجين أمام كل واجهة.
لا تقتصر المعروضات على أعمال تجارية موجهة للسياح الأميركان واليابانيين، أو لوحات من معارض لم ترَ النور بسبب الوباء، بل هناك لوحة للبريطاني فرانسيس بيكون، ومقتنيات ثمينة من الفنون الآسيوية ومنحوتات تليق بالمتاحف وكبرى المؤسسات. إن فعالية «بوجه مكشوف» تجمع الرسم والتخطيط والنحت والسيراميك والفن البدائي أو الرقمي. وهي تتيح، مثلاً، مشاهدة أعمال تقف على طرفي نقيض من بعضها البعض. فهناك عدد من أقنعة الشامان الواردة من المجموعة الخاصة للشاعر والكاتب الفرنسي الراحل أندريه بروتون. والشامان هو العراف التقليدي القديم الذي كان يقوم بدور الوسيط بين البشر والآلهة، في بعض القبائل. وعلى مبعدة خطوات من تلك الأقنعة هناك وجوه فوتوغرافية من نوع «البورتريه الذاتي» للفنانة الصربية مارينا أبروموفيتش.
وللمضي في المغامرة حتى نهايتها، دعا أصحاب الصالات الفنان والمصمم جان شارل دو كاستلباجاك إلى تقديم عرض مرتجل يرسم فيه بالطباشير ويخطط ما يطرأ على باله من وجوه على إسفلت الشارع. إنه يرسم والمارة يتفرجون، يتوقفون ويمضون، ويأتي غيرهم حتى تمحو الخطى ما رسم الفنان.
الفن يتمرد على الحجر وينزل إلى الشارع بـ«وجه مكشوف»
أغلقت الجائحة صالات العرض في باريس ففتح أصحابها واجهاتهم
الفن يتمرد على الحجر وينزل إلى الشارع بـ«وجه مكشوف»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة