مجازر جديدة في أفريقيا الوسطى بعد عشرة أيام على انتخاب رئيسة جديدة للبلاد

منظمات إنسانية تتحدث عن معارك انتقامية ومستوى غير مسبوق من العنف

مجازر جديدة في أفريقيا الوسطى بعد عشرة أيام على انتخاب رئيسة جديدة للبلاد
TT

مجازر جديدة في أفريقيا الوسطى بعد عشرة أيام على انتخاب رئيسة جديدة للبلاد

مجازر جديدة في أفريقيا الوسطى بعد عشرة أيام على انتخاب رئيسة جديدة للبلاد

غرقت بانغي، عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى، مجددا في العنف، إذ شهدت مجازر جديدة، بينما سيطرت مجموعات مسلحة على مدن أخرى، وذلك بعد عشرة أيام من انتخاب رئيسة جديدة للبلاد الذي كان أشاع أملا في الاستقرار. وأعلن الصليب الأحمر أنه جمع «ثلاثين جثة وستين جريحا» في الأيام الثلاثة الأخيرة من شوارع العاصمة، وذلك بعد يوم من إبلاغ منظمة «أطباء بلا حدود» عن «معارك وأعمال انتقامية بين عناصر سيليكا (مسلمين) وميليشيات» مسيحية داخل البلاد. وأعرب رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر جيورجس جورجانتس عن «قلقه البالغ» لتدهور الوضع في العاصمة بانغي، مشيرا إلى «مستوى غير مسبوق من العنف» منذ بداية يناير (كانون الثاني) الماضي.
وتدهور الوضع أيضا خارج العاصمة في بلد تساوي مساحته مساحة فرنسا مرة ونصف المرة، رغم انتشار 5500 جندي أفريقي و1600 جندي فرنسي. وسيطرت عناصر من تمرد سيليكا السابق الذي تتمثل مهمة القوة الدولية في نزع أسلحته، على مدينة سيبوت الاستراتيجية التي تقع على بعد 180 كلم شمال بانغي، مما قطع المحور الذي يربط العاصمة بشمال البلاد، حسبما أفاد شهود.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها أمس، عن أحد سكان المدينة قوله إن «99 في المائة من السكان فروا» إلى الأدغال، قبل أن يقدر عدد عناصر سيليكا في سيبوت بمائة عنصر.
وقال مصدر في درك أفريقيا الوسطى إن هؤلاء المقاتلين ارتكبوا تجاوزات ضد مواطنيهم. وفي مؤشر على الفوضى الميدانية وعجز القوة الدولية والقوة الفرنسية والقوة الأفريقية، لم يصدر عن هذه القوات أي رد فعل على هذه المعلومات.
وخلت مدن أخرى في البلاد من سكانها مثل بوكارانغا (شمال غرب). وقالت ديلفين شيدورجي منسقة الحالات الطارئة في «أطباء بلا حدود»: «أصبحت مدينة أشباح، فارغة ومدمرة ومنهوبة، هذا مروع». وقالت في بيان نشرته المنظمة أول من أمس إن «مصادرنا في الولايات تبلغنا بحدوث أعمال عنف بالغة ونزوح للأهالي. الناس مرعوبون».
وأزمة أفريقيا الوسطى في صلب جدول أعمال قمة الاتحاد الأفريقي الـ22 في أديس أبابا التي تبحث تكليف قوات دولية بالمهمة التي تواجه القوة الأفريقية صعوبات في أدائها.



للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
TT

للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

سحب الفرنسيون من تشاد، الثلاثاء، مقاتلات عسكرية من طراز «ميراج 2000»، ليصبح البلد الأفريقي مترامي الأطراف والحبيس في قلب القارة السمراء، خالياً من أي مقاتلات فرنسية لأول مرة منذ أن نال استقلاله عن باريس قبل 6 عقود.

اليوم، أصبحت سماء تشاد هادئة من أزيز «الميراج» الفرنسية، وأغمضت العين الفرنسية التي ظلّت لعقود طويلة رقيباً لا يغفل على أرض تشاد الشاسعة، الممتدة من صحراء أوزو الحارقة شمالاً، وصولاً إلى أحواض بحيرة تشاد الرطبة في أقاصي الجنوب.

الطائرة التي تُمثّل فخر الصناعة العسكرية الفرنسية، ظلّت لسنوات طويلة صاحبة الكلمة الأولى في السماء التشادية، والسلاح الحاسم الذي تدخّل لقلب موازين السياسة أكثر من مرة، خصوصاً حين حاصر المتمردون القادمون من الشمال الرئيسَ الراحل إدريس ديبي في 2006 و2019.

بداية الرحيل

طائرة «ميراج» فرنسية وهي تغادر قاعدة «غوسي» التشادية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

في حدود منتصف نهار الثلاثاء، كان الجنود الفرنسيون في قاعدة «غوسي» العسكرية في عاصمة تشاد إنجامينا، يتبادلون الابتسامات الباهتة مع أقرانهم التشاديين، فطغت على أجواء الوداع حميمية مصطنعة، وهم يستعدون لركوب طائرات «الميراج»، في رحلة ذهاب دون عودة، نحو فرنسا.

رفع الطيار العسكري الفرنسي يده بتحية عسكرية صارمة، من وراء زجاج طائرته النفاثة، وألقى نظرة أخيرة، ثم حلّق عالياً لتكون بذلك بداية انسحاب فرنسي من بلد دخله أجداده مستعمرين مطلع القرن العشرين، أي قبل 120 عاماً.

الجيش الفرنسي قال في بيان مقتضب تعليقاً على سحب طائراته العسكرية، إن القرار جاء بعد أن قررت تشاد إنهاء العمل باتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع فرنسا، يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأضاف أن «وجود هذه الطائرات كان تلبية لحاجة سبق أن عبّر عنها الشريك (التشادي)».

فيما قال مصدر فرنسي إن وجود المقاتلات الفرنسية في تشاد لم يعُد مبرّراً بعد إنهاء التعاون العسكري بين البلدين، وأضاف أن «فرنسا تنهي نشر مقاتلاتها في قاعدة (غوسي) الجوية في إنجامينا. والجيش الفرنسي اتخذ قراراً بسحب طائراته الحربية».

رحيل تدريجي

وزير خارجية تشاد، عبد الرحمن كليم الله، نشر تغريدة مقتضبة على موقع «إكس»، قال فيها: «إنه بعد الانسحاب النهائي لمقاتلات (الميراج) الفرنسية وطائرة الدعم والإسناد، نفذت المرحلة الأولى من سحب القوات الفرنسية في تشاد».

كما نشرت الخارجية التشادية بياناً قالت فيه: «إن هذا الحدث يُمثل خطوة كبيرة في تنفيذ الجدول الزمني المتفق عليه بين الطرفين» بخصوص مغادرة القوات الفرنسية، قبل أن تشير إلى أنه «سيتم الترحيل التدريجي للقوات البرية خلال الأسابيع المقبلة».

ويوجد في تشاد نحو ألف جندي فرنسي، كانوا موجودين بموجب اتفاق تعاون عسكري موقع منذ عقود، وجرى تجديده عام 2019، ولكن تشاد قررت الشهر الماضي أن تنهيه من جانب واحد من أجل «تجسيد السيادة» على أراضيها.

وفي هذا السياق، قالت الخارجية التشادية إن الشعب التشادي «يتطلّع إلى مستقبل تحظى فيه السيادة الوطنية بالاحترام الكامل، وتتولى فيه القوات المسلحة الوطنية بشرف وكفاءة الدفاع عن أراضيها وأمن مواطنيها».

ولكنها في الوقت نفسه، شدّدت على «فكّ الارتباط (مع فرنسا) يتم بروح من الاحترام المتبادل والحوار البنّاء للحفاظ على العلاقات الثنائية بين تشاد وفرنسا في المجالات الاستراتيجية الأخرى ذات الاهتمام المشترك».

لجنة مشتركة

جنديان تشاديان خلال مناورات مع سلاح الجو الفرنسي (أرشيف الجيش الفرنسي)

ورغم أن البلدين لم يُعلنا أي تفاصيل حول الجدول الزمني لسحب القوات الفرنسية، فإن المصادر تؤكد تشكيل «لجنة مشتركة» تتولّى الإشراف على العملية، وقد عقدت هذه اللجنة اجتماعها الأول يوم الجمعة الماضي، دون إعطاء أي تفاصيل.

في هذه الأثناء، وصفت صحف فرنسية واسعة الانتشار من بينها «لوموند» ما يجري بأنه «صفعة موجعة» تتلقّاها فرنسا في بلد ظلّ لعقود يمثل حليفاً استراتيجياً في أفريقيا، واليوم يُعدّ آخر مركز نفوذ لفرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، حيث سبق أن انسحبت القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

ويصر الفرنسيون على أن ما يحدث في تشاد مختلف عما جرى في دول الساحل الأخرى؛ حيث وقعت قطيعة تامة مع باريس.

ويقول مصدر وصفه الإعلام الفرنسي بأنه قريب من الملف: «إن التشاديين لم يطلبوا سحب القوات بشكل فوري، وبهذه السرعة»، وأضاف: «نحن من أراد التحكم في الانسحاب» تفادياً لأي مفاجآت.