نقد أفلام برلين 2015

نقد أفلام برلين 2015
TT

نقد أفلام برلين 2015

نقد أفلام برلين 2015

* «مستر هولمز» (*3)(Mr‪.‬ Holmes) ‫
* عن رواية وضعها ميتش كولين بعنوان «حيلة خفيفة للعقل» سنة 2005 يوفّـر المخرج الأميركي بل كوندون ‬حكاية خيالية حول شيرلوك هولمز، وقد بلغ الآن الـ93 يعاني من الوحدة وفقدن البصيرة النافذة التي ميّـزت تحرياته الأولى.
تقع الأحداث في أواخر الأربعينات، وهولمز يعيش وحيدا، بعد وفاة دكتور واطسن، في منزل يقع في مدينة دوفر الساحلية. هناك امرأة (لورا ليني) تعني به كانت فقدت زوجها في الحرب ولديها صبي نبيه في العاشرة (ميلو باركر). بعد التعريف، نحن في «فلاشباك» لما قبل هذا التاريخ حيث يعمل شرلوك هولمز (كما يؤديه إيان ماكيلين في دور مناسب) على حل قضية مستعصية تأخذه إلى اليابان. هناك يزور صديقا بالمراسلة اسمه مستر أومزاكي باحثا عن حل لقضية امرأة يعتقد زوجها أنها واقعة في خطر بعد انسحابها من الحياة بسبب خسرانها ولديها. حين يعود الفيلم إلى عام 1947 يبحر في ملامح صداقة هولمز مع الصبي ابن العاشرة وكيف تنمو على نحو ذهني وإنساني. هذه الدراما مصوغة بعناية، وتختلف عن أفلام المخرج كوندون السابقة التي اكتفت برغبتها في إثارة العناوين الكبيرة. هنا يجد هولمز نفسه أقل قدرة على النفاذ إلى عمق القضايا المثارة. وبينما كان هولمز المضلع الأول في زمنه حين كان لا يزال تحريا شابا، في حين اكتفى دكتور واطسن بدور كاتب المفكرات والمتتبع لخطوات هولمز، نراه الآن وقد أصبح أقل قدرة على الغوص في الأحداث الغامضة مستندا إلى ما يمنحه له الصبي ابن العاشرة من أفكار قد تشكل مفاتيح مهمة. كذلك هو عن كيف ستشكل هذه العلاقة مدخلا لتغيير موقف أم الصبي من الحياة وتجنيبها العيش مستقبلا تحت وطأة خسارتها، وبالتالي عن أهمية العائلة من محوري الموضوع القابع في مشاهد «الفلاشباك» حول المرأة التي خسرت طفليها، والموضوع الحاضر حول المرأة التي خسرت زوجها، كما حول هولمز ووحدته في سنوات حياته الأخيرة.

‪(The Pearl Button)(*3)«زر اللؤلؤة» *
* ‫ينطلق المخرج التوثيقي باتريشو غوزمان من البحث في جوهر الماء (ماء الأنهر وماء المطر وماء البحر) إلى الموضوع السياسي المفضل لديه: الحقبة الديكتاتورية في السبعينات وأثرها على الوضع الاجتماعي والسياسي إلى اليوم. لكن قبل الوصول إلى هذا الموضوع يمر على التاريخ الأبعد عندما وصل الإنسان الأبيض إلى القبائل التي استوطنت تشيلي، منذ أمد بعيد واجتذب ثقافاتها وأباد الكثير من تقاليدها باسم الدين والحضارة.‬
بصوت تعليقي هادئ النبرة وكاميرا مدارة بالنبرة ذاتها، ينتقل الفيلم من مدار إلى آخر من دون أن يفقد الصلة «زر اللؤلؤة» ينطلق من البحث حول كيف أن بلدا لديه ساحل ثري بالموارد (يمتد لنحو 4300 كلم) ترك ذلك الساحل مهدورا وبعيدا عن الاستثمار اجتماعيا واقتصاديا. والصور التي يلتقطها على نحو لا يخلو من جمالية شعرية حزينة، تعكس هذا السؤال. هي مشاهد غير متسارعة مصوَّرة في ضوء طبيعي غير ساطع وتحت سحب كثيفة أو أمام أمواج عاتية. الجمال هنا ليس بلاستيكيا ويناسب ما يبحث عنه المخرج وفيلمه من إجابات.‬
حين ينطلق لما حدث لهنود قبيلتي ياغان وكاوسكار ويستنطق بعض من لا يزال حيّا من أبنائهما ونسائهما يضعنا الفيلم أمام المسألة التي شغلت بال المخرج غوزمان سابقا (آخر فيلم له كان «نوستالجيا للضوء» الذي تحدّث فيه عن صحراء تشيلي المترامية ومنه إلى أوضاع البلد الاقتصادية والسياسية أيضا) كما بال مخرجين آخرين أوروبيين ولاتينيين حول ما أحدثه الغزو الأوروبي للقارة الأميركية من عملية استبدال حضارات ومحو الماضي لإرساء قوّة جديدة. هذا يصبح التمهيد لمرحلة الحكم العسكري في السبعينات مع إعادة تصوير جزئية لكيف حملت طائرات مروحية جثث المعتقلين الذين تم تعذيبهم وقتلهم وألقتهم في اليم مثقلين بالحديد، ليضمنوا بقاء تلك الجثث في عمق المحيط.‬
فيلم مؤلم بلا ريب، لكنه لا يتقدّم عن فيلم غوزمان السابق كثيرا. الانتقال من بحث الماء إلى بحث الأمس البعيد ثم الأمس القريب ليس سلسا. الانتقال بين هذه المدارات المذكورة لا يفتقر إلى التواصل، لكنه تواصل تشعر بأنه مفروض وليس تلقائيا ولن يكون.‬

‬ * أوديسا عراقية ‪(*4)
* من بين الأفلام التي شهدها برلين خارج المسابقة وعرفت إقبالا ملحوظا هذا الفيلم الوثائقي الذي يبحث في التاريخ وفي التاريخ الشخصي للمخرج العراقي سمير (يكتفي بذلك الاسم) مسترجعا حقبا مختلفة عاشتها عائلته التي تشتت حول العالم، متطرقا في الوقت ذاته إلى أحداث وطنه التي لا تزال تتأرجح وسط حروب وسياسات هادرة.
يعجبك في هذا الفيلم ذلك البذل الكبير والدقيق الذي صرفه المخرج سمير لتحقيق هذا العمل، تأليفا وتشكيلا وكجمع للمعلومات ثم لتنفيذ هذا الكم الكبير من الساعات المصوّرة، سواء أكانت مقابلات أو لقطات إضافية خاصة بالفيلم ثم مزجها (بتوليف جيد أشرفت عليه صوفي برونر) بالمواد الوثائقية المستخدمة بدقة لا يعيبها سوى عدم قدرته على التخلص من نصف ساعة أو نحوها، رغم أن الإمكانية متوفرة.
ينطلق سمير (اسمه الكامل سمير جمال الدين) من التعريف بأقاربه المنتشرين حول العالم: 6 أعمام، عشرون أولاد عم و5 أشقاء وهو يختص بمتابعة ما حدث لـ5 من أقاربه الذين تركوا العراق على مراحل، وكل إلى بلاد مختلفة حول العالم. في كشفه لما حدث لأفراد العائلة وأقاربها يتابع المخرج بمقابلاته كل ما يجسد الحرمان والتشتت والإحباط الذي أصابه ومن يستطلعهم ويقابلهم أمام الكاميرا. وهو إذ يفعل ذلك يفتح دفاتر الجميع وتواريخهم الخاصة، فإذا بالمشاهد أمام حشد من الشخصيات التي تعاطت والسياسة على نحو حثيث مما عرضهم لنقمة المسؤولين في العراق وأحيانا، خارجه. في غمار ذلك يكشف عن تجارب إنسانية متواصلة مؤلمة ولو أن المخرج لا يسعى، تحديدا، لمعالجة عاطفية. يسبر المخرج غور التاريخ العراقي الحديث من أيام الاحتلال البريطاني إلى نهاية النظام البعثي. وفي حين أنه ينتقد غياب الحرية والنزعة للسلطة وغياب الديمقراطية في كل العهود، إلا أن تعليقه وافٍ وهادئ لا يضعفه إلا ذلك القدر المتواصل من الكلمات المكتوبة عربيا وإنجليزيا على الشاشة، التي تتكرر وتظهر على نحو روتيني فاقدة القيمة خلال دقائق محدودة.‫‬

* البحر من ورائكم(*2)
* فيلم عربي آخر تم عرضه هنا خارج المسابقة هو «البحر من ورائكم» للمخرج المغربي هشام لعسري.
هذا هو الفيلم الروائي الطويل له بعد «النهاية» (2011) و«هم الكلاب» (2013). أول أفلامه هذه لا يزال هو الأفضل. فتح العين باتساع على ولادة مخرج مختلف عن أترابه في أي ركن عربي. «هم الكلاب» كان بحثا جيدا بشروط. لكن «البحر من ورائكم» هو مجموعة كبيرة من الإسقاطات التاريخية والسياسية ممتزجة إلى حد اللارجعة، باستعراض صوري تتكاثر فيه اللقطات والمشاهد من دون أن تؤدي أغراضا بالضرورة.
كيف يمكن مثلا تلخيص الحكاية التي تتناول استيقاظ طارق (مالك أخميس) على حقيقة أنه ضحية كل هذه العوالم والهواجس التي تحيط به؟ ما الحكاية تفصيلا أو حتى إجمالا؟ أين محطّاتها الأهم؟ ثم هل مشهد مؤلف من كاميرا على مؤخرة حصان وهو يخرج قاذوراته من صلب الطرح أو هو من صلب الفن؟
«البحر من ورائكم» يقدّم لنا شخصية طارق ويربط سريعا بينه وبين فاتح الأندلس طارق بن زياد صاحب العبارة الشهيرة التي يشكل نصفها عنوان الفيلم. هو شخص حزين. مطحون سلبه صديق سابق له الحرية الشخصية كما الزوجة والأولاد، وتركه لا يقوى على رفع يده محتجا، ناهيك عن القدرة على الانتقام. أكثر من مرّة تتاح له فرصة قتل صديقه الحكومي الذي يعترف بأفعاله حيال عائلة طارق، ولكنه لا يستطيع أن يفعل ذلك. عند هذا الحد، وفي طيات ما هو غير واضح البتة، لا تدري إذا ما كان الفيلم يطلب التقدير لموقفه، أو الرفض، أو يكتفي بمجرد العرض. الأمور من هنا، وفي غير مكان، لا تترابط جيدا على نحو مستتب ولا الفيلم يبلور حكاية مسرودة جيدا وإن كان يستوي على ظهر واحدة طوال الوقت. لا بد من تقدير الطريقة التي يعمل بها المخرج لتوفير مشاهد ذات قوة بصرية وملامح فنية حقيقية، لكن كثيرا منها يبدو هنا صادما ومصنوعا لذاته بسبب خلو المضمون من خط يتواصل المشاهد معه على نحو دائم.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.