فشل المفاوضات مع أساتذة الجامعة اللبنانية يدفعهم للإضراب المفتوح

TT

فشل المفاوضات مع أساتذة الجامعة اللبنانية يدفعهم للإضراب المفتوح

أعلن الأساتذة المتعاقدون في الجامعة اللبنانية إضراباً مفتوحاً بعد إضراب تحذيري التزموا به لسبعة أسابيع على التوالي، اعتراضا على عدم قيام الجهات المختصة في لبنان بما يلزم لإقرار ملف تفرغهم الذي يعملون عليه منذ عام 2016 بعد أنّ تمّ استثناء عدد كبير منهم من قرار التفرّغ الصادر عن مجلس الوزراء في عام 2014.
يضمّ هذا الملف اليوم أسماء 927 أستاذا جامعيا يستحقون التفرغ انطلاقا من قانون الجامعة، إلّا أنّه وبسبب «عدم التوازن الطائفي» لم يتمّ البتّ فيه، بحسب ما يرى الدكتور داني عثمان، المسؤول في حراك الأساتذة المتعاقدين في الجامعة اللبنانية. ويشير في تصريح إلى «الشرق الأوسط» إلى أنه لا يوجد مانع مالي يحول دون تفرّغ هذا العدد من الأساتذة، لا سيّما أنّه منذ عام 2014 حتى نهاية عام 2021 سيصل عدد المتقاعدين من الجامعة اللبنانية إلى 767 أستاذا، ما يعني إمكانية تفريغ ما يقارب من 1100 أستاذ جديد كون راتب الأستاذ الجديد ليس كراتب من وصل إلى سن التقاعد، وبالتالي لا يؤثّر تفريغ هؤلاء الأساتذة على ميزانيّة الجامعة.
ويوضح عثمان أنّ مطلب الأساتذة المتعاقدين في ظل عدم وجود حكومة حاليا، هو استكمال هذا الملف والاتفاق عليه بين رئاسة الجامعة ووزير التربية ورفعه إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، لافتا إلى أنّ الأساتذة المتعاقدين يطالبون أيضا بضمّ المستحقين الجدد للتفرّغ (إضافة إلى 927) ليس من باب حقّهم في ذلك فقط، بل أيضا لما يؤمّن التوازن الطائفي الحجّة التي أوقفت الملف، وإن كان الأساتذة يرفضون التعاطي مع الأستاذ الجامعي من هذا المنطلق.
ملف التفرّغ لا يعني الأساتذة فقط، بل يهدد مستقبل الجامعة الوطنية بأكملها، ذلك أن الأساتذة المتعاقدين يشكلون 70 في المائة من الطاقم التعليمي فيها، بينما ينص القانون على ألا تتجاوز نسبتهم الـ20 في المائة، الأمر الذي حرم الجامعة اللبنانية من التصنيف الدولي، كما يؤكّد عثمان قائلا: «تفرّغنا حاجة لتصنيف الجامعة اللبنانية دوليا».
ويضيف عثمان أنّ ما يهدد الجامعة الوطنيّة أيضا تسرب الأساتذة المتعاقدين، فهذا الأستاذ الذي يتقاضى ما بين الـ10 والـ25 مليون ليرة سنويا (أي ما بين 750 دولارا و2000 حسب سعر الدولار في السوق السوداء) يقبضهم بعد سنتين من العمل لأنّه يعمل وفق عقد يُسمّى «عقد مصالحة»، لا يستطيع الصمود أمام عروض عمل تتاح له خارج لبنان ما يضع الجامعة اللبنانيّة أمام مشكلة هجرة الأساتذة المميزين.
ما يقوله عثمان يكرّره عدد كبير من الأساتذة المتعاقدين في الجامعة اللبنانية فهم باتوا يفكّرون جدّيا بترك التعليم في هذه الجامعة تماما كما الأستاذة في كليّة العلوم في الجامعة اللبنانية حنان أخضر.
وتقول أخضر: «اليوم أنّا مصرة على الاستمرار بالإضراب أكثر من أي وقت مضى حتى الوصول إلى مطالبنا»، مضيفة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنّها هي وعدد ليس قليلا من الأساتذة المتعاقدين «يفكرون جديا بجدوى الاستمرار بعملهم فهم غير مشمولين بالضمان الصحي ولا يأخذون بدل نقل ولا حتى أي تقديمات وراتبهم الشهري بمتوسطه بالكاد يتجاوز الـ100 دولار» (حسب سعر الصرف في السوق السوداء).
الموضوع بالنسبة إلى أخضر ليس ماديا فقط. ففضلاً عن أنّ البدل الذي تتقاضاه مقابل تعليمها بالكاد يكفي أجرة الطريق وأقلّ الأساسيات، تشعر كما العديد من الأساتذة المتعاقدين بعدم قدرتها على تطوير نفسها علميا إذ تضطر إلى العمل في جامعات خاصة ولساعات طويلة حتّى تؤمّن دخلاً إضافياً، وبالتالي لا وقت لديها للعمل على أبحاث أو دراسات ترى أنّها أساسيّة لتطوّر الأستاذ الجامعي.
وتتساءل أخضر عن الحالة النفسيّة للأستاذ الجامعي المتعاقد في الجامعة اللبنانيّة، إذ ليس كلّ الأساتذة قادرين على الإعطاء من قلبهم وبالحماسة المطلوبة، وهم يعرفون أنّهم إذا مرضوا لا ضمان يغطيهم وليس لديهم أمل بالتفرّغ في ظلّ المنظومة الحاكمة في لبنان، إذ إنّ لا قرار للجامعة اللبنانية فالأمر يحتاج مجلس وزراء وكلّ شيء يسير على أساسات لا تتعلّق بالكفاءة، بل بمعايير أخرى منها الحزبي والطائفي تماما كما تسير الدولة برمّتها.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.