«نور الرياض»... أعمالٌ تعيد صياغة الفنون والضوء

الفنانة السعودية لولوة الحمود
الفنانة السعودية لولوة الحمود
TT

«نور الرياض»... أعمالٌ تعيد صياغة الفنون والضوء

الفنانة السعودية لولوة الحمود
الفنانة السعودية لولوة الحمود

يشكل الضوء في «نور الرياض» مضماراً يعزز اهتمام الفن من خلال 13 موقعاً في أرجاء العاصمة، معززاً رسالته المنشودة مع انطوائه على رسائل بيئية وثقافية ومجتمعية، بمختلف الإسقاطات، بالصوت والضوء والأعمال التفاعلية، وعلى امتداد المساحات بمساعدة النيون والتجسيم أو «الهولوغراف» وأصباغ السترونتيوم المتوهجة، والمنحوتات الحركية والتلاعب الذكي بأصناف التكنولوجيا، في أبعاد لا محدودة أمام جمهور مدينة الرياض.
وتنطلق اليوم الخميس احتفالية «نور الرياض»، مستمرة على مدى 17 يوماً، بمشاركة 26 فناناً من كبار الفنانين في مجال فنون الإضاءة، ينتمون لأكثر من 20 دولة حول العالم، 40 في المائة منهم سعوديون، ويأتي ضمنهم فنان المفاهيم الفرنسية دانيال بورين أحد أكبر الفنانين المعاصرين ذائعي الصيت، بصحبة الروسيان إيليا وإميليا كاباكوف، اللذين يعملان معاً لتصميم أعمال فنية تدمج بين عناصر الحياة اليومية مع عدد من المفاهيم، بجانب العالم الألماني كارستن هولر الذي تصب أعماله في مكان ما بين البهجة والجنون، إضافة إلى ويايوي كوساما ودان فلافين.
ونخبة من السعوديين منهم راشد الشعشعي ولولوة الحمود وأحمد ماطر وأيمن الزيداني ومها ملوح، ودانا عورتاني، ومروة المقيط، وعلي الرزيزاء والفنان سلطان بن فهد وطلال الزيد، إضافة إلى عرض أعمال الفنان التشكيلي الرّاحل، محمد السليم، وهو رائد من رواد الفن التشكيلي السعودي، وصاحب المدرسة التشكيلية الآفاقية.
ويشارك الفنان السعودي راشد الشعشعي المعتاد على تسليط الضوء على تفاصيل الحياة اليومية واستكشاف الوجود البشري من خلال أعماله الفنية، التي يلجأ من خلالها إلى طرح الأسئلة الفلسفية، والغرض الأساس منها، ويعتقد أنّه يمكن استكشاف الوجود البشري ووظائف المجتمع بهذه الطريقة.
يقول الشعشعي لـ«الشرق الأوسط» متحدثاً عن ماهية عمله في «نور الرياض»: «عنوانه البحث عن الظلام، وفي هذا العمل الضوئي بشكله اللولبي الذي صُمم حديثاً، تظهر حاجة الإنسان إلى النور في عملي بواسطة الفن التكنولوجي المعروض حصرياً في احتفال نور الرياض ويشتمل على مصادر ضوئية تتحرك باستمرار، وبسرعات متقلبة تعكس حالة عدم اليقين التي تحيط بالإنسان أحياناً».
ومن خلال توظيف الشعشعي للأشكال المرحة، يسعى إلى مشاركة المشاهدين، واطلاعهم على دلالات الحياة العادية من أجل تسهيل التعرف على العوامل المؤدية إلى التوتر، ويشمل ذلك الوجود الكلي لوسائل الإعلام، والانحدار العالمي إلى السطحية، وانتشار وباء اللامبالاة الذي أصبح تعريفاً للحياة الحديثة، وقد عرضت أعماله على نطاق واسع في منطقة الخليج وخارجها. ويؤكد الفنان أيمن زيداني لـ«الشرق الأوسط» أنّ مبادرة مهرجان نور الرياض من الهيئة الملكية لمدينة الرياض ستفتح بُعداً آخر للتبادل الثقافي العالمي مما يجعلها بيئة خصبة للتعاون وللتعلم والترفيه. وحسب قوله فإنّه سيكون واحداً من أهم مهرجانات الضوء عالمياً.
ويشرح الزيداني عمله الذي يشارك به تحت عنوان «بذور الأرض»، بصورة فيديو تركيبي ثلاثي القنوات بتكليف من الهيئة الملكية لمدينة الرياض وهو فيلم تجريبي قصير مبني على معلومات علمية واقعية مع سرد خيال علمي من المستقبل يناقش موضوع التغيير المناخي في المنطقة. والعمل من ضمن مجموعة الأعمال في مركز الملك عبد العزيز التاريخي.
من جانبها، تفخر لولوة الحمود بمشاركتها في «نور الرياض» الفني مع كوكبة من فنانين المملكة والعالم، وفي ذلك تقول: إنّ «الرياض ستكون مدينة بمقدمة مدن العالم ثقافياً بهذه الجهود العظيمة، التي تُبرز ثقافتنا بمحتوى عالمي راقٍ. وأنا سعيدة أيضاً بمحتوى أعمال زملائي وزميلاتي الفنانين». وبينت الحمود أنّ عملها هو تجربة جديدة، فهو تفاعلي متحرك يتيح للمشاهد أن يوجد في عالم من الخطوط والأشكال التجريدية الشبيهة بحركة الكون، وهو عبارة عن عمل تحريكي بشاشة دائرية، فكرته قائمة على اللغة والعلاقة بين المحدود واللامحدود، إذ تبدأ من نقطة إلى معانٍ وأفكارٍ لا حدود لها. ويأتي عمل الفنانة مها ملوح في «نور الرياض» كسلسة أو مجموعة الفوتوغرام «إضاءات» وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «منذ بدأت العمل بالتصوير التقليدي بالأسود والأبيض، وعلى مر السنين، أصبحت أهتم كثيراً بالعلاقة بين الضوء والظل، ولعدم وجود الإمكانيات والأماكن في مدينتي، بنيت غرفة مظلمة للتحميض من أجل تطوير الصور الخاصة بي وطباعتها، وكانت بالنسبة لي، الطريقة الوحيدة للسيطرة على كل من الجودة والمحتوى وهما أهم العوامل لإنتاج الفنون الجميلة، وقد نما افتتاني بالفوتوغرام وتطور من خلال اهتمامي بالجمع بين فنّي الكولاج والتصوير الفوتوغرافي». وأوضحت ملوح تفاصيل عملها «إضاءات» المقدم في الفعالية، أنّه «سلسلة فوتوغرام ترون العديد من الكائنات والأشياء المختلفة التي ليست مهمة حقاً والتي ليس لديها أي علاقة مع بعضها البعض». قائلة: إنّ «هذه الأشياء مأخوذة من بيتي وتحكي جزءاً من قصص عائلتي، في الحقيقة أردت التخلص منها، ولكنّني احتفظت بها بسبب الذكريات التي تستحضرها، والتي من شأنها أن تشعرنا بالراحة عندما نكبر في السّن ويتحول كل ما كنّا نراه تافهاً إلى مهماً».
ويأتي اختيار شعار «تحت سماء واحدة» لاحتفال «نور الرياض» هذا العام، ليكون بمثابة رسالة تحفيزية لجمهور الفنانين من داخل السعودية وخارجها، لتحقيق مزيد من التفاعل مع حدث يتمحور حول القيم الإنسانية المشتركة، وينسجم في أبعاده مع الدافع الفطري لدى الإنسان في تتبع الضوء، والنظر إلى النجوم.



3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
TT

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)

كل 10 دقائق تُقتل امرأةٌ عمداً في هذا العالم، على يد شريكها أو أحد أفراد عائلتها. هذا ليس عنواناً جذّاباً لمسلسل جريمة على «نتفليكس»، بل هي أرقام عام 2023، التي نشرتها «هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة» عشيّة اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة، الذي يحلّ في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام.

ليس هذا تاريخاً للاحتفال، إنما للتذكير بأنّ ثلثَ نساء العالم يتعرّضن للعنف الجسدي، على الأقل مرة واحدة خلال حياتهنّ، وذلك دائماً وفق أرقام الهيئة الأمميّة. وفي 2023، قضت 51100 امرأة جرّاء التعنيف من قبل زوجٍ أو أبٍ أو شقيق.

كل 10 دقائق تُقتَل امرأة على يد شريكها أو فرد من عائلتها (الأمم المتحدة)

«نانسي» تخلّت عن كل شيء واختارت نفسها

من بين المعنَّفات مَن نجونَ ليشهدن الحياة وليروين الحكاية. من داخل الملجأ الخاص بمنظّمة «أبعاد» اللبنانية والحاملة لواء حماية النساء من العنف، تفتح كلٌ من «نانسي» و«سهى» و«هناء» قلوبهنّ المجروحة لـ«الشرق الأوسط». يُخفين وجوههنّ وأسماءهنّ الحقيقية، خوفاً من أن يسهل على أزواجهنّ المعنّفين العثور عليهنّ.

جسدُ «نانسي» الذي اعتادَ الضرب منذ الطفولة على يد الوالد، لم يُشفَ من الكدمات بعد الانتقال إلى البيت الزوجيّ في سن الـ17. «هذا التعنيف المزدوج من أبي ثم من زوجي سرق طفولتي وعُمري وصحّتي»، تقول الشابة التي أمضت 4 سنوات في علاقةٍ لم تَذُق منها أي عسل. «حصل الاعتداء الأول بعد أسبوع من الزواج، واستمرّ بشكلٍ شبه يوميّ ولأي سببٍ تافه»، تتابع «نانسي» التي أوت إلى «أبعاد» قبل سنتَين تقريباً.

تخبر أنّ ضرب زوجها لها تَركّزَ على رأسها ورجلَيها، وهي أُدخلت مرّتَين إلى المستشفى بسبب كثافة التعنيف. كما أنها أجهضت مراتٍ عدة جرّاء الضرب والتعب النفسي والحزن. إلا أن ذلك لم يردعه، بل واصل الاعتداء عليها جسدياً ولفظياً.

غالباً ما يبدأ التعنيف بعد فترة قصيرة من الزواج (أ.ف.ب)

«أريد أن أنجوَ بروحي... أريد أن أعيش»، تلك كانت العبارة التي همست بها «نانسي» لنفسها يوم قررت أن تخرج من البيت إلى غير رجعة. كانا قد تعاركا بشدّة وأعاد الكرّة بضربها وإيلامها، أما هي فكان فقد اختمر في ذهنها وجسدها رفضُ هذا العنف.

تروي كيف أنها في الليلة ذاتها، نظرت حولها إلى الأغراض التي ستتركها خلفها، وقررت أن تتخلّى عن كل شيء وتختار نفسها. «خرجتُ ليلاً هاربةً... ركضت بسرعة جنونيّة من دون أن آخذ معي حتى قطعة ملابس». لم تكن على لائحة مَعارفها في بيروت سوى سيدة مسنّة. اتّصلت بها وأخبرتها أنها هاربة في الشوارع، فوضعتها على اتصالٍ بالمؤسسة التي أوتها.

في ملجأ «أبعاد»، لم تعثر «نانسي» على الأمان فحسب، بل تعلّمت أن تتعامل مع الحياة وأن تضع خطة للمستقبل. هي تمضي أيامها في دراسة اللغة الإنجليزية والكومبيوتر وغير ذلك من مهارات، إلى جانب جلسات العلاج النفسي. أما الأهم، وفق ما تقول، فهو «أنني أحمي نفسي منه حتى وإن حاول العثور عليّ».

تقدّم «أبعاد» المأوى والعلاج النفسي ومجموعة من المهارات للنساء المعنّفات (منظمة أبعاد)

«سهى»... من عنف الأب إلى اعتداءات الزوج

تزوّجت «سهى» في سن الـ15. مثل «نانسي»، ظنّت أنها بذلك ستجد الخلاص من والدٍ معنّف، إلا أنها لاقت المصير ذاته في المنزل الزوجيّ. لم يكَدْ ينقضي بعض شهورٍ على ارتباطها به، حتى انهال زوجها عليها ضرباً. أما السبب فكان اكتشافها أنه يخونها واعتراضها على الأمر.

انضمّ إلى الزوج والدُه وشقيقه، فتناوبَ رجال العائلة على ضرب «سهى» وأولادها. نالت هي النصيب الأكبر من الاعتداءات وأُدخلت المستشفى مراتٍ عدة.

أصعبُ من الضرب والألم، كانت تلك اللحظة التي قررت فيها مغادرة البيت بعد 10 سنوات على زواجها. «كان من الصعب جداً أن أخرج وأترك أولادي خلفي وقد شعرت بالذنب تجاههم، لكنّي وصلت إلى مرحلةٍ لم أعد قادرة فيها على الاحتمال، لا جسدياً ولا نفسياً»، تبوح السيّدة العشرينيّة.

منذ شهرَين، وفي ليلةٍ كان قد خرج فيها الزوج من البيت، هربت «سهى» والدموع تنهمر من عينَيها على أطفالها الثلاثة، الذين تركتهم لمصيرٍ مجهول ولم تعرف عنهم شيئاً منذ ذلك الحين. اليوم، هي تحاول أن تجد طريقاً إليهم بمساعدة «أبعاد»، «الجمعيّة التي تمنحني الأمان والجهوزيّة النفسية كي أكون قوية عندما أخرج من هنا»، على ما تقول.

في اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة تحث الأمم المتحدة على التضامن النسائي لفضح المعنّفين (الأمم المتحدة)

«هناء» هربت مع طفلَيها

بين «هناء» ورفيقتَيها في الملجأ، «نانسي» و«سهى»، فرقٌ كبير؛ أولاً هي لم تتعرّض للعنف في بيت أبيها، ثم إنها تزوّجت في الـ26 وليس في سنٍ مبكرة. لكنّ المشترك بينهنّ، الزوج المعنّف الذي خانها وضربها على مدى 15 سنة. كما شاركت في الضرب ابنتاه من زواجه الأول، واللتان كانتا تعتديان على هناء وطفلَيها حتى في الأماكن العامة.

«اشتدّ عنفه في الفترة الأخيرة وهو كان يتركنا من دون طعام ويغادر البيت»، تروي «هناء». في تلك الآونة، كانت تتلقّى استشاراتٍ نفسية في أحد المستوصفات، وقد أرشدتها المعالجة إلى مؤسسة «أبعاد».

«بعد ليلة عنيفة تعرّضنا فيها للضرب المبرّح، تركت البيت مع ولديّ. لم أكن أريد أن أنقذ نفسي بقدر ما كنت أريد أن أنقذهما». لجأت السيّدة الأربعينية إلى «أبعاد»، وهي رغم تهديدات زوجها ومحاولاته الحثيثة للوصول إليها والطفلَين، تتماسك لتوجّه نصيحة إلى كل امرأة معنّفة: «امشي ولا تنظري خلفك. كلّما سكتّي عن الضرب، كلّما زاد الضرب».

باستطاعة النساء المعنّفات اللاجئات إلى «أبعاد» أن يجلبن أطفالهنّ معهنّ (منظمة أبعاد)

«حتى السلاح لا يعيدها إلى المعنّف»

لا توفّر «أبعاد» طريقةً لتقديم الحماية للنساء اللاجئات إليها. تؤكّد غيدا عناني، مؤسِسة المنظّمة ومديرتها، أن لا شيء يُرغم المرأة على العودة إلى الرجل المعنّف، بعد أن تكون قد أوت إلى «أبعاد». وتضيف في حديث مع «الشرق الأوسط»: «مهما تكن الضغوط، وحتى تهديد السلاح، لا يجعلنا نعيد السيّدة المعنّفة إلى بيتها رغم إرادتها. أما النزاعات الزوجيّة فتُحلّ لدى الجهات القضائية».

توضح عناني أنّ مراكز «أبعاد»، المفتوحة منها والمغلقة (الملاجئ)، تشرّع أبوابها لخدمة النساء المعنّفات وتقدّم حزمة رعاية شاملة لهنّ؛ من الإرشاد الاجتماعي، إلى الدعم النفسي، وتطوير المهارات من أجل تعزيز فرص العمل، وصولاً إلى خدمات الطب الشرعي، وليس انتهاءً بالإيواء.

كما تصبّ المنظمة تركيزها على ابتكار حلول طويلة الأمد، كالعثور على وظيفة، واستئجار منزل، أو تأسيس عملٍ خاص، وذلك بعد الخروج إلى الحياة من جديد، وفق ما تشرح عناني.

النساء المعنّفات بحاجة إلى خطط طويلة الأمد تساعدهنّ في العودة للحياة الطبيعية (رويترز)

أما أبرز التحديات التي تواجهها المنظّمة حالياً، ومن خلالها النساء عموماً، فهي انعكاسات الحرب الدائرة في لبنان. يحلّ اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة في وقتٍ «تتضاعف فيه احتمالات تعرّض النساء للعنف بسبب الاكتظاظ في مراكز إيواء النازحين، وانهيار منظومة المساءلة». وتضيف عناني أنّ «المعتدي يشعر بأنه من الأسهل عليه الاعتداء لأن ما من محاسبة، كما أنه يصعب على النساء الوصول إلى الموارد التي تحميهنّ كالشرطة والجمعيات الأهليّة».

وممّا يزيد من هشاشة أوضاع النساء كذلك، أن الأولويّة لديهنّ تصبح لتخطّي الحرب وليس لتخطّي العنف الذي تتعرّضن له، على غرار ما حصل مع إحدى النازحات من الجنوب اللبناني؛ التي لم تمُت جرّاء غارة إسرائيلية، بل قضت برصاصة في الرأس وجّهها إليها زوجها.