تزامناً مع ما يؤكده المراقبون والخبراء بشأن «تحديات تواجه الصحافة والإعلام التقليدي»، اكتسب وجود الصحافيات على مواقع التواصل الاجتماعي أهمية متزايدة، سعياً لبناء ما تسمى «هويتهن الرقمية». هذه «الهوية» تشكّل جزءاً مهماً من شهرتهن ومصداقيتهن، الأمر الذي خلق صراعاً بين الصحافيات والمؤثرات على زيادة عدد المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، بوصفها مقياساً للنجاح. وهذا الأمر ما دعا البعض للتساؤل بشأن إذا كان هذا الصراع، منافسةً من أجل الإقناع أم لزيادة المتابعين؟
خبيرات في الإعلام حاورتهن «الشرق الأوسط» يشددن على أهمية وجود الصحافيات على مواقع التواصل الاجتماعي، كجزء من الترويج لأنفسهن. إلا أنهم يشرن أيضاً إلى أن «نجاح الصحافية لا يقاس بعدد المتابعين؛ بل بمصداقية المحتوى الذي تقدمه، وأن يكون الهدف هو الإقناع والتأثير، لا زيادة عدد المتابعين». كما أوضح بعضهن أن هناك فرقاً بين الصحافيين والمؤثرين نساءً ورجالاً.
سالي حمود، الباحثة اللبنانية في شؤون الإعلام المعاصر والذكاء الصناعي وأستاذة الإعلام والتواصل، ذكرت في رسالة الدكتوراه الخاصة بها «قضية الهوية الرقمية... وسوق المؤثرين»، أن «عدد المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي لم يعد مقياساً للتأثير، وهو ما يدفع المعلنين اليوم للاتجاه لحسابات يشبه أصحابها الناس العادية». وأكدت حمود لـ«الشرق الأوسط» أن «العبرة بالمحتوى وبدرجة التأثير والقدرة على الإقناع، وليس بعدد المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي».
من جانبها، ترى فاطمة خير، الكاتبة وخبيرة الإعلام المصرية، أن «الوجود الرقمي للصحافيات لا يعني البحث عن زيادة المتابعين، فالأكثر شهرة وعدداً من المتابعين، ليس بالضرورة هو الأكثر نجاحاً، والمهم بالنسبة إلى الصحافي والصحافية، هو تحقيق المصداقية». وتابعت أن «جائحة كوفيد - 19 قفزت بنا عشر سنوات للأمام، وأصبح هذا الوجود الرقمي مهماً للحصول على وظيفة أو الترشيح لمنحة أو جائزة»، مضيفةً: «يجب ألا تقارن الصحافيات أنفسهن بالمؤثرات، فالخطاب الإعلامي محترف، في حين أن خطاب المؤثرين شعبوي؛ لكن يمكن الاستفادة من المؤثرين في تعلم أساليب جذب الجمهور». ثم قالت إنها «تتابع عدداً من المؤثرات اللاتي يقدّمن وصفات طبخ مثلاً، وهن ربات منازل بسيطات، ويقدمن المحتوى بطريقة بسيطة».
ما يُذكر أنه وفق تقرير نشره موقع «فوربس» في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فإن «تقييم المؤثرين لا يعتمد فقط على عدد المتابعين، بل هناك عوامل أخرى مثل حجم التفاعل، واهتمامات المتابعين، وحجم التأثير أو نسبة المتشككين من المتابعين». وهنا انتقلت رشا الشامي، منتجة محتوى على الإنترنت، ولديها 120 ألف متابع على «إنستغرام» من قالب الصحافية المسؤولة عن إدارة صالات تحرير، إلى قالب المؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعي.
الشامي قالت لـ«الشرق الأوسط» إنها «رغم امتلاكها حسابات على مواقع التواصل منذ سنوات، لم تسع لاكتساب المتابعين خلال فترة عملها كصحافية وكمسؤول تحرير في عدد من المؤسسات، إيماناً منها بالمسؤولية تجاه هذه المؤسسات. لكن مع بداية تفشي جائحة «كوفيد - 19» ثم الحظر وتركها لعملها، وجدت لديها متسعاً من الوقت حاولت استخدامه بشكل مفيد، فبدأت في عمل دروس اليوغا على حسابها الشخصي على «إنستغرام» مع ابنتها، ما زاد عدد متابعيها.
من جهة أخرى، ضمن توقعاته لمستقبل الصحافة والإعلام، نشر موقع «نيمان لاب»، المتخصص في الدراسات والبحوث الإعلامية، تقريراً في نهاية عام 2018 ذكر فيه أنه «مع الاضطراب الذي تشهده الساحة الإعلامية، فإن كثيرين من الصحافيين سيعطون الأولوية لبناء هويتهم الرقمية الشخصية وحشد عدد من المتابعين وتطوير نظام لتوزيع المحتوى الذي يقدمونه». وحسب التقرير فإن «الصحافيين لن يحتاجوا إلى ملايين المتابعين للوصول إلى الحد التنافسي».
في هذا الصدد، تقول الدكتورة نهى بلعيد، أستاذ الإعلام والاتصال الرقمي في تونس، إن «الجميع يحتاج اليوم لبناء صورته الرقمية على المنصات الإلكترونية المختلفة، كجزء من التطور المهني، خصوصاً أن هذه المنصات تمنح فرصاً للتشبيك على المستوى الدولي وليس المحلي فقط»، وأردفت: «على الصحافية أن تهتم بصورتها الرقمية، بشرط احترام قواعد المؤسسة التي تعمل بها».
عودة إلى فاطمة خير، فهي تقول إن «التسويق الشخصي مهم جداً لكل من يعمل في المجال الإعلامي، ليحقق نوعاً من الشهرة»، مشيرةً إلى أنه «في الماضي كان عدد الصحافيين أقل، وكانوا معروفين بالاسم، أما اليوم فالوضع مختلف، وقليلون منهم يحصلون على هذه الشهرة، ويحققون نوعاً من الزخم حول أسمائهم». ثم تضيف أن «وسائل التواصل تعد بمثابة شركة علاقات عامة مجانية، لو امتلكت الصحافية أدواتها؛ لكن في نفس الوقت على الصحافية أن تتعامل مع نفسها بوصفها شخصية عامة، وأن تدرك أن كل ما تنشره يسهم في تكوين صورتها وهويتها الرقمية».
على هذا، تعلق رشا الشامي فتقول إنه «من المفترض أن تعمل الصحافية على مشاركة مواضيعها على مواقع التواصل، دون أن يكون هدفها جذب المزيد من المتابعين، فالمحتوى هو سيد الموقف، وليس عدد القراءات».
على صعيد آخر، وفق التقرير السنوي الذي أعده «إنفلوينسرز ماركتينع هب»، المتخصص في بحث «سوق المؤثرين» حول العالم، فقد «زاد نمو سوق المؤثرين من حدة المنافسة بين الصحافيات والمؤثرات، حيث يتوقع أن ينمو سوق المؤثرين على الإنترنت من 9.7 مليار دولار أميركي عام 2020 إلى 13.8 مليار دولار خلال العام الجاري». وحسب موقع «بيزنس إنسايدر» فإن «العلامات التجارية خصصت نحو 15 مليار دولار لسوق المؤثرين عام 2022». وتخشى الشامي من أن «يصبح المؤثرون بدلاء لكل شيء من الإعلام إلى الأطباء»، مؤكدة أن «كل تخصص أصبح له مؤثروه».
نهى بلعيد ترى في هذا الشأن أنه «مثلما كانت وسائل الإعلام سابقاً تؤثر في الرأي العام، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر في الرأي العام بقدر تأثير وسائل الإعلام التقليدية، وهناك تكامل بين ما تقدمه وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي، بحيث إن لكل وسيلة جمهورها الخاص، ولا يمكننا تجنب مواقع التواصل في هذا العصر». بدورها أكدت سالي حمود أن «المشكلة هنا أنه في إطار المنافسة والسعي وراء زيادة عدد المتابعين، اعتمدت إعلاميات أسلوب الخطاب وطريقة عمل المؤثرات، والذي يختلف عن الإعلام، وهنا تكمن الخطورة». وتوضح أن «السعي وراء زيادة عدد المتابعين يجعل التركيز على إرضاء الجمهور، بدلاً من التأثير فيه وإقناعه»، لافتة إلى أن «الوجود على مواقع التواصل الاجتماعي مهم للإعلامي، شرط ألا يُخلّ بمصداقيته».
تنافس الصحافيات والمؤثرات على مواقع التواصل... صراع للإقناع أم لزيادة المتابعين؟
تنافس الصحافيات والمؤثرات على مواقع التواصل... صراع للإقناع أم لزيادة المتابعين؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة