تساؤلات حول صناعة «الترند» وتأثيره واستمراره

TT

تساؤلات حول صناعة «الترند» وتأثيره واستمراره

بين الحين والآخر يصعد «ترند» ويختفي آخر. ومع الصعود والاختفاء تُثار تساؤلات تتعلق بكيفية صناعة «الترند»، وهل قوته تتوقف على الشخصيات التي يتناولها؟ ولماذا لم تضع منصات التواصل معايير لـ«الترند» خلال الفترة الماضية؟ ثم، هل هناك معايير مستقبلية تتعلق بأخلاقياته؟
خبراء يرون أن «قوة الترند، أو استمراره، يعتمد بشكل أساسي على الشخص أو المصدر الناشر للمحتوى». كذلك يعتقدون أن «الإعلام مستفيد من الترند وهو ليس صانعاً له. إلا أنه تظل هناك فرصة للمؤسسات الإعلامية لصناعة الترند، وذلك عن طريق التحقيقات الصحافية المثيرة». ثم إن الخبراء يرون أيضاً أنه «لا توجد معايير واضحة وقاطعة لتنظيم المشهد على منصات التواصل الاجتماعي، حتى وإن كانت هناك محاولات من بعض المنصات لذلك، لتحديد كيفية السيطرة على الآثار السلبية لصعود أي ترند».
الإماراتي مهران كيالي، مستشار الإعلام الرقمي ورئيس قسم التواصل الاجتماعي في صحيفة «الرؤية» بدولة الإمارات العربية المتحدة، يرى أن «الترند بالمعنى الشمولي للكلمة، هو دخول عادة جديدة على تصرفات البشر لتصبح شائعة بينهم؛ لكن إذا تحدثنا عن كلمة ترند في عالم التواصل الاجتماعي، فيمكن وصفها بأنها كلمات مفتاحية أو صور أو مقاطع فيديو تنتشر، يجري تداولها بين الأشخاص وتأخذ حيزاً كبيراً من التداول».
وأضاف كيالي، خلال حواره مع «الشرق الأوسط»، أن «كفة المقاطع المصورة هي الأرجح... ويعود ذلك إلى صعوبة التعبير إلكترونياً، فالمحتوى المكتوب لا ينجح في توصيل الفكرة مائة في المائة من دون أن نرى تعابير الجسد. ومن هنا بدأت فكرة العالم باستعمال محتوى يعرفه الجميع كمشهد من فيلم أو مسلسل ليسهّل عملية التواصل الجسدي علينا. ومثلاً قبل أسابيع، صعد مشهد من المسلسل المصري (هذا المساء) الذي أُنتج عام 2017 ليتصدر الترند، وما أثار الانتباه أنه لا أحد يعرف لماذا صعد بعد أربع سنوات؟ لكنّ الحقيقة أن ما تابعناه هو تحول هذا المشهد إلى مادة رائجة، حتى إن بعض برامج (توك شو) استقبلت اتصالات لأبطال المشهد للتعليق على الفكرة».
الدكتور أنس النجداوي، الأكاديمي والمستشار في إدارة الأعمال الرقمية بجامعة «أميتي» في دبي، ربط بين قوة «الترند» ومصدره، إذ قال لـ«الشرق الأوسط» إن «قوة الترند أو ديمومته، تعتمد بشكل أساسي على الشخص أو المصدر الناشر للمحتوى، ومدى شعبية الشخص، مثل رجل الأعمال إيلون ماسك، الذي يتابعه على موقع (تويتر) قرابة 47 مليون إنسان. وبالتالي، تتحول أي تغريده بسيطة له إلى ترند ربما تغير اقتصاد شركات»، واستطرد: «مسار الفكرة حتى تتحول إلى ترند عادةً يبدأ من شخص مؤثر (إينفلوينسر)، إذا كان من بين متابعيه أشخاص لهم أيضاً تأثير ينعكس في عدد المتابعين، ثم تنتقل الفكرة بعده في شكل دوائر حتى تتحول إلى ترند، وربما يصل إلى مرحلة يصعب السيطرة عليها».
من جانبه، يشرح محمد فتحي، المتخصص المصري في الإعلام الرقمي لـ«الشرق الأوسط»، أن «الترند فكرة أتت بها منصات التواصل بالأساس. والهدف منها خلق نوع من الجذب للمنصة نفسها، فعندما يصبح شخص ما أو حدث أو مصطلح بعينه حالة رائجة اليوم، يحفّز ذلك المستخدمين على مزيد من التفاعل على المنصة، ومن ثم كسبها مزيداً من المكاسب المادية». ويستشهد هنا بمنصتي «يوتيوب» و«تويتر» اللتين تقدمان خدمة «التريندات» اليومية التي تحدث على مدار الساعة، ما يعكس أهمية البيانات المعبّرة عن اهتمامات المستخدم.
والواقع، أن الترند يتحرك وفق ما تسمى «العملة الاجتماعية»، وهي «عدوى الأفكار والسلوكيات والمنتجات -حسب فتحي- فعندما يتحدث شخص وسط دائرته عن شيء معين، ثم يشاركه آخرون الاهتمام نفسه، يتحوّل هذا إلى ما تسمى (العملة الاجتماعية)، فيغدو الإنسان لوحة إعلانات متحركة، ومن دون أن يشعر، يصنع الترند». ويتابع فتحي فيوضح أن «هناك قاعدتين أساسيتين لصعود الترند هما الفكاهة والجاذبية... كذلك، هناك شدة الغرابة، وإثارة الجدل، أو المحتوى الذي يكسب التعاطف والتأثير مثل حكايات الظلم أو القضايا الحياتية مثل التحرش... جميعها طرق لصناعة ترند أصبح يعرفها جيداً صُناع المحتوى الرقمي».
أما البروفسور جوناه بيرغر، أستاذ استراتيجيات التسويق في جامعة بنسلفانيا، فقد كتب في كتابه «Contagious: Why Things Catch On» أن «انتقال الأفكار أو السلوكيات في المجتمع يحدده عدة عوامل: أهمها، السلوك الشفهي للأفراد، والتوصيات المباشرة التي ربما تكون تضاعفت فرصتها بسبب منصات التواصل الاجتماعي، ومن ثم أسهمت في ظهور مفهوم الترند».
وفي هذا السياق يرى متابعون أن «هناك عوامل سلوكية تحركها دوافع نفسية وراء صنع الترند ورواجه». ويقول الدكتور أحمد فهمي، اختصاصي الطب النفسي بمصر لـ«الشرق الأوسط» معلّقاً: «هناك ما يسمى التماهي الاجتماعي، وهو أن يسعى الشخص إلى التماثل في التوجهات والسلوك والأفكار مع المعتاد اجتماعياً. ومن هنا تأتي قوة الترند، إذ يتبناه المشاهير أو المؤثرون، ثم يتبعهم الراغبون في التماثل أو التشابه مع السائد اجتماعياً، وبالتالي، مع زيادة عدد المُقلدين تزداد قوة الترند وينمو تأثيره».
على صعيد آخر، مَن المستفيد الأبرز من الترند؟ على هذا السؤال يرد مهران كيالي قائلاً: إن «الترند أداة ذهبية لاستراتيجيات التسويق. إذ يرى معظم المسوّقين الرقميين أن صناعة أو استخدام الترند وسيلة منخفضة التكلفة للترويج للمنتجات أو الأفكار. ولذلك تذهب غالبية الشركات ومعها صناع المحتوى إلى صناعة ترند لمنتجاتهم وأفكارهم... أو ما يسمى (ركوب الموجة)، وبناء منتجات أو أفكار على أساس الترند».
وفي السياق نفسه يشرح كيالي أن «الترند في الإعلام موضوع مهم للغاية، يمكن بناء رأي عام على أساسه. وغالباً ما يُعد الترند موضوعاً دسماً يسمح بإنتاج عدة مواضيع خبرية واستقصائية وبحثية وترويجية أيضاً». ثم يتابع: «حتى الآن، الإعلام مستفيد من الترند وليس صانعاً له. لكن تظل هناك فرصة للمؤسسات الإعلامية لصناعة الترند، وذلك عن طريق التحقيقات الصحافية المثيرة للجدل والحصرية، كما يمكنها صناعة حملات ترويجية عن موضوع معين، وذلك باستخدام كل أصولها الإلكترونية (مواقع أو صفحات تواصل) حتى وصوله ليصبح ترنداً».



مشهد الحرب طغى على شاشات المحطات اللبنانية

انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
TT

مشهد الحرب طغى على شاشات المحطات اللبنانية

انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)

طغى مشهد الحرب على أحداث لبنان لسنة 2024، لا سيما في الأشهر الأخيرة من العام، وهي أشهر أمضاها اللبنانيون يترقّبون بقلق مصير بلدهم غير آبهين بأي مستجدات أخرى تحصل على أرضهم أو في دول مجاورة. وشكّلت محطات التلفزة الخبز اليومي للمشاهدين، فتسمروا أمام شاشاتها يتابعون أحداث القصف والتدمير والموت.

توقيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة شكّل مفاجأة للبنانيين

المشهد الإعلامي: بداية سلسة ونهاية ساخنة

عند اندلاع ما أُطلق عليها «حرب الإسناد» في 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لم يتأثر المشهد الإعلامي في لبنان، فقد أبقى أصحاب المحطات المحلية مع بداية عام 2024 على برامجهم المعتادة، وخاضت التلفزيونات موسم رمضان بشكل عادي، متنافسة على تقديم الأفضل للمشاهد. لم تتبدل أجندة البرامج في محطات «إل بي سي آي»، و«الجديد»، و«إم تي في». وتابع اللبنانيون برامج الترفيه والحوارات السياسية والألعاب والتسلية، وكأن لا شيء غير عادي يحدث. وفي موسم الصيف، ركنت المحطات كعادتها إلى إعادات درامية وحلقات من برامج ترفيهية. فهذا الموسم يتسم عادة بالركود، كون المُشاهد عموماً يتحوّل إلى نشاطات أخرى يمارسها بعيداً عن الشاشة الصغيرة.

لكن منذ أن جرى تفجير أجهزة الاستدعاء (البيجر) بعناصر «حزب الله»، في 17 سبتمبر (أيلول) من العام الحالي، انقلب المشهد الإعلامي رأساً على عقب. وضعت جميع المحطات مراسليها ومقدمي نشرات الأخبار لديها في حالة استنفار، وصار المشهد السائد على الشاشة الصغيرة، من حينها، يتألّف من نقل مباشر وحوارات سياسية متواصلة.

حالة استنفار عام سادت محطات التلفزة لمواكبة أحداث الحرب

مقتل صحافيين خلال الحرب

لم توفر الحرب الدائرة في لبنان منذ بداياتها الجسم الإعلامي الذي خسر عدداً من مراسليه على الأرض. وُصف استهدافهم بـ«جريمة حرب» هزّت المشهد واستدعت استنكاراً واسعاً.

ولعل الحدث الأبرز في هذا المجال هو الذي جرى في أكتوبر 2024 في بلدة حاصبيا الجنوبية.

فقد استهدفت غارة إسرائيلية فندقاً كان قد تحول إلى مقر إقامة للصحافيين الذين يغطون أخبار الحرب؛ مما أسفر عن مقتل 3 منهم وإصابة آخرين. قُتل من قناة «الميادين» المصوّر غسان نجار، ومهندس البث محمد رضا، كما قُتل المصوّر وسام قاسم من قناة «المنار». ونجا عدد آخر من الصحافيين الذين يعملون في قناة «الجديد»، ووسائل إعلامية أخرى.

وضع لبنان على اللائحة الرمادية (لينكد إن)

تمديد أوقات البث المباشر

أحداث الحرب المتسارعة التي تخلّلها اغتيالات، وقصف عنيف على لبنان، سادت المشهد الإعلامي. وشهدت محطات التلفزة، للمرة الأولى، تمديد أوقات البث المباشر ليتجاوز 18 ساعة يومياً.

وجنّدت محطات التلفزة مراسليها للقيام بمهمات يومية ينقلون خلالها الأحداث على الأرض. وتنافست تلك المحطات بشكل ملحوظ كي تحقّق السبق الصحافي قبل غيرها، فقد مدّدت محطة «إم تي في»، وكذلك «الجديد» و«إل بي سي آي»، أوقات البث المباشر ليغطّي أي مستجد حتى ساعات الفجر الأولى.

وحصلت حالة استنفار عامة لدى تلك المحطات. فكان مراسلوها يصلون الليل بالنهار لنقل أحداث الساعة.

برامج التحليلات السياسية والعسكرية نجمة الشاشة

أخذت محطات التلفزة على عاتقها، طيلة أيام الحرب في لبنان، تخصيص برامج حوارية تتعلّق بهذا الحدث. وكثّفت اللقاءات التلفزيونية مع محللين سياسيين وعسكريين. وبسبب طول مدة الحرب استعانت المحطات بوجوه جديدة لم يكن يعرفها اللبناني من قبل. نوع من الفوضى المنظمة ولّدتها تلك اللقاءات. فاحتار المشاهد اللبناني أي تحليل يتبناه أمام هذا الكم من الآراء. وتم إطلاق عناوين محددة على تلك الفقرات الحية. سمّتها محطة الجديد «عدوان أيلول». وتحت عنوان «تحليل مختلف»، قدّمت قناة «إل بي سي آي» فقرة خاصة بالميدان العسكري وتطوراته. في حين أطلقت «إم تي في» اسم «لبنان تحت العدوان» على الفقرات الخاصة بالحرب.

أفيخاي أدرعي نجماً فرضته الحرب

انتشرت خلال الحرب الأخبار الكاذبة، وخصّصت بعض المحطات مثل قناة «الجديد» فقرات خاصة للكشف عنها. وبين ليلة وضحاها برزت على الساحة الإعلامية مواقع إلكترونية جديدة، وكانت مُتابعة من قِبل وسائل الإعلام وكذلك من قِبل اللبنانيين. ومن بينها «ارتكاز نيوز» اللبناني. كما برز دور «وكالة الإعلام الوطنية»، لمرة جديدة، على الساحة الإعلامية؛ إذ حققت نجاحاً ملحوظاً في متابعة أخبار الحرب في لبنان. وشهدت محطات تلفزة فضائية، مثل: «العربية» و«الجزيرة» و«الحدث»، متابعة كثيفة لشاشاتها ومواقعها الإلكترونية.

أما الحدث الأبرز فكان متابعة اللبنانيين للمتحدث الإعلامي للجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي. فالحرب فرضته على اللبنانيين لتوليه مهمة الكشف عن أسماء قادة الحزب الذين يتمّ اغتيالهم. كما كان يطل في أوقات متكررة، عبر حسابه على «إكس»، يطالب سكان مناطق محددة بمغادرة منازلهم. فيحدد لهم الوقت والساعة والمساحة التي يجب أن يلتزموا بها، كي ينجوا من قصف يستهدف أماكن سكنهم.

عودة صحيفة إلى الصدور

في خضم مشهد الحرب الطاغي على الساحة اللبنانية، برز خبر إيجابي في الإعلام المقروء. فقد أعلنت صحيفة «نداء الوطن»، في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، استئناف صدورها، ولكن بإدارة جديدة. فقد سبق أن أعلن القيمون عليها في فترة سابقة عن توقفها. وكان ذلك في شهر مايو (أيار) من العام نفسه.

توقيف حاكم مصرف لبنان يتصدّر نشرات الأخبار

سبق انشغال الإعلام اللبناني بمشهد الحرب خبر توقيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. كان الخبر الأبرز في نشرات الأخبار المتلفزة. لم يتوقع اللبنانيون في 3 سبتمبر من عام 2024 أن يستيقظوا على خبر شكّل مفاجأة لهم. ففي هذا اليوم تم توقيف رياض سلامة على ذمة التحقيق، وذلك بتهم تتعلّق بغسل أموال واحتيال واختلاس. جاءت هذه الخطوة في إطار تحقيق يتعلّق بشركة الوساطة المالية اللبنانية «أبتيموم إنفيست»، وقبل أسابيع قليلة من تصنيف لبنان ضمن «القائمة الرمادية» لمجموعة العمل المالي «فاتف» (FATF)؛ مما يهدّد النظام المالي اللبناني المتأزم.

اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصرالله تصدّر مشهد الحرب

أخبار تصدّرت المشهد الإعلامي لعام 2024

تصدّرت المشهد الإعلامي لعام 2024 سلسلة من الأحداث. شملت أخبار اغتيالات قادة «حزب الله»، وفي مقدمهم أمينه العام حسن نصر الله في 27 سبتمبر. كما انشغلت نشرات الأخبار المتلفزة بالحديث عن وضع لبنان على «القائمة الرمادية»، وهو تصنيف من شأنه أن يفاقم معاناة البلاد اقتصادياً في ظل الأزمة المالية المستمرة منذ عام 2019. أما أحدث الأخبار التي تناقلتها محطات التلفزة فهو قرار الإفراج عن المعتقل السياسي جورج إبراهيم عبد الله بعد قضائه نحو 40 عاماً في السجون الفرنسية.

وقف إطلاق النار يبدّل المشهد المرئي

في 27 نوفمبر أُعلن وقف إطلاق النار، بعد توقيع اتفاق مع إسرائيل. فتنفّست محطات التلفزة الصعداء. وانطلقت في استعادة مشهديتها الإعلامية المعتادة استعداداً لاستقبال الأعياد وبرمجة موسم الشتاء.