بعد سنة مأسوية في لبنان الغارق في أزمة مالية غير مسبوقة، يحاول شباب لبنانيون تقديم علاج جماعي بالضحك من خلال عروض كوميدية يتحدّون فيها المحظورات مستخدمين السّخرية سلاحاً بوجه الوضع المتردي في البلاد.
في قاعة للعروض الفنية في العاصمة بيروت، داخل أحد الأحياء الأكثر تضرّراً جراء انفجار المرفأ في الرابع من أغسطس (آب) الفائت، تنفجر الضّحكات بين الحاضرين الذين أتوا للتّرويح عن أنفسهم وتناسي الضغوط المستمرة التي يعيشونها في ظل الانهيار الاقتصادي والمواجهة الصعبة مع جائحة «كوفيد - 19».
ويقول الكوميدي نيقولا طوق إنّ الوضع في البلاد متردّ لدرجة أنّ «سوق الأحد تقدم خصومات بنسبة 50 في المائة على كل شيء»، في إشارة إلى سوق شعبية شهيرة عند مدخل بيروت تُعرف عادة ببضائعها البخسة الثمن.
في ليلة ممطرة من ديسمبر (كانون الأول)، يتناوب اثنا عشر كوميديّاً شاباً على خشبة المسرح لتقديم عروض من نوع «ستاند أب كوميدي»، في حدث من تنظيم نادٍ للكوميديا يحمل اسم «أوك. وورد» ساهم في الترويج لهذا النوع من الحفلات الترفيهية في لبنان خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
وبكلمات محوّرة لأغنية شعبية لبنانية حقّقت نجاحاً كبيراً في ثمانينات القرن الماضي، يصوّر شابان بنبرة ساخرة على نغمات الغيتار، طريقة المغازلة في زمن «كورونا»، الذي باتت خلاله دعوة الشاب لفتاة إلى الرقص تستدعي أولاً تعقيم اليدين ووضع كمامة للوقاية من الفيروس.
وبنصوصه اللاذعة ومقاربة كوميدييه المباشرة لمواضيع حساسة وإشكالية أحياناً، يحقق هذا النوع من العروض الكوميدية انتشاراً متزايداً في لبنان.
ففي هذا البلد المتنوع طائفياً الذي يعيش انقسامات حادة بعد الحرب اللبنانية التي امتدت خمس عشرة سنة بين 1975 و1990. يعرّي الفنانون بأسلوبهم النّقدي السّاخر تناقضات المجتمع، كما يصوّبون على انتهاكات الطبقة السياسية التي لم تتبدّل منذ عقود ويتّهمها كثيرون في لبنان والعالم بالفساد والفشل بإدارة شؤون البلاد.
ويؤكد نور حجار، وهو أحد أبرز الكوميديين في هذا الحفل، أنّه رغم كون هذه العروض «متنفساً» للجمهور، فإنّها «تذكّر بالمواضيع التي تلحق الأذى بنا».
وينقل الكوميدي البالغ 28 سنة، لجمهور العرض قصة ساخرة قال إنّها لحوار دار مع تاجر مخدرات تبلغ خلاله من هذا الأخير رغبته في الهجرة إلى كندا. ويقول ضاحكاً إنّ الوضع سيء لدرجة أن بائع المخدرات لم يعد يستطيع تصريف بضاعته.
وقد كان العام المنصرم كارثياً على لبنان، إذ بدأ مع خيبة أمل لدى فئة واسعة من الشعب إزاء عدم تحقيق تغيير يُذكر بعد موجة الاحتجاجات العارمة في البلاد منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
وتوالت بعدها الأزمات مع الانهيار التاريخي في سعر صرف الليرة اللبنانية، فضلاً عن الارتفاع الكبير في نسب الفقر والبطالة إثر عمليات صرف واسعة، والقيود المشددة على السحوبات المصرفية... وصولاً إلى الانفجار الهائل في المرفأ وتبعاته المأسوية.
من بين هؤلاء الكوميديين الشباب أيضاً، يستقي ماريو مبارك من تجربته كموظف مستقيل من أحد المصارف، لإثراء عروضه بنكات ودعابات عن القطاع المصرفي الذي يواجه اتهامات شتى بالتفريط بأموال المودعين.
ويوضح الشاب البالغ 27 سنة، لوكالة الصحافة الفرنسيّة، أنّ الجمهور «يريد أن يضحك. ثمة حاجة في النهاية إلى متنفس في مكان ما. صحيح أنّنا عانينا من أوجاع ومآس وسنواجه المزيد منها».
تشبّه الكوميدية الشّابة شادن التي تحقق انتشاراً كبيراً عبر شبكات التواصل الاجتماعي، هذه العروض بأنّها كالأقراص المهدئة للأعصاب، مشدّدة على ضرورة الالتزام في القضايا السياسية والخوض في بعض النقاشات الشائكة.
ويقرّ الكوميديون بأنّه من المبكر التطرق في عروضهم إلى موضوع انفجار مرفأ بيروت الذي أوقع أكثر من مائتي قتيل وآلاف الجرحى، وأدى لتدمير أنحاء واسعة من العاصمة. مع ذلك، يلمّح البعض إلى المعاناة النفسية التي أججها هذا الحدث الكبير لدى اللبنانيين، بأسلوب لا يخلو من الفكاهة.
كوميديون يعالجون جماعياً أزمات لبنان... بالضحك
كوميديون يعالجون جماعياً أزمات لبنان... بالضحك
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة