عمرو موسى: دول غربية خانت التفويض العربي لمجلس الأمن بحماية المدنيين الليبيين

«الشرق الأوسط» تنشر فصولاً من كتابه الجديد «سنوات الجامعة العربية» (الأخيرة)

عمرو موسى متوسطاً القذافي وشلقم
عمرو موسى متوسطاً القذافي وشلقم
TT

عمرو موسى: دول غربية خانت التفويض العربي لمجلس الأمن بحماية المدنيين الليبيين

عمرو موسى متوسطاً القذافي وشلقم
عمرو موسى متوسطاً القذافي وشلقم

في هذه الحلقة السابعة والأخيرة من كتاب الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى «سنوات الجامعة العربية»، الذي سيصدر قريباً عن «دار الشروق»، نستكمل رواية موسى عن أحداث الثورة الليبية التي اندلعت في فبراير (شباط) 2011، والتي خصص لها فصلين على مساحة 50 صفحة. وتركز هذه الحلقة على ما جاء في الفصل الثاني، الذي أورده تحت عنوان: «الخروج على التفويض العربي بحماية المدنيين الليبيين»، والذي يكشف فيه كيف تعرض العرب للخديعة من عدد من الدول الغربية فيما يخص هذا الموضوع. وأوضح أنه قال لكل الأطراف في باريس إن «قرار مجلس الأمن هدفه حماية المدنيين الليبيين لا غزو أو احتلال ليبيا»، وأنه هاجم هجوم التحالف على أهداف ليبية و«قلت إنه بدلاً من حماية المدنيين يوقع ضحايا».
أخذ التخوف من استغلال بعض القوى فرض الحظر الجوي على ليبيا، بهدف حماية المدنيين من عنف القذافي لضرب ليبيا، قسطاً كبيراً من المناقشات خلال اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب الطارئ في 12 مارس (آذار) 2011. ومن يراجع نص الفقرة رقم (1) بعد الديباجة في القرار الصادر عن ذلك الاجتماع سيجدها تنص على:
الطلب من مجلس الأمن تحمل مسؤولياته إزاء تدهور الأوضاع في ليبيا، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بفرض منطقة حظر جوي على حركة الطيران العسكري الليبي فورياً، وإقامة مناطق آمنة في الأماكن المتعرضة للقصف، كإجراءات وقائية تسمح بتوفير الحماية لأبناء الشعب الليبي والمقيمين في ليبيا من مختلف الجنسيات، مع مراعاة السيادة والسلامة الإقليمية لدول الجوار.
أدعو للتوقف في هذا النص أمام عبارة «كإجراءات وقائية»، التي اقترحها الدكتور نبيل العربي، وزير خارجية مصر، خلال المناقشات، وكانت دوافعه في ذلك ما قاله في المناقشات المرتبطة بصياغة القرار كما يلي:
بالنظر إلى القرار المعروض أمامنا الآن، نجد أن فلسفته تقضي إيجاد نوع من التوازن، وأنا أعتقد لكي يحدث هذا التوازن أن نضيف في الفقرة الأولى بعد عبارة (فرض منطقة حظر جوي) عبارة (كإجراء وقائي)، نحن لا نطالب بضرب منشآت حكومية أو قواعد مدافع أو أي شيء من هذا القبيل، لكننا نقول (كإجراء وقائي). أنا أعتقد أن هذا يحدث التوازن للقرار، ويتفق مع الهدف الذي نرمي إليه جميعاً، وهو ليس استخدام القوة ضد ليبيا، ولكن التحقق من أن الطيران الليبي لن يتمكن من ضرب الشعب والاستمرار في سفك الدماء، فأنا لا أعتقد أن هناك من سيتضايق من عبارة (كإجراء وقائي)، لأنها ستضبط الاتزان للقرار.
السبب الحقيقي الذي يجعل مصر - وإنني أتكلم بكل صراحة - تقول هذا الكلام، أن الصحف الأجنبية ووسائل الإعلام تتكلم حالياً عن دراسات تتم - أياً كان المكان الذي تتم فيه - على ضربات محددة على مواقع محددة، نحن جميعاً دول عربية ولا يصح أن نقوم بشيء يشتم منه أننا نريد ضربات، ولكن نحن نريد أن نخيف القذافي بحيث يتوقف، هذا ما نأمله، وآخر شيء يقال إننا طالبنا به هو ضرب مواقع في ليبيا، نحن لا نطالب بذلك، لا أظن أن أي دولة عربية هنا تطالب بضرب مواقع في ليبيا أو أن يصدر عنا قرار بضرب مواقع في ليبيا، نحن لا نطالب بضرب ليبيا، وبالتالي أرى النص على عبارة «كإجراء وقائي».
لم تعترض أي دولة عربية على تضمين عبارة «كإجراء وقائي» للقرار، ومن جانبي أيدت بقوة هذا المقترح، قلت إن «النص على تلك العبارة من شأنه ضبط الصياغة وإقامة الحد القانوني وطمأنة الرأي العام؛ فنحن لا نتعامل الآن ليس فقط مع مجلس الأمن أو مع السلطات الليبية، وإنما أيضاً مع الرأي العام، فيجب أن تكون الأمور واضحة».
هذا المفهوم العربي لحظر الطيران على ليبيا هو ما شرحناه لمجلس الأمن وللقوى الغربية، فأكدوا تفهمهم لذلك، لكن الحقيقة أننا خدعنا، وفور صدور القرار ضربوا مواقع في ليبيا وسقط ضحايا مدنيون جراء ذلك، واستهدفوا أنظمة الدفاع الجوي لديها، وهو ما استفز روسيا أيضاً؛ لأن أنظمة الدفاع الجوي كانت روسية. كان الروس بشكل عام لديهم اعتراضات كبيرة على ضرب أهداف أرضية في ليبيا.
اتضح فيما بعد أن الجانب الأميركي كانت لديه قائمة من الأهداف الليبية أصر على ضربها، واعتبر أن الحظر الجوي خطوة رمزية، وأنه يجب توفير دعم الأمم المتحدة لعمل عسكري أكثر قوة إذا لزم الأمر، وفي هذا السياق تقول هيلاري كلينتون في مذكراتها:
قرر الرئيس (أوباما) السير فى عملية التدخل (في ليبيا) ووضع خطط عسكرية وتوفير صدور قرار من مجلس الأمن الدولي، ولكن بشرطين أساسيين: أولاً، بما أن البنتاغون أكد لنا أن منطقة الحظر الجوي فى حد ذاتها ليست أكثر من خطوة رمزية، يجب توفير دعم الأمم المتحدة لعمل عسكري أكثر قوة إذا لزم الأمر: سلطة استخدام «كل التدابير الممكنة» من أجل حماية المدنيين.
والواقع أن الأجواء كانت تواترت من أكثر من مصدر دبلوماسي وسياسي وإعلامي أن بعض الدول العربية سوف تنضم إلى أي جهد عسكري غربي (أوروبي بالذات في تلك المرحلة) لتأكيد الحظر الجوي الذي أمر به مجلس الأمن.
وفي هذا حضرت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية للقائي، وقالت في مذكراتها: «طرت صباح 15 مارس من باريس إلى القاهرة كي أقابل عمرو موسى، والتشديد على أهمية دور الجامعة العربية في دعم التدخل العسكري والمشاركة فيه» باعتبار أن ذلك يقع في مصلحة ليبيا وليس مصلحة الغرب.
من جانبي، شرحت في لقائي مع هيلاري المفهوم العربي لفرض حظر جوي على ليبيا، الذي لا يتم بمقتضاه التعرض لأهداف أرضية أياً كان نوعها عسكرية أو مدنية، بالمعنى الذي طرح في الاجتماع الوزاري العربي، وبمقتضى عبارة «كإجراء وقائي». وأشرت إلى أن الإمارات وقطر أعلنتا مشاركتهما في فرض الحظر الجوي، لم يكن ذلك سراً، صحفهما نشرت هذا الكلام. كان المهم أن الجامعة العربية لم يصدر عنها أي قرار يسمح بالمشاركة.
وفي اجتماعاتي التشاورية مع خبراء الأمانة العامة المتابعين بدقة لتطورات الموضوع وبعض المستشارين القانونيين والسياسيين، كان الرأي عدم معارضة هذه الخطوة العربية الجزئية بالمشاركة في فرض الحظر الجوي على ليبيا علانية لأسباب تبلورت في:
1- أنها قرارات سيادية من دولتين أو ثلاث.
2- هذه الخطوة لا يساندها قرار من الجامعة العربية.
3- إن هذه الدول التي اتخذت هذه الخطوة تعمل في إطار مجلس الأمن وقراره.
4- أنهم على الأغلب سوف يرفضون المشاركة في قذف أي أهداف ليبية احتراماً لقرارات الجامعة العربية، وربما يكون لهذا تأثيره على مسلك الآخرين.
5- ضرورة الابتعاد بالكامل عن العمل العسكري الأوروبي بصرف النظر عن أنه يتعلق في ظاهره بتنفيذ قرار مجلس الأمن، لخطورة إمكانية انحرافه عن الأهداف المباشرة في حماية المدنيين، وأن يبادر الأمين العام باتخاذ موقف صريح إزاء مثل هذا الانحراف.
- قرار مجلس الأمن رقم 1973
أعود فأقول إنه في مواجهة هذه الأحداث واستجابة للتهديدات المتواصلة ضد المدنيين التي ارتكبها القذافي، انعقد مجلس الأمن لمناقشة مشروع قرار تقدمت به بريطانيا وفرنسا ولبنان (العضو العربي في مجلس الأمن) والولايات المتحدة يقضي بفرض منطقة حظر جوي على الأراضي الليبية لحماية المدنيين. عقدت أول جلسه لمناقشته يوم 15 مارس، ثم جلسة أخرى في اليوم التالي، لكن بسبب حدوث انقسامٍ في المجلس بشأن مشروع القرار فقد انفضت كلتا الجلستين دون التوصل إلى شيء.
في النهاية أكد مجلس الأمن في قراره 1973 مسؤولية السلطات الليبية عن حماية الشعب الليبي وأدان الانتهاك الجسيم والمنتظم لحقوق الإنسان. وأذن المجلس للدول اﻷﻋﻀﺎء ﺑﺎﺗﺨﺎذ «ﺟﻤﻴﻊ التداﺑﻴﺮ اﻟﻼزمة» ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻟﻤدنيين والمناطق الآهلة ﺑﺎﻟﺴكان المدنيين المعرضين لخطر الهجمات في ليبيا بما فيها بنغازي، مع استبعاد أي قوة احتلال أجنبية أياً كان شكلها وعلى أي جزء من الأراضي الليبية.
كانت عبارة «اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية المدنيين» رغم أنها ذات مظهر سليم وصياغة معتادة فإنها مثلت فخاً كبيراً استغله عدد من الدول ذات المصالح فى ليبيا و(أو) لحسابات تريد تصفيتها مع النظام الليبي، ولأسباب تتصل بعلاقاتها بليبيا وبالنظام الليبي خارج إطار الجامعة.
توقفت كثيراً أمام تلك العبارة اللغم، التي تنص على «اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية المدنيين» في أثناء متابعتي لمجريات الأمور في مجلس الأمن، وعبر اتصالاتي المستمرة مع المندوب الدائم لليبيا لدى الأمم المتحدة عبد الرحمن شلقم. وهنا سأعرض ما ذكره شلقم في كتابه الذي يحمل عنوان «نهاية القذافي... ثورة 17 فبراير يوميات وأسرار وشهادات»، إذ قال بالنص ما يلي:
«كان هناك شخصان أحدهما حاضر وفاعل معنا هنا في نيويورك، هو السفير نواف سلام مندوب لبنان، وعضو مجلس الأمن، والممثل العربي بالمجلس، كان شبه مقيم معنا في مقر البعثة الليبية، نناقش كل فقرة في مشروع القرار 1973 بمشاركة السفير إبراهيم الدباشي، بل كنا نناقش كل كلمة تقريباً.
الشخص الغائب الحاضر هو السيد عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول الدول العربية، الذي كان نصيراً عنيداً لثورة الشعب الليبي منذ انطلاقها، نراجع معه كل فقرات مشروع القرار، لقد وقفنا طويلاً عند الفقرة رقم 4 التي أصررنا عليها أنا والسيد إبراهيم الدباشي، ووافقنا عليها مندوب لبنان السفير نواف سلام، واستطعنا أن نقنع بها سوزان رايس المندوبة الأميركية.
تقول الفقرة الرابعة في مشروع القرار: يأذن للدول الأعضاء التي أخطرت الأمين العام، وهي تتصرف على الصعيد الوطني أو عن طريق منظمات أو ترتيبات إقليمية، وبالتعاون مع الأمين العام، باتخاذ جميع التدابير اللازمة، رغم أحكام الفقرة 9 من القرار 1970 لسنة 2011 لحماية المدنيين والمناطق الآهلة بالسكان المعرضين لخطر الهجمات في الجماهيرية العربية الليبية، بما فيها بنغازي، مع استبعاد أي قوة احتلال أجنبية أياً كان شكلها، وعلى أي جزء من الأراضي الليبية.
لقد أخذت هذه الفقرة الرابعة نقاشاً طويلاً مع عمرو موسى، الذي كان يعارض في البداية وبشدة عبارة - اتخاذ جميع التدابير - متعللاً بأنها تفتح الباب للتدخل الأجنبي، وقف طويلاً عند كلمة (جميع) التي تسبق كلمة (التدابير)، كنت أنا والدباشي نرى هاتين الكلمتين (جميع التدابير) هما طريق الإنقاذ والنجاة للشعب الليبي.
كنا ندرك أننا نسابق الوقت، بل نصارعه، لم تعد نوايا القذافي بالتوجه نحو بنغازي وتدميرها هواجس، أصبحت علنية، يتحدث بها القذافي وابنه سيف... بعد نقاش عصبي تعالت فيه أصواتنا عبر الهاتف، تم الاتفاق مع عمرو موسى على أن نضيف فقرة (مع استبعاد أي قوة احتلال أجنبية أياً كان شكلها، وعلى أي جزء من الأراضي الليبية).
هذه الفقرة الأخيرة هدأت من روع أمين عام الجامعة العربية، وكذلك مندوب روسيا، من طرفنا أصررنا على ذكر بنغازي تحديداً بالاسم؛ لأن تحرك القذافي نحو بنغازي كان معلناً».
كنا فى الجامعة العربية ننشد حماية المدنيين ونعمل على تحقيق ذلك بواسطة الأمم المتحدة، وقرار من مجلس الأمن يقر إقامة منطقة حظر جوي، وهو ما اقترحه رسمياً عدد من الدول العربية ومنها دول خليجية، نمنع الطيران الليبي من قذف المدن الليبية والمدنيين، وهو ما كنت أراه أمراً مشروعاً وضرورياً، بينما كانت الدول الكبرى المحركة للقرار تهتم بالحصول على تصريح باتخاذ «جميع التدابير اللازمة» لذلك، لتعطيها التفسير الذى تراه وحتى تتمكن استخدامها بالشكل الذي تراه.
- اجتماع باريس
الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي كان من أشد المدافعين عن اللجوء للخيار العسكري في ضرب قوات معمر القذافي متذرعاً بحماية المدنيين، كما أثبتت الأيام التالية ذلك؛ ففي 10 مارس 2011 كانت باريس أول عاصمة تعترف بالمجلس الوطني الانتقالي (NTC) الذي شكله قادة الثوار في بنغازي يوم 27 فبراير (شباط) من العام ذاته، باعتباره، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الليبي.
كما كانت تحركات الرئيس الفرنسي لافتة في محاولة الحشد للتصويت على قرار من مجلس الأمن يجيز استخدام القوة ضد قوات معمر القذافي، بعد أن رأى أن الفرصة سانحة أمامه لإبراز فرنسا قوة كبرى في العالم، كما أنه كان يريد التخلص من القذافي بسبب سياسة القذافي التي بدأت تجد لها موطئ قدم في عدد من الدول الأفريقية الفرنكفونية. فضلاً عن أن سيف الإسلام القذافى طالبه برد الأموال التي تقاضاها من ليبيا في تمويل حملته في انتخابات الرئاسة الفرنسية، وهدده بعرض التفاصيل والوثائق.
دعا ساركوزي الى اجتماع في باريس يوم 19 مارس 2011 سماه القمة الأوروبية - العربية - الأفريقية بحضور شخصيات دولية كبيرة، أذكر منها: الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ورئيسة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون، ورئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس ثاباتيرو، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، ووزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، ووزير الخارجية الأردني ناصر جودة، ووزير الخارجية المغربي الطيب الفاسي الفهري، وهوشيار زيباري وزير خارجية العراق، وآخرين.
تم تخصيص هذه القمة التي استمرت ساعات قليلة لمناقشة كيفية التعامل مع الوضع فى ليبيا فى ضوء قرار مجلس الأمن 1973 القاضي بفرض منطقة حظر الطيران فوق ليبيا حماية للمدنيين الليبيين.
لقد رأيت مقاطعة هذا الاجتماع، إذ بدأت تساورني الشكوك فيما يخص نوايا الدول الغربية وعلى رأسهم صاحب الدعوة، فجاءني عبد الإله الخطيب - وزير الخارجية الأردني الأسبق وكان قد تم تعيينه ممثلاً للأمم المتحدة في ليبيا اعتباراً من 7 مارس 2011 - ليطلب مني حضور ذلك الاجتماع، وكنا في اليوم السابق على استفتاء تعديل دستور 1971 الذي أجري يوم 19 مارس 2011 في مصر.
قال لي الخطيب: هذا اجتماع مهم ويجب أن تكون موجوداً فيه؛ لأن الأمم المتحدة ستكون موجودة، والاتحاد الأوروبي سيكون موجوداً، وبإمكانك تسجيل موقفك أمام هذه القوى الدولية. وافقت على الحضور بعد نقاش طويل استمر إلى ساعة متأخرة من المساء؛ فأجرى الخطيب اتصالاته، وأبلغني أن فرنسا سترسل طائرة خاصة لتقلني إلى باريس وتعيدني إلى القاهرة في اليوم ذاته.
قلت له: غداً سأدلي بصوتي في الاستفتاء على تعديل الدستور وسأصوت بـ«لا».
قال: الطائرة ستكون موجودة في مطار القاهرة الساعة التاسعة صباحاً.
أدليت بصوتي في مدرسة بشارع قصر العيني في الساعة الثامنة، ومنها توجهت إلى المطار متوجهاً إلى باريس. وصلت مقر الاجتماع وأخذت مقعدي بعد أن سلمت على الجميع الذين كانوا وقوفاً يتسامرون، بدأ ساركوزي إلقاء كلمته التي من ضمن ما جاء فيها:
«ستعارض القوات الجوية الفرنسية أي اعتداء من قبل طائرات القذافي ضد سكان بنغازي. وبالفعل طائراتنا تمنع الهجمات الجوية على هذه المدينة. وهناك طائرات فرنسية أخرى مستعدة للتدخل ضد العربات المدرعة التي تهدد المدنيين العزل... اليوم، نحن نعمل في ليبيا تحت ولاية مجلس الأمن مع شركائنا، بما في ذلك شركاؤنا العرب. ونقوم بذلك من أجل حماية السكان المدنيين من جنون النظام القاتل الذي فقد شرعيته كاملة عن طريق قتل شعبه... نتدخل للسماح للشعب الليبي لتحديد مصيره».
استفزتني كلمة ساركوزي لأبعد حد؛ لأنه تحدث صراحة عن تجاوز مسألة فرض حظر جوي على قوات القذافي الذي أقره قرار مجلس الأمن رقم 1973؛ ذلك أنه تحدث بشكل صريح عن استعداد قواته الجوية لضرب قوات القذافي على الأرض عندما تحدث عن العربات المدرعة، بالإضافة إلى أنه أعلن صراحة عن نيته بالعمل على تغيير نظام القذافي الذي وصفه بأنه «فقد شرعيته كاملة»، وهو أمر لم يشمله قرار مجلس الأمن المشار إليه، فهذا شأن يقرره الشعب الليبي وحده.
عند هذه اللحظة بدأت أشك في أن الأمر سيتجاوز مسألة حظر الطيران إلى ضرب ليبيا بالطائرات. وهنا أود أن أستطرد مشيراً إلى ما ذكرته لي كاترين أشتون بعد ذلك الحدث بسنوات (لندن في صيف 2018 ثم في صير بني ياس في نوفمبر من السنة نفسها) من أنها كانت فى غاية الحرج لوجودها فى هذا الاجتماع الذي تقرر فيه أمور عسكرية تخرج عن نطاق سياسة الاتحاد الأوروبي، وأنها لاحظت على وجهي شخصياً ووجه بان كي مون الشعور نفسه بالحرج وعدم التناسق مع باقي المجتمعين غربيين كانوا أم عرباً.
بعد أن انتهى الرئيس الفرنسي من كلمته قال: أُعطي الكلمة للسيد الأمين العام.
يبدو أنه كان يقصد بان كي مون، لكن من فرط غضبي ورغبتي في الرد على كلمته اعتبرت أنه يخاطبني أنا أمين عام الجامعة العربية، وبان كي مون لم يعلق، فألقيت كلمتي التي أكدت فيها أن «قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 بشأن ليبيا يهدف إلى حماية المدنيين، ولا يؤيد أي غزو لذلك البلد العربي المستقل وصاحب السيادة، وطلبت من كل الأطراف المجتمعة عدم الذهاب إلى أبعد من منطوق قرار مجلس الأمن الصادر في 17 مارس 2011 الذي قيد العمليات العسكرية على الأراضي الليبية في حظر جوي على قوات معمر القذافي».
وأعدت التأكيد على أن الهدف من قرار مجلس الأمن المشار إليه هو حماية المدنيين الليبيين فقط، وأن هذا القرار لم يمنح أي طرف شرعية لغزو أو احتلال ليبيا، وأن نص هذا القرار واضح في هذه النقطة. كان واضحاً أنني مملوء بالغضب، ومن ثم توجهت إلى الممثلين العرب في الاجتماع؛ فقال لي حمد بن جاسم: الموضوع خلص يا أخ عمرو.
- القصف الحرام
لم يمضِ كثير من الوقت حتى تأكدت شكوكي بشأن أن مسألة المدنيين كانت حصان طروادة للإطاحة بالقذافي؛ ففي نفس يوم اجتماع باريس (19 مارس 2011) وقبل أن أصل إلى القاهرة عائداً من العاصمة الفرنسية، وربما قبل ذلك بدأت طائرات حربية فرنسية قصف مواقع ليبية أرضية دفاعية. بعد متابعة هذه الأخبار عن العمل العسكري الذي يجري على الأراضي الليبية تأكدت مرة أخرى أننا تعرضنا لخديعة، وأن ما يتم بالفعل من أعمال حربية قد تجاوز قرار مجلس الأمن 1973، الذي يقضي فقط بفرض منطقة حظر جوي على الأراضي الليبية للحيلولة دون قيام القذافي بضرب المدنيين المعارضين له.
- باتفاق خاص مع «دار الشروق»
- جميع الحقوق محفوظة



مصر تشيد بـ«التعاون المتطور» مع قطر خلال السنوات الأخيرة

نائب رئيس الوزراء المصري خالد عبد الغفار يلتقي الشيخ جاسم بن عبد الرحمن بن محمد آل ثاني سفير دولة قطر في القاهرة على هامش احتفالات اليوم الوطني (مجلس الوزراء المصري)
نائب رئيس الوزراء المصري خالد عبد الغفار يلتقي الشيخ جاسم بن عبد الرحمن بن محمد آل ثاني سفير دولة قطر في القاهرة على هامش احتفالات اليوم الوطني (مجلس الوزراء المصري)
TT

مصر تشيد بـ«التعاون المتطور» مع قطر خلال السنوات الأخيرة

نائب رئيس الوزراء المصري خالد عبد الغفار يلتقي الشيخ جاسم بن عبد الرحمن بن محمد آل ثاني سفير دولة قطر في القاهرة على هامش احتفالات اليوم الوطني (مجلس الوزراء المصري)
نائب رئيس الوزراء المصري خالد عبد الغفار يلتقي الشيخ جاسم بن عبد الرحمن بن محمد آل ثاني سفير دولة قطر في القاهرة على هامش احتفالات اليوم الوطني (مجلس الوزراء المصري)

أشاد نائب رئيس الوزراء وزير الصحة المصري، خالد عبد الغفار، بـ«التعاون المتطور» بين بلاده وقطر خلال السنوات الأخيرة، حيث شهدت العلاقات بين البلدين تطورات لافتة على المستويين السياسي والاقتصادي.

وخلال مشاركته في احتفالية «العيد الوطني» لدولة قطر، التي نظمتها السفارة القطرية في القاهرة، مساء الثلاثاء، قال عبد الغفار - نيابة عن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي - إن المناسبة «تعكس عمق الروابط الأخوية والعلاقات التاريخية بين مصر وقطر»؛ مشيداً «بالتعاون المتطور في السنوات الأخيرة، خصوصاً في قطاع الصحة، إلى جانب التنمية والاستثمار والتعليم والعمل الإنساني، بما يخدم مصالح الشعبين».

وأكد نائب رئيس الوزراء المصري «أهمية استمرار التنسيق والتعاون المشترك لدعم الاستقرار والتنمية في المنطقة، انعكاساً لعمق العلاقات الأخوية بين البلدين».

نائب رئيس الوزراء المصري خالد عبد الغفار أثناء مشاركته في احتفالات العيد الوطني لدولة قطر (مجلس الوزراء المصري)

وتشهد العلاقات المصرية - القطرية تطوراً نوعياً الفترة الحالية، بعد زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للدوحة في أبريل (نيسان) الماضي، وأعلنت قطر وقتها «دعم الشراكة الاقتصادية مع مصر»، من خلال الإعلان عن حزمة من الاستثمارات المباشرة بقيمة 7.5 مليار دولار.

وقبل أيام افتتح وزير الاستثمار والتجارة الخارجية المصري، حسن الخطيب، فعاليات منتدى «الأعمال المصري - القطري»، بحضور وزير الدولة القطري لشؤون التجارة الخارجية، أحمد بن محمد السيد، وبمشاركة واسعة من ممثلي مجتمع الأعمال في البلدين.

وأعلنت الحكومة المصرية خلال المنتدى عن «تسهيلات استثمارية» جديدة لرجال الأعمال القطريين، وقرّر وزير الاستثمار المصري تشكيل لجنة متخصصة لتيسير إجراءات الاستثمار والتجارة بين بلاده وقطر، وفق ما جاء في بيان رسمي عن الحكومة المصرية.

وانعكس التقارب في العلاقات على حجم التعاون الاقتصادي، إذ وقّعت مصر وقطر في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عقد شراكة استثمارية لتنمية منطقة «سملا وعلم الروم»، بالساحل الشمالي الغربي بمحافظة مطروح بشمال غربي مصر، بقيمة تبلغ نحو 29.7 مليار دولار.

ووقتها، قال رئيس الوزراء المصري إن توقيع عقد الشراكة الاستثمارية مع الجانب القطري «يُشكّل تتويجاً للعلاقات الثنائية بين البلدين، ويعكس عمق الروابط التاريخية بينهما».

وقبل أيام وقَّعت مصر مع شركة «المانع» القابضة القطرية عقد مشروع لإنتاج وقود الطائرات المستدام بمنطقة السخنة التابعة للهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، بتكلفة استثمارية تبلغ 200 مليون دولار.

مسؤولون مصريون حرصوا على المشاركة في عيد قطر الوطني (مجلس الوزراء المصري)

وبلغ حجم الاستثمارات القطرية في مصر نحو 3.2 مليار دولار، موزعة على أكثر من 266 شركة، تعمل في قطاعات متنوعة، منها المالي والصناعي والسياحي؛ كما ارتفع التبادل التجاري بين البلدين إلى 143 مليون دولار خلال العشرة أشهر الأولى من العام الحالي، في مقابل 80 مليون دولار عام 2023، بمعدل نمو يقترب إلى 80 في المائة، وفق إحصاءات وزارة الاستثمار المصرية.

وبمناسبة «العيد الوطني»، نقلت وكالة الأنباء القطرية تصريحات، الثلاثاء، للسفير المصري في الدوحة وليد فهمي الفقي قال فيها إن العلاقات بين مصر وقطر «أخوية وراسخة، وتمتد جذورها عبر عقود من التعاون المشترك، وتشهد اليوم مرحلة جديدة من الزخم والنماء بفضل الإرادة السياسية، والرؤية المتوافقة لقيادتي البلدين».

وأشار إلى «التطور الملحوظ في العلاقات بين القاهرة والدوحة خلال السنوات الأخيرة، من خلال تبادل الزيارات رفيعة المستوى، وتعزيز التعاون في مجالات السياسة والاقتصاد والاستثمار والطاقة والبنية التحتية والثقافة».

وأضاف: «التعاون المصري القطري في الملف الفلسطيني يُمثّل نموذجاً بارزاً للتنسيق البنَّاء بين البلدين، من خلال الجهود المشتركة لوقف العدوان على قطاع غزة، وتقديم الدعم للشعب الفلسطيني»، عادّاً أن قطر «أصبحت نموذجاً للدبلوماسية الهادئة والفاعلة القائمة على الحوار والاحترام المتبادل، ودولة مؤثرة تمتلك رؤية إنسانية ومسؤولية إقليمية ودولية متقدمة».

وتقود مصر وقطر، بالتعاون مع الولايات المتحدة، جهود الوساطة التي أدت إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتعمل الدول الثلاث مع تركيا لتثبيت وقف إطلاق النار، وتنفيذ باقي خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لوقف الحرب في القطاع.


وزير يمني ينفي توقف تصاريح السفن إلى ميناء عدن

سفينة شحن أميركية راسية في ميناء عدن (أرشيفية - رويترز)
سفينة شحن أميركية راسية في ميناء عدن (أرشيفية - رويترز)
TT

وزير يمني ينفي توقف تصاريح السفن إلى ميناء عدن

سفينة شحن أميركية راسية في ميناء عدن (أرشيفية - رويترز)
سفينة شحن أميركية راسية في ميناء عدن (أرشيفية - رويترز)

نفى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني، معمر الإرياني، صحة الأنباء التي تداولتها بعض المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي بشأن وقف منح تصاريح دخول السفن إلى ميناء العاصمة المؤقتة عدن، مؤكداً أن هذه المزاعم لا أساس لها من الصحة، وأنها تندرج في إطار الإشاعات التي تستهدف إرباك المشهد الاقتصادي والملاحي في البلاد.

وأوضح الإرياني، في تصريح رسمي، أنه وانطلاقاً من المسؤولية الوطنية وحرصاً على طمأنة الرأي العام والقطاعَين التجاري والملاحي، جرى التواصل المباشر مع الجانب السعودي للتحقق مما أُثير، حيث تم تأكيد عدم صحة هذه الادعاءات بشكل قاطع، وأن الإجراءات المعمول بها تسير بصورة طبيعية ودون أي تغيير.

وأضاف أن عدداً من تصاريح دخول السفن إلى ميناء عدن تم إصدارها خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية، بما يدحض كل ما تم تداوله من معلومات مغلوطة.

وشدد الوزير اليمني على أن ميناء عدن يواصل أداء مهامه وفق الأطر القانونية والتنظيمية المعتمدة، وأن حركة الملاحة والتجارة مستمرة بوتيرة طبيعية.

ودعا الإرياني وسائل الإعلام ورواد المنصات الرقمية إلى تحري الدقة واستقاء المعلومات من مصادرها الرسمية، وتجنّب الانجرار خلف الشائعات التي لا تخدم استقرار البلاد ولا تصب في مصلحة المواطنين أو الاقتصاد الوطني.

وفي هذا السياق، ثمّن الوزير عالياً المواقف السعودية، ودورها الداعم لليمن في مختلف الظروف، وحرصها المستمر على تسهيل حركة التجارة والإمدادات، بما يُسهم في تخفيف المعاناة الإنسانية وتعزيز الاستقرار في المناطق المحررة.

تنسيق حكومي - أممي

بالتوازي مع ذلك، بحث وزير النقل اليمني، الدكتور عبد السلام حُميد، في العاصمة المؤقتة عدن، مع مصطفى البنا المنسق الإقليمي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أوجه الدعم الذي يقدمه المكتب إلى القطاعات والمؤسسات والهيئات التابعة للوزارة، خصوصاً في مجالات التدريب والتأهيل وبناء القدرات وتوفير الوسائل والمعدات الفنية.

وأشاد وزير النقل اليمني بالدعم الذي قدمه البرنامج الأممي، بما في ذلك توفير وسائل الاتصالات والتجهيزات للمركز الإقليمي لتبادل المعلومات البحرية، ووسائل مراقبة التلوث للهيئة العامة للشؤون البحرية، بالإضافة إلى برامج بناء القدرات لمؤسسات المواني والهيئة عبر برنامج مكافحة الجريمة البحرية العالمية في خليج عدن والبحر الأحمر.

ميناء عدن تعرض لأضرار كبيرة جراء الحرب التي أشعلها الحوثيون (الأمم المتحدة)

وقدم الوزير حُميد عرضاً مفصلاً عن احتياجات المواني والمطارات اليمنية، وفي مقدمتها ميناء ومطار عدن، إلى أجهزة كشف المتفجرات، بهدف تنسيق الدعم مع البرنامج الأممي والدول والصناديق المانحة.

وأكد أن توفير أجهزة حديثة ومتطورة لتفتيش الشحنات والمسافرين يُعد أولوية قصوى في ظل التحديات الأمنية الراهنة، لما لذلك من أثر مباشر في تعزيز أمن الملاحة البحرية وسلامة حركة الطيران المدني.

وتحدّث وزير النقل اليمني عن حرص وزارته على تسهيل عمل مكتب الأمم المتحدة وتذليل الصعوبات التي قد تعترض تنفيذ أنشطته، بما ينعكس إيجاباً على كفاءة أداء المواني والمطارات، ويعزز ثقة المجتمع الدولي بقدرة المؤسسات اليمنية على إدارة المنافذ الحيوية وفق المعايير المعتمدة.

ونسب الإعلام الرسمي اليمني إلى المسؤول الأممي أنه أشاد بمستوى التعاون والتنسيق القائم مع وزارة النقل والمؤسسات التابعة لها، مثمناً الجهود المبذولة لإنجاح برامج الدعم الفني والأمني.

وأكد المسؤول أن المكتب الأممي سيواصل تقديم الدعم اللازم إلى المؤسسات البحرية وسلطات إنفاذ القانون في اليمن، إلى جانب التنسيق مع الجهات المانحة لتوفير وسائل الكشف عن المتفجرات والأسلحة، بما يُسهم في تعزيز أمن النقل البحري والجوي ودعم الاستقرار الاقتصادي.


الحوثيون يجندون مئات السجناء في عمران وصعدة مقابل إطلاقهم

سجناء أفرج عنهم الحوثيون في عمران مقابل الالتحاق بصفوفهم (إعلام حوثي)
سجناء أفرج عنهم الحوثيون في عمران مقابل الالتحاق بصفوفهم (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يجندون مئات السجناء في عمران وصعدة مقابل إطلاقهم

سجناء أفرج عنهم الحوثيون في عمران مقابل الالتحاق بصفوفهم (إعلام حوثي)
سجناء أفرج عنهم الحوثيون في عمران مقابل الالتحاق بصفوفهم (إعلام حوثي)

كشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» عن مواصلة الجماعة الحوثية توسيع عمليات التجنيد القسري داخل السجون الخاضعة لسيطرتها، عبر إجبار مئات المحتجزين على الالتحاق بصفوفها والمشاركة في القتال مقابل الإفراج عنهم.

وبحسب المصادر، فقد أُجبر نحو 370 سجيناً على ذمة قضايا مختلفة في محافظتي عمران وصعدة، معقل الجماعة الرئيسي، على الخضوع لدورات تعبوية وعسكرية تمهيداً لإرسالهم إلى الجبهات.

وأفادت المصادر بأن الجماعة أطلقت في الأيام الماضية حملة تجنيد جديدة استهدفت مئات المحتجزين، بينهم سجناء على ذمة قضايا جنائية، في سجون عمران وصعدة. وشملت الحملة وعوداً بالعفو، وتسوية الملفات القضائية، مقابل الموافقة على الانخراط في القتال، في خطوة وُصفت بأنها جزء من سياسة ممنهجة لاستغلال أوضاع السجناء وظروفهم القاسية.

وفي محافظة عمران، تحدثت المصادر عن زيارات ميدانية نفذها قادة حوثيون، يتصدرهم القيادي نائف أبو خرفشة، المعين مشرفاً على أمن المحافظة، وهادي عيضة المعين في منصب رئيس نيابة الاستئناف، إلى السجون في مركز المحافظة ومديريات أخرى. ووفقاً للمصادر، جرى الإفراج عن 288 سجيناً بعد إجبارهم على القبول بالالتحاق بالجبهات القتالية.

قادة حوثيون يزورون أحد السجون الخاضعة لهم في صعدة (إعلام حوثي)

وأكد حقوقيون في عمران لـ«الشرق الأوسط» أن عناصر حوثية مارست ضغوطاً وانتهاكات واسعة بحق المحتجزين، شملت التهديد بالعقوبات، وسوء المعاملة، والحرمان من الزيارة، لإجبارهم على القبول بالذهاب إلى الجبهات، مقابل الإفراج عنهم، وتقديم مساعدات محدودة لذويهم. وعدّ الحقوقيون هذه الممارسات شكلاً صارخاً من أشكال التجنيد القسري المحظور بموجب القوانين الدولية.

ويروي أحد السجناء المفرج عنهم حديثاً في عمران، طلب إخفاء اسمه لدواعٍ أمنية، أن قيادات في الجماعة نفذت زيارات متكررة للسجن الاحتياطي وسط المدينة، وعرضت على المحتجزين أكثر من مرة الإفراج مقابل الالتحاق بدورات قتالية. وقال: «من يرفض يتعرض لعقوبات داخل السجن أو يُحرم من الزيارة». وأضاف أن التهديد المستمر، وسوء المعاملة دفعاه في النهاية إلى القبول بالانضمام للجماعة.

تجنيد في صعدة

فيما تندرج هذه التحركات ضمن مساعي الحوثيين لزيادة أعداد مقاتليهم، أفادت مصادر محلية بأن الجماعة أفرجت في محافظة صعدة عن 80 سجيناً من الإصلاحية المركزية والسجن الاحتياطي، بعد إجبارهم على الموافقة على الالتحاق بصفوفها والخضوع لدورات تعبوية.

وسبق ذلك قيام القيادي المنتحل صفة النائب العام محمد الديلمي، إلى جانب رئيسي محكمة ونيابة الاستئناف في صعدة سليمان الشميري وإبراهيم جاحز، بزيارات إلى السجون، أصدروا خلالها تعليمات بالإفراج عن المحتجزين مقابل انخراطهم في القتال.

قيادات حوثية تفرج عن سجناء مقابل الالتحاق بجبهات القتال (فيسبوك)

وتقول أم أحد المعتقلين في السجن المركزي بصعدة لـ«الشرق الأوسط» إن عناصر حوثية زارت منزلهم وأبلغتهم بأن الإفراج عن ابنها مرهون بموافقة الأسرة على ذهابه للجبهات. وتضيف: «نحن بين نارين، إما أن يموت داخل السجن نتيجة التعذيب والانتهاكات، وإما يُزج به في جبهات القتال».

وتأتي هذه الخطوات في ظل سعي الجماعة إلى تعزيز حضورها العسكري في الجبهات التي تشهد ضغوطاً متواصلة، إلى جانب مشاركتها فيما تسميه «معركة تحرير فلسطين».

تصاعد الشكاوى

ولا تقتصر المساومات الحوثية على سجناء عمران وصعدة، إذ امتدت خلال الفترة الأخيرة إلى محتجزين في محافظات عدة تحت سيطرتها، من بينها صنعاء وريفها وإب وذمار والحديدة وحجة. وكان آخر هذه الحالات الإفراج عن نحو 219 محتجزاً في سجون بمحافظة تعز، تنفيذاً لتوجيهات أصدرها زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي.

جماعة الحوثي جندت مجاميع كبيرة من السجناء خلال الفترات الماضية (فيسبوك)

ويتزامن ذلك مع تصاعد شكاوى عائلات المحتجزين من تكثيف أعمال التطييف والتعبئة القسرية داخل السجون، حيث يحذر حقوقيون يمنيون من أن الإفراج المشروط بالتجنيد يمثل انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان، ويحوّل السجناء إلى وقود بشري.

ويشدد الحقوقيون على ضرورة حماية حقوق المعتقلين، ووقف استغلالهم في العمليات القتالية، والدفع نحو حلول سلمية شاملة تضع حداً للنزيف الإنساني المتواصل.