أعلن ممثلو شركة التأمين الإسرائيلية «شيربيت»، أن عملية الابتزاز التي يتعرضون لها منذ يوم الخميس الماضي، ليست إجراماً جنائياً، فحسب، بل إنها «عملية إرهاب اقتصادي دولية». وأكدوا، خلال جلسة للمحكمة، أمس الأحد، أنهم لن يرضخوا للابتزاز وسيتخذون الإجراءات اللازمة لإجهاضه. لكن هذا الموقف لا يقنع عشرات الوف الزبائن، الذين بدأ «الهاكرز» ينشرون بياناتهم. وكانت مجموعة الهاكرز المعروفة باسم «بلاك شادو” Black Shadow))، قد أعلنت لشركة التأمين الإسرائيلية، ليلة الأربعاء الخميس الفائتة، أنهم تمكنوا من السيطرة على تفاصيل حسابات عشرات الألوف من زبائنها، وإذا لم يتم تحويل مبلغ 50 بيتكوين (950 ألف دولار) إلى حسابهم في غضون 24 ساعة، فسوف يقومون بنشر أو بيع البيانات. وهدد الهاكرز بأن المبلغ المطلوب سيتضاعف إلى 100 بيتكوين بعد 24 ساعة و200 بتكوين بعد 24 ساعة أخرى. هدد الهاكرز ببيع البيانات لطرف ثالث بعد 72 ساعة. ومع الكشف عن هذا الابتزاز، اعترفت الشركة بالأمر، في بيان لها، وأغلقت موقعها في الإنترنيت، وقالت إن «فريقاً من الخبراء وآخرين يدرسون تداعيات إعلان الهاكرز. في الوقت نفسه، تستعد الشركة لاستئناف أنشطتها بطريقة آمنة ومضمونة». ورفضت الشركة الحديث صراحة إن كانت تدير مفاوضات مع الهاكرز. ولكن، من بيانات الهاكرز المتلاحقة، تبين أنها لا تفاوض بعد، إذ إنهم يضاعفون المبالغ المطلوبة. لكن هذه الحالة لا تبعث الراحة في نفوس الزبائن، فقد بدأ الهاكرز ينشرون فعلاً بيانات مثل بطاقات هوية وصور بوليصات تأمين وتفاصيل بعض الحسابات البنكية. ومن بين ما نشرته، أمس، كان تفاصيل عن محتويات بيوت مؤمنة في الشركة، مثل الحلي والمجوهرات والأموال النقدية. وقالت القاضية درورا فلفل، وهي واحدة ممن نشروا بطاقة هويتها، إن «من نشرت تفاصيل عن أموال وحلي يمتلكها، يجب ألا ينام الليل». وقد أعلنت Black Shadow مسؤوليتها عن الهجوم، وتباهت بنجاحها فيه، قائلة، إنها التقطت صوراً لبعض المعلومات التي تمت سرقتها، لتوضح كم كان الهجوم سافراً وخطيراً. واستطردت المجموعة تقول: «في هذا العمل، بالإضافة إلى الأضرار الجسيمة التي لحقت بمراكز البيانات، تم تسريب معلومات عن جزء كبير من مشتركي الشركة، مثل وثائق هويات المشتركين، وبياناتهم المالية ومستندات أخرى متعلقة بالشركة، متاحة للتنزيل. وأكدت أن اختراق بطاقات الهوية كان جارفاً، وشمل جميع العملاء وغالبيتهم موظفو دولة». على سبيل المثال، تظهر إحدى الوثائق التي نشرتها المجموعة التفاصيل الشخصية، بما في ذلك عنوان المنزل وأرقام الهواتف، لرئيس المحكمة المركزية في تل أبيب، القاضي غلعاد نويتال. رفع عدد من الزبائن دعوى قضائية ضد شركة «شيربيت»، لأنها لم تقم نظاماً كافياً لحماية زبائنها. وردت الشركة بأن هذا الهجوم الإلكتروني، إرهابي، من مجموعة هجمات تتعرض لها إسرائيل ودول أخرى. ويجب أن ينظر إليه على هذا النحو.
2025... عام ملء الفراغات؟https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85/5098475-2025-%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%85%D9%84%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D8%A7%D8%BA%D8%A7%D8%AA%D8%9F
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.
يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟
بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.
دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.
بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».
حال العالم
في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.
في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.
وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.
يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟
إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.
شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.
التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ
مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.
تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.
في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟