أطفال ليبيا ينتظرون «قطار السلام» لعلاج تداعيات الحرب

«يونيسيف» قالت إن أكثر من 348 ألفاً منهم يحتاجون إلى مساعدة عاجلة

TT

أطفال ليبيا ينتظرون «قطار السلام» لعلاج تداعيات الحرب

رغم توقف الحرب الليبية منذ نحو 6 أشهر، فإن تداعياتها لا تزال تخيم على آلاف الأطفال بمدن غرب البلاد، بالإضافة إلى شريحة كبيرة منهم تعيش في مناطق أخرى أكثر فقراً بالجنوب الليبي. لكنهم أمام تزايد أزماتهم، باتوا ينتظرون «قطار السلام» وعودة الاستقرار للبلاد، من خلال توافق الساسة على خريطة طريق تمنع اندلاع الحرب مرة ثانية، وتعيد إليهم حقوقهم في التعليم والصحة، وفقاً لكثر من المهتمين بهذه الشريحة.
وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، في بيان لها مساء أول من أمس، إن 348 ألف طفل في ليبيا يحتاجون إلى مساعدة إنسانية عاجلة بسبب تداعيات النزاع المسلح، والأزمات السياسية والاقتصادية، وجائحة «كوفيد-19»، لافتة إلى أنهم يتعرضون بشدة للعنف والاستغلال والاتجار والعنف القائم على النوع الاجتماعي والتجنيد من قبل الجماعات المسلحة والاحتجاز غير القانوني.
ويرى سامي الجوادي، رئيس «جمعية نور الحياة» الخيرية، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، أن أوضاع الأطفال في ليبيا «باتت أكثر سوءاً بعد انتهاء الحرب». وقد عزا ذلك لأسباب عدة، منها «غياب الأمن والاستقرار، وانتشار الفقر بسبب الظروف الاقتصادية، بجانب عدم توفر السيولة بالمصارف الليبية».
وتحدث الجوادي عما وصفه بـ«الانهيار الكبير في مستوي الخدمات الصحية والتعليمة، خصوصاً للأطفال»، وقال: «لا توجد أدوية كافية بالمستشفيات، إلى جانب نقص التطعيمات وتأخرها عن موعدها، مما قد يؤثر على صحة وسلامة الأطفال»، لافتاً إلى «انتشار ثقافة السلاح والنهب والسلب والقتل، مما ألقى بظلاله بشكل كبير على الأطفال من الناحية النفسية والسلوكية... أكثر ألعاب الأطفال أصبحت محاكاة لمشاهد العنف، وتجسيداً لشخصيات أمراء الحرب».
وأحصت «يونيسيف»، في أغسطس (آب) 2020، أكثر من 392 ألف نازح، ونحو 494 ألف عائد، قالت إنهم في حاجة إلى المساعدة الإنسانية، بما في ذلك مياه الشرب، ومرافق الصرف الصحي، والوصول إلى خدمات الرعاية الصحية والتعليم والحماية.
وتزامناً مع الاحتفالات باليوم العالمي للطفل الذي يوافق العشرين من شهر ديسمبر (كانون الأول) كل عام، طالبت «اللجنة الليبية لحقوق الإنسان»، في بيان لها، بـ«الالتفات إلى ملف الصحة النفسية، وأثر الحرب والنزاعات المسلحة والنزوح على الأطفال»، مشددة على ضرورة توفير مراكز تأهيل وبرامج تعالج أزمات الصراع.
وطالبت اللجنة كذلك وزارة الشؤون الاجتماعية بالاهتمام بالأطفال، بغض النظر عن وضعهم القانوني، مشيرة إلى أهمية أن يبحث جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة عن حل لاحتجاز الأطفال المهاجرين، خصوصاً غير المصحوبين بذويهم، والعمل على إيجاد بدائل عاجلة، مثل نقلهم إلى دور الرعاية الاجتماعية للأطفال، والتعاون مع المنظمات المحلية والدولية العاملة من أجل جمعهم بذويهم.
ودعت اللجنة المنظمات الدولية والأممية والإقليمية والوطنية لتسليط الضوء على «ظاهرة عمالة الأطفال، واستغلالهم والاتجار بهم، والعمل على تبني الاستراتيجيات التي تعمل على القضاء عليها»، واصفة عامي 2018 و2019 بأنهما الأسوأ في حياة الطفل الليبي، حيث استمرت فيهما الانتهاكات الخطيرة، من قتل وخطف على يد عصابات الجريمة، إلى جانب انتشارهم إما في مناطق الصراع وإما نازحين في العراء. وسبق لـ«الجماعات الإرهابية» في مدن ليبية عدة شهدت نزاعات ومعارك، بينها درنة، استخدام الأطفال في المعارك المسلحة، والدفع بهم في مقدمة الصفوف. وقد أظهرت مقاطع فيديو بثتها وسائل إعلام محلية بعض الأطفال القُصّر وهم يحملون الأسلحة بعد انخراطهم في صفوفها بعيداً عن أسرهم.
ولفت الجوادي، المعني بملف الطفولة في ليبيا، إلى أن «الحروب الأهلية دائماً ما تتسبب في استقطاب حاد»، وقال إن «النزعات الجهوية والإقليمية والقبلية والمناطقية والعرقية أثرت على ثقافة الطفل الليبي وسلوكه ونظرته للحياة».
وأشار إلى أن الوضع قد ازداد سوءاً مع انتشار جائحة «كورونا»، وتعطل المدارس والحضانات، في ظل عدم توفر نظام للتعليم عن بُعد، مما تسبب في تراجع الصحة النفسية للأطفال، قبل أن يصف وضع المهاجرين منهم بـ«الكارثي».
وانتهى الجوادي معرباً عن أمله في أن يتحقق الأمن، ويعود السلام والاستقرار السياسي إلى ليبيا سريعاً، كي ينعم الأطفال في البلاد بالرعاية الصحية الكاملة «مع دستور يحترم حقوقه، ويجرم الاعتداء عليها».
وأثرت الأزمات الاقتصادية التي مرت بالبلاد على شريحة كبيرة من الأطفال الذين يقيمون لدى الجمعيات الخيرية. وكانت غالية الشلماني، مديرة «مؤسسة ليبيا الخيرية لكفالة اليتيم» في بنغازي، قد قالت لـ«الشرق الأوسط» إن مؤسستها قائمة بشكل كبير على التبرعات، بالشكل الذي يتيح كفالة أكثر من 600 طفل من اليتامى تحت سن 14 عاماً، مشيرة إلى أن «الأوضاع الناجمة عن الحرب وتبعاتها، بالإضافة إلى جائحة (كورونا)، تسببت في انخفاض التبرعات التي كانت تتلقاها المؤسسة بنسبة 10 في المائة».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.