عندما يتعلق الأمر بالموضة والعائلة المالكة هذه الأيام، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هما دوقتا كامبريدج وساسيكس. قلما يكون الأمير تشارلز أول ما يخطر على البال سوى فيما يتعلق بالبدلات المفصلة في «سافيل رو» أو عندما يتطرق الحديث إلى الموضة المستدامة وتأثيراتها على البيئة. فهو من أشد المؤيدين لكل ما هو مستدام وعضوي. يوم الخميس الماضي حضر إطلاق موقع التسوق الشهير «يوكس نيت أبورتيه» تشكيلة تعتمد على هذا المفهوم لتسويقها كما تعتمد على دعم الأمير تشارلز لها، كونها تعاونا بين الموقع ومؤسسة الأمير الخيرية بأسكوتلندا. كل ما في هذه التشكيلة يضج بالأناقة والترف، وكل جزئية فيها مصنوعة باليد ومن خامات عضوية طبيعية، من الكشمير والصوف الأسكوتلندي إلى الحرير الإيطالي. ويبدو أن تعاون الأمير تشارلز مع موقع التسوق الشهير «يوكس نيت أبورتيه» كان نتيجة طبيعية بعد لقائه مع الرئيس التنفيذي للموقع، فريديريكو ماركيتي، الذي يعتبر من أشد المعجبين بأفكار الأمير البريطاني الداعمة للاستدامة إلى جانب حرصه على تقاليد الماضي وكل ما يتعلق بالحرفية. فقد اعترف في عدة مناسبات بأنه لا يحب التخلص من أي شيء يمكن إصلاحه وإعادة استعماله، وبأنه من أشد المؤيدين لشراء قطعة جيدة يمكن أن تدوم طويلا. كل هذا يجعله رائدا وسباقا في مجال البيئة قبل أن يصبح الحديث عنها موضة.
دعم الأمير تشارلز لكل ما هو مستدام واحترام التقاليد في الوقت ذاته، شجعه في عام 1986 على إطلاق مؤسسته «ذي برينسيس فاوندايشن» التي تعنى بالأمور الإنسانية والمجتمعية كما بالتقاليد الحرفية الأسكوتلندية، بدءا من الصوف والتارتان إلى فن العمارة والتصميم والزراعة وغيرها. هذه المؤسسة هي التي كانت الجسر الذي وصل منه فريديريكو ماركيتي الرئيس التنفيذي لـ«يوكس نيت أبورتيه» إلى الأمير في العام الماضي. حينها تم الإعلان عن أول تعاون بينهما، على أن يكون احتفاء بالتراث الغني والأصيل لصناعة الأقمشة في كل من بريطانيا وإيطاليا. أما الهدف فهو ضمان مستقبل هذه الصناعة لدعم أيادٍ شابة لا سيما أن الحرفيين الكبار بدأوا يختفون أو يتقاعدون وهو ما قد يؤدي إلى فراغ ونقص مهارات مهمة في هذا المجال.
تلخص عنوان التعاون بين الطرفين، في كلمة واحدة هي «أرتيزان» Artisan أي الحرفي، وجاء على شكل مبادرة من بطولة ستة طلاب إيطاليين وستة طلاب بريطانيين التقوا مرتين فقط وجها لوجه، واحدة في ميلانو والأخرى في «دامفريز هاوس»، مقر مؤسسة The Prince’s Foundation في مقاطعة أيرشاير الأسكوتلندية. كل التعاونات الأخرى بينهم جرت عن بعد من بواسطة تطبيقي الواتساب وزووم، وكانت النتيجة تشكيلة مدهشة صنعت باليد وبالحب وتتكلم لغة التكنولوجيا الحديثة بأناقة ورقي.
أمل كل من الأمير تشارلز وماركيتي من هذه التجربة أن تتعدى الموضة بمفهومها التجاري، لتكون خطوة أولى نحو تكوين جيل جديد من الحرفيين يحمل المشعل، إضافة إلى بناء علاقة صحية وصحيحة تشجع الموضة على تبني قضايا البيئة والمجتمع. يقول ماركيتي: «أنا متأكد بأننا سنرى مستقبلا عددا أقل من التشكيلات الموسمية، مع الكثير من الابتكار والإبداع وهو ما سيصب في صالح البيئة بلا شك لأنه سيقلل من الإنتاج الفائض والنفايات وغيرها».
ويشرح ماركيتي أن مشروع «الحرفي» قدم الدعم الكامل للمتدربين بمنحهم فرصة تبادل الخبرات والمعلومات حتى يكتسبوا مهارات تقنية متطورة مثل الخياطة الصناعية ورسم النقشات والتحكم بالجودة، وكيفية معالجة بيانات الصور واستخدام تقنية الواقع الافتراضي لتحديد الستايل والقصات، فضلا على تعزيز خبراتهم في تطويع أقمشة الصوف والكشمير والحرير حتى تكون أهلا للمنافسة التي تشتد رحاها بين الماركات العالمية ومواقع التسوق الإلكترونية الكبيرة على حد سواء. وأشار إلى أنهم، لكي يحققوا المطلوب منهم، حصلوا على امتيازات حصرية مثل اطلاعهم على بيانات YOOX NET - A - PORTER المتعلقة بسلوك متسوق الموقع وميوله الشرائية، علما بأن عدد زبائن الموقع يتعدى 4، 3 مليون عميل. ولم يخف ماركيتي سعادته بنتيجة التجربة، إذ تمخضت عن ولادة تشكيلة متوفرة حاليا في موقع التسوق الإلكتروني الشهير، صنعت معظم قطعها الصوفية في معمل Johnstons of Elgin في مدينة هاويك أسكوتلندا، بينما استعمل فيها الحرير العضوي المصنوع بطريقة شفافة ومستدامة من معمل «سانتروسيتا» Centro Seta الإيطالي. نجاح الطلبة الستة في تنفيذها وفي زمن كورونا خول لهم الحصول على شهادة استحقاق وتقدير من «غلاسكو كلايد كوليدج»، وهو ما أشاد به فريديريكو ماركيتي قائلا بأنهم «واجهوا تحديات كبيرة لكنهم في المقابل «تعلموا دروسا مفيدة وضرورية في عالم اليوم الرقمي، مثل كيف تتداخل البيانات والتكنولوجيا بشكل وثيق مع عملية التصميم». ولم ينس الإشارة إلى أن التشكيلة استمدت الكثير من ملامحها أيضا من التقاء الفن والعلوم في أعمال الفنان والعالم الإيطالي ليوناردو دا فينشي، الذي يحتفل العالم بمرور 500 عام على وفاته، وهو ما أضفى عليها لمسات فنية تجمع التفصيل التقليدي بالقصات العصرية البسيطة. فيما تجلى تأثير دا فنشي في الأزياء النسائية في العقد التي رسمها وظهرت في الأقمشة كما في الطيات والثنيات والتطريزات والربطات، فإنه لمس في الجانب الرجالي التفاصيل الهندسية المستلهمة من اهتمامه بالتشريح والهندسة. لكن يبقى مفهوم الاستدامة القاسم المشترك في كل القطع، وهو المفهوم الذي جعل أمير ويلز يتبناها أساسا ويحضر إطلاقها شخصيا يوم الخميس الماضي. أما بالنسبة لرجل مثل فريديريكو ماركيتي فإن دمج الموضة المترفة والمستدامة بالتكنولوجيا الحديثة سيكونان وجهان لعملة واحدة، لا تكتمل واحدة بدون أخرى في زمن يشهد تحديات كبيرة يجب أن تستغل فيها كل الإمكانيات والطاقات المتاحة. بل إن التكنولوجيا من وجهة نظره لا تتعارض مع أي شيء سواء كان فنا أو تقنيات حرفية فديمة، وهو بهذا يوافق رأي الأمير تشارلز بأن بناء المستقبل لا يكتمل بدون أساسات قوية من الماضي. فدمج عراقة الماضي ببريق وغموض المستقبل أكثر ما يشد الزبون هذه الأيام بغض النظر عن العمر والبيئة التي ينتمي إليها.
الحرفية التقليدية تجتمع مع التكنولوجيا الحديثة للدفع بمفهوم الاستدامة
تشكيلة أزياء جديدة على موقع «يوكس نيت أبورتيه» بمباركة الأمير تشارلز ومؤسسته الخيرية
الحرفية التقليدية تجتمع مع التكنولوجيا الحديثة للدفع بمفهوم الاستدامة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة