في حين استمر، أمس، التصويت على استفتاء تعديل الدستور في مناطق البدو الرحل بالجزائر، في انتظار عملية الانتخاب العام غداً، بدا شبه مؤكد أن الرئيس عبد المجيد تبون سيغيب عن هذا الموعد السياسي المهم بالنسبة له شخصياً، بعد أن بدأ الخميس «فحوصات طبية معمقة» بألمانيا، على أثر الاشتباه باحتمال إصابته بفيروس «كورونا».
ويبلغ عدد السكان المتنقلين في الجزائر، وهم في غالبيتهم رعاة ماشية، حوالي نصف مليون، بحسب وزارة الداخلية، ويوجدون في الصحراء الكبرى وبعض مناطق الهضاب العليا. وتحرص الحكومة كثيراً على إشراكهم في كل انتخابات، لإعطائها «بعداً وطنياً عاماً». ويتوجه المسؤولون الحكوميون، عشية أي استحقاق، إلى هذه المناطق لإطلاق وعود بتحسين معيشة البدو الرحل الذين يشكون من أن ظروفهم الاقتصادية لم تتغير منذ فترة الاستعمار الفرنسي (1830- 1962).
وتضم اللائحة الانتخابية 23 مليون ناخب (عدد سكان البلاد 44 مليوناً)، تترقب الحكومة إقبالهم على 52 ألف مكتب تصويت. وتشير توقعات إلى احتمال مقاطعة الاستفتاء بمنطقة القبائل شرق العاصمة الجزائرية؛ حيث ينشط معارضون للسلطة ومشروعاتها. وكانت نسبة التصويت في هذه المنطقة الناطقة بالأمازيغية قريبة من الصفر، في الاستحقاق الرئاسي الذي جرى نهاية العام الماضي.
وانتهت حملة الدعاية للدستور وسط غياب لافت للمعارضة التي انقسمت بين داعين إلى التصويت بـ«لا» في الاستفتاء، ومقاطعين له. فقد منعتهم الحكومة من الترويج للموقفين، بعكس القانون الذي يتيح ذلك، في مقابل حضور مكثف في الحملة للأحزاب التي تدعم المشروع، وكانت كلها مؤيدة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وساندته بقوة عندما ترشح لولاية خامسة العام الماضي.
وتعالت أصوات داخل الحراك، مطالبة بإلغاء الاستشارة الشعبية خوفاً من انفجار الوضع الصحي الذي شهد ارتفاعاً في عدد الإصابات بـ«كورونا» (فاق 300 حالة).
وكان هاجس الحكومة خلال التحضير للاستفتاء، إقناع الملايين بوضع ورقة في الصندوق، سواء بـ«نعم» أو «لا»، فالمهم بالنسبة لها أن تكون نسبة التصويت مرتفعة. أما ما يؤرقها منذ قرابة أسبوع، فهو غياب صاحب مشروع التعديل الدستوري الرئيس عبد المجيد تبون عن الاستفتاء، بسبب المرض. فهو موجود بمصحة في مدينة كولونيا بألمانيا منذ مساء الأربعاء، بعد أن قضى يومين في مصحة متخصصة بالمستشفى العسكري بالعاصمة؛ حيث تم الاشتباه بإصابته بفيروس «كورونا».
وذكرت الرئاسة في بيان، مساء الخميس، أن «فحوصات طبية معمقة» أجريت لتبون في أحد أكبر المستشفيات الألمانية المتخصصة. ونقلت عن «الفريق الطبي» الذي يتابع علاج رئيس الجمهورية «تفاؤله بنتائج الفحوصات»، وأن «حالته الصحية مستقرة ولا تدعو للقلق». وذكر البيان أن الرئيس «تلقى العلاج اللازم»، من دون ذكر طبيعة المرض.
وكانت الرئاسة قد كشفت الأحد الماضي أن الرئيس دخل في حجر صحي طوعي لمدة 5 أيام، بعد أن ثبت إصابة كوادر بالرئاسة والحكومة بوباء «كورونا». ثم تطور الوضع بعد يومين، فأعلنت الرئاسة نقله إلى المستشفى العسكري في العاصمة.
ويبدي الشارع الجزائري شكوكاً كبيرة حول التطمينات التي تصدر عن الرئاسة بخصوص صحة تبون. ويشير المشككون إلى البيانات «الكاذبة» للرئاسة وتصريحات المسؤولين، عندما كان الرئيس السابق بوتفليقة مغيباً بسبب المرض لمدة لم تقل عن 7 سنوات. ويخشى كثيرون، وخصوصاً الذين أيدوا الرئيس في الانتخابات الرئاسية، أن يتكرر «السيناريو البوتفليقي» معه، وسيزداد القلق لديهم لا محالة، إذا طال علاجه في الخارج.
ولا يشترط أي من النصوص والتشريعات، تصويت الرئيس في الاستفتاء لتأكيد سلامته من الناحية القانونية؛ لكن إمضاءه على القانون الذي سيصدر الدستور الجديد بموجبه، لازم قانونياً.
ويتم حالياً تداول فرضية الاحتكام إلى المادة الدستورية التي تتحدث عن عزل الرئيس في حال ثبوت مانع صحي نتيجة مرض خطير ومزمن. غير أن مراجعة الدستور لم تتدارك ثغرة في «دستور بوتفليقة»، تتمثل في غياب الجهة التي تدعو «المجلس الدستوري» (الذي تحول إلى محكمة دستورية في الوثيقة المعدلة) إلى الاجتماع، للتثبت من المانع المفترض. وشكل هذا الفراغ أحد الأسباب التي مكنت بوتفليقة من البقاء في الحكم بينما كان في حالة عجز كامل، وتولى شقيقه السعيد تسيير شؤون الدولة بدلاً عنه، ولكن بشكل غير رسمي.
الجزائر تصوت غداً على دستورها الجديد
رئيس الجمهورية غائب بسبب المرض... والمعارضة منقسمة
الجزائر تصوت غداً على دستورها الجديد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة