أنقرة تتهم واشنطن بـ{توريطها} بعد تحذير من عمليات إرهابية

تركيا تصعّد حملتها على السياسيين الأوروبيين

وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو (الأناضول)
وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو (الأناضول)
TT

أنقرة تتهم واشنطن بـ{توريطها} بعد تحذير من عمليات إرهابية

وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو (الأناضول)
وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو (الأناضول)

اتهم وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو سياسيين أوروبيين بأنهم «متعجرفون ذوو عقلية فاشية»، مستنكراً تصاعد ظاهرة معاداة الإسلام والأجانب في أوروبا، بينما عبرت أنقرة عن غضبها من التحذير الأمني الذي أصدرته السفارة الأميركية لرعاياها في تركيا بتوخي الحذر بشأن هجمات إرهابية وأعمال خطف دون إطلاع السلطات التركية على ما لديها من معلومات في هذا الصدد، معتبرة أنه «توريط» لها.
وقال أوغلو في تغريدة على «تويتر» أمس (الأحد): «عندما قلنا الحقيقة في وجوههم، تعالت أصوات العنصريين البائسين في أوروبا مجددا، إنهم يسعون لتحقيق مكاسب عبر معاداة الإسلام والأجانب... حان الوقت كي نقول كفى لسياسيي أوروبا المتعجرفين ذوي العقلية الفاشية».
من جانبه، اعتبر المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم عمر تشيليك، أن تهجم الفاشيين في أوروبا على الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يعد «مدعاة للفخر، لأنهم يعادون كل من يناضل من أجل الإنسانية»، وذلك تعليقا على نشر «خيرت فيلدرز» زعيم حزب الحرية الهولندي اليميني المتطرف، رسما كاريكاتوريا يستهدف الرئيس التركي.
وكانت حدة التوتر تصاعدت بين تركيا وفرنسا على خلفية هجوم حاد شنه إردوغان على نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ووصفه بـ«المريض العقلي». واستدعت فرنسا سفيرها لدى أنقرة للتشاور بشأن ما صدر من تصريحات وصفتها بـ«غير مقبولة» عن إردوغان بحق ماكرون و«غياب رسائل التعزية والمساندة من الرئيس التركي عقب اغتيال صامويل باتي»، المدرس الذي قتل بقطع الرأس قبل أسبوع بسبب نشره رسوما كاريكاتورية تحمل تطاولا على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ووجهت فرنسا، ليل السبت – الأحد استدعاء لسفيرها لدى أنقرة هيرفيه ماغرو، للتشاور، مستنكرة تصريحات إردوغان التي شكك فيها في «الصحة العقلية» لنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بسبب تصريحاته ضد الإسلام.
وفي وقت سابق، السبت، قال إردوغان، إن ماكرون بحاجة لاختبار قدراته العقلية، عقب تصريحاته العنصرية الأخيرة المعادية للإسلام. وقال، في مؤتمر لحزب العدالة والتنمية الحاكم في قيصري وسط تركيا،: «ماذا يمكننا القول لرئيس دولة لا يفهم حرية العقيدة، ويعامل الملايين من أتباع ديانة أخرى (الإسلام) في بلاده بهذه الطريقة؟ عليه قبل كل شيء فحص صحته العقلية».
وأضاف: «ما مشكلة المدعو ماكرون مع الإسلام والمسلمين؟ إنه بحاجة لعلاج عقلي... لماذا تحاول الانشغال بإردوغان مرارا وتكرارا... الانشغال بي لن يكسبك شيئا».
وأكد إردوغان أن «قيام فرنسا، التي تعتبر نفسها قلعة العلمانية والحريات، بعرض الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد مرة أخرى، يعتبر من أبشع أشكال الابتذال، ولا يندرج تحت حدود الحرية، إنما معاداة للإسلام بشكل صارخ».
وقالت الرئاسة الفرنسية (الإليزيه)، في بيان، إن «تصريحات إردوغان غير مقبولة، تصعيد اللهجة والبذاءة لا يمثلان نهجا للتعامل... نطلب من إردوغان أن يغير مسار سياسته لأنها خطيرة على كل الأصعدة. لن ندخل في سجالات عقيمة ولا نقبل الشتائم».
وأشارت الرئاسة الفرنسية أيضاً إلى «غياب رسائل التعزية والمساندة من الرئيس التركي عقب اغتيال المدرس صامويل باتي، وإلى تصريحات إردوغان الهجومية للغاية في الأيام الأخيرة، وبخاصة حول الدعوة إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية».
في سياق آخر، وجهت السلطات التركية، انتقادا للولايات المتحدة، بسبب إطلاقها تحذيرا أمنيا، الجمعة، بشأن احتمالية وقوع هجمات إرهابية وعمليات خطف للأميركيين والأجانب في تركيا.
واتهم وزير الداخلية التركي سليمان صويلو واشنطن بـ«توريط» تركيا، مؤكدا أنه كان عليها تحذير أنقرة من التهديدات الإرهابية التي يعتقدون أنها تواجه المواطنين الأميركيين.
وقال صويلو، مساء أول من أمس: «بالطبع، قد تكون هناك تقييمات استخباراتية، لكن ليس هذا هو النهج الصحيح لنشر القرارات التي سيتم اتخاذها على موقع السفارة الأميركية، وإلحاق الضرر بدولة أخرى»، لافتا إلى أن تركيا «تحصل على نحو 1200 تقرير استخباراتي أسبوعيا، يتعلق بكل من تركيا ودول أخرى».
وكانت السفارة الأميركية لدى تركيا، أطلقت أمس الجمعة، إنذاراً أمنياً حول احتمالية وقوع هجوم إرهابي محتمل في إسطنبول، وعلقت على إثر ذلك عملها وإصدار التأشيرات بالسفارة والقنصليات والبعثات التابعة لها في كل من إسطنبول وأضنة وإزمير.
وقالت السفارة على موقعها الإلكتروني إن البعثة الأميركية في تركيا تلقت تقارير حول هجمات إرهابية محتملة واختطاف مواطنين أميركيين وأجانب في إسطنبول، مشيرة إلى أن تلك الهجمات ستستهدف القنصلية العامة الأميركية، وكذلك مواقع أخرى محتملة في تركيا.
ونصحت السفارة، المواطنين الأميركيين بتوخي الحذر الشديد في المواقع التي قد يتجمع فيها عدد كبير من الأميركيين أو الأجانب بشكل عام بما في ذلك المكاتب والمباني الكبيرة أو مراكز التسوق. ولم تشر إلى الجهة التي يمكن أن تنفذ هذه الأعمال.
والسبت، قالت السفارة الأميركية في أذربيجان إنها تلقت معلومات عن هجمات وعمليات خطف قد تستهدف مواطنين أميركيين وأجانب أيضا على خلفية النزاع مع أرمينيا في إقليم ناغورني قره باغ.
وقالت البعثة الدبلوماسية الأميركية في باكو على موقعها الإلكتروني إن «سفارة الولايات المتحدة في باكو تلقت معلومات تتمتع بالصدقية عن هجمات إرهابية وعمليات خطف محتملة تستهدف مواطنين أميركيين وأجانب في باكو... الرعايا الأميركيون مدعوون إلى توخي مزيد من الحذر في الأماكن التي قد يجتمع فيها أميركيون أو أجانب»، بما في ذلك الفنادق الكبيرة في العاصمة، من دون إعطاء معلومات عن مصدر هذه التهديدات.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟