«جئتكم بالذبح».. جرعات غير مرحب بها من العدمية

{سيلفي} المتطرفين.. صورة من العصور الوسطى بتقنية القرن الواحد والعشرين

«جئتكم بالذبح».. جرعات غير مرحب بها من العدمية
TT

«جئتكم بالذبح».. جرعات غير مرحب بها من العدمية

«جئتكم بالذبح».. جرعات غير مرحب بها من العدمية

بخلفية سينمائية، يمتزج فيها لون الأفق الأزرق الباهت بحد أفق آخر من الأرض الجرداء، يبدأ فيديو «داعش» الأحدث على مستوى الإنتاج المصور للتنظيم، والأكثر حداثة على مستوى محتوى الصورة من كثافة الرمزيات التي حواها التسجيل الذي يستمر لمدة 3 دقائق.
يلفت النظر في المقطع المصور، اعتماده تقنيات سينمائية ليس لتحسين الصورة فحسب، بل لتعميق المحتوى «الرسالي» في صورة كثيفة الترميزات المتلاحقة، مع خلفيات صوتية تختلط باحترافية، تميل للمدرسة «الواقعية».

تتداخل في الفيديو أصوات رياح آتية من بعيد مع صوت احتكاك «سكاكين الذبح» مع بعضها حين يخرجها مقاتلو «داعش» من الصندوق استعدادا لنحر الرهائن، مع خلفية خطابية ذات مضامين بربرية تنتهي بجملة «فاعلموا أن لنا جيشا (..) شرابهم الدماء وأنيسهم الأشلاء».
على مستوى الصورة، يدير التسجيل حواران بصريان مع المشاهد على درجتين مختلفتين. المستوى الأول، يكون بين مقاتلي التنظيم الوحشي والمشاهد وهم يجرّون الرهائن «الغربيين» وينظرون إلى الكاميرا ويستلون «سكاكينهم» الحربية. فيما يظهر المستوى الثاني بين الرهائن الذين ستكون نظرتهم الغائمة للكاميرا، هي آخر ما سيراه المشاهدون من أسرار في عيونهم.
يستمر المشهد في تراتبية متمهلة حول خطوات «الذبح» التي ستحدث لاحقا، مع إصرار التنظيم على إظهار ملامح الإرهابيين، التي بدا أن أبرز رسائلها، هو اختلاف الأعراق التي ظهرت في الفيديو في تأكيد على عالمية التنظيم الدموي.
«أنساء الأشلاء» ينهون تسجيلهم، بإحالة الرهائن إلى كتلة من الجثث والجماجم المتراصفة، يسيل منها جدول صغير من الدماء.
أي معنى تطلقه الصورة؟
بعيدا عن الأسئلة التقنية، من الصعب أن يدير المراقب ظهره للدلالات الرمزية لمحتوى الصورة القادمة من مجاهيل التاريخ لتحتل نشرات أخبار القرن الواحد والعشرين. فأي معنى تطلقه الصورة؟ وما هي الأطراف التي تتداخل فيها؟ وثم سؤال أخير، أي سلطة للصورة؟ هذه الأبعاد الثلاثة التي أفرد مبحثا كاملا لها ريجيس دوبري، المفكر الفرنسي الشهير في كتابه «حياة الصورة وموتها».
وينبه فيه دوبري، وهو الذي يرأس حاليا «دفاتر الوسائطية، الرائدة في مجال تحليل الوسائط وآلياتها الثقافية» إلى أن «المعارك الكبرى التي دارت حول الصورة تدور حول هذه الأبعاد الثلاثة. لهذا رمت بالرهبان والصناع والجنود معا في حلبة المصارعة القاتلة. فالصورة المصنوعة هي في الآن نفسه منتوج ووسيلة عمل ودلالة».
على ذات النسق، يشرح حسن الحريري، الباحث المغربي المتخصص في المنطق وتاريخ العلوم، تأثير الفروقات بين قراءة النص المكتوب و«قراءة الصورة» على المتلقي.
ويقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «مسار القراءة في النص موجه من طرف الكاتب، رغم أن كل قارئ يحافظ دائما على إمكانية (القفز) على كلمات، أو جمل أو فقرات، في حين أن مسار قراءة صورة ما، يكون بالأساس من إنتاج الذات الملاحظة (المشاهد)».
ويزيد الحريري «فالخطاب البصري لا يخضع لقواعد تركيبية صارمة، إضافة إلى أن عناصره تُدْرك بشكل متزامن، الأمر الذي يعني أن الصورة خطاب تركيبي لا يقبل التقطيع إلى عناصر صغرى مستقلة، بحيث إنها كتلة تختزن في بنياتها دلالات لا تتجزأ. فإذا كانت العلامة اللسانية تقوم على الاعتباط والمواضعة فإن الصورة تقوم على التعليل والمشابهة وتتسم الصورة (بالتعدد الدلالي) أي أنها تقدم للمشاهد عددا كبيرا من المدلولات لا ينتقي إلا بعضها ويهمل البعض الآخر».
الصورة الحديثة ومفاهيمها اليوم تتداخل فيها الوسائط التقنية مع الوسط الاجتماعي الذي يعيد إنتاجها مستفيدا من سهولة توفر تكنولوجيا صناعة «الصورة» ولكنه بالطبع يقدمها في صيغ متوائمة مع منتجه الفكري والثقافي.
يشير الحريري إلى أن الصور والتسجيلات التي يبثها «داعش» تعتبر «دليلا رمزيا على خراب المعنى وإفلاس منظومة القيم التي تؤطر فكرهم وعملهم على حد سواء. فإذا حاولنا أن نقرأ مشاهد الصور التي يبثونها نلاحظ أنها تعيد استنساخ ذاتها ولا تخرج عن ذروة ممارسة العنف بكل سادية ممكنة: قطع الأعناق، تقطيع الجثث، العمليات الانتحارية، التفجير والترويع، الخطف والتعذيب، التصفية والاستئصال والتهديد، أمام أشخاص عزل مجردين من كل الوسائل الممكنة للدفاع عن أنفسهم أو أمام مقرات رسمية ومدنية. نحن أمام آلة لإنتاج الخرائب تدعى داعش».
الصورة من التحريم إلى «السيلفي»
العام المنصرم، شهد صرعة ما عرف بـ«السيلفي». وهي الصورة التي تلتقط بالكاميرا الأمامية للهواتف الذكية لتخليد لحظة معينة دون الاستعانة بمصور مستقل. تدحرجت الفكرة من «سيلفي» مشاهير الممثلين العالميين في حفل توزيع جوائز الأوسكار، إلى لاعبي كرة القدم، إلى فئات المجتمع المختلفة، حتى وصلت هذه الموضة إلى مرابع داعش، المتصلة بالعالم الحديث بتقنياته لا بقيمه الإنسانية.
وتواترت على مواقع «التواصل الاجتماعي» صور «سيلفي» لمقاتلي «داعش» وهم يستعدون لمعركة، أو وهم يلتقطون صورا مع جثث ضحايا بربريتهم.
ولكن كيف عبر جدل الصورة «الديني» من التحريم إلا في حالة الضرورة، إلى تحليله من قبل جماعات العنف المسلح الأكثر راديكالية وأصولية؟
يجيب فهد الشافي، الباحث السعودي في الإسلاميات في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «المدرسة السلفية كان لها موقفها الصارم من التصوير إلا في حالات الضرورة، لكن الملاحظ أن الحركات الجهادية كان من الأساس لديهم استعانة برؤية فقهية أوسع في الجانب المتعلق بالصورة. فمن المعروف أن حقبة (الجهاد الأفغاني) الأولى كانت معسكرات بن لادن المتقاطعة مع الأدبيات الإخوانية تشترط على المنتسبين لها التقاط الصور لهم، فضلا عن أن كتب عبد الله عزام المنظر الأبرز كانت تحوي صورا. على أي حال، هذه أحد المآخذ التي أخذها بعض أقطاب السلفية على بعض الحركات الجهادية».
ويزيد الشافي «من ناحية التحقيق التاريخي الذي يتناول هذا النوع من جماعات العنف الديني، يلاحظ بسهولة أنها متجاوزة للعقدة (الإسلامية الحركية) للتعاطي مع الإعلام المرئي. بل أخذ هذا الجانب يتطور من جيل لآخر لإيصال رسائلهم على أكثر من مستوى».
يرى الصحافي الأميركي روبرت كابلن، في كتابه الصادر في عام 2002 تحت عنوان «المحارب السياسي» أن ثورة المعلومات ليست بالضرورة ستقود إلى واحات من الديمقراطية والشفافية وحرية التعبير بمفهومها الوردي، وقال في حينه، إنه من المتوقع أن القدرة على استخدام الإنترنت من خلال أجهزة الكومبيوتر وأجهزة الجوال ستزيد من 2.5 في المائة بين السكان في العالم حاليا إلى 30 في المائة بحلول 2010. ولكن لا يزال الـ70 في المائة الباقون غير متصلين بهذه البيانات ونحو النصف لم يقوموا بمكالمة تليفونية، وسيكون مقدار التفاوت كبيرا. «فيما سيتمتع الإرهاب الناشئ من هذا التفاوت بموارد تقنية غير مسبوقة».
ويزيد كابلن في سرد ملامح تطابق تاريخية بين كل الحقب الزمنية التي شهدت ثورات الوسائط المعلوماتية من اختراع آلة الطباعة المتحركة إلى عصر الإنترنت «لن يشجع انتشار المعلومات الاستقرار بالضرورة. كما لم يؤد اختراع يوهانيس غوتنبيرغ للطباعة المتحركة في منتصف القرن الـ15 إلى الإصلاح فحسب، ولكنه أدى لاندلاع الحروب الدينية التي تلته، لأن الانتشار المفاجئ للنصوص شجع الخلافات المذهبية وأيقظ مظالم كانت هاجعة لفترة طويلة. ولن يؤدي انتشار المعلومات خلال العقود القادمة إلى ظهور تفاهمات ومواثيق اجتماعية جديدة فحسب، ولكنه سوف يؤدي إلى حدوث انقسامات جديدة مع اكتشاف الناس لمسائل جديدة ومعقدة يمكنهم الاختلاف عليها. وأنا أركز على الجانب المظلم لكل تطور ليس لأن المستقبل سوف يكون سيئا بالضرورة، ولكن لأن هذا ما كانت تدور حوله الأزمات السياسية الخارجية دائما».
بالعودة للشافي، يستعرض مستويات تأثير مختلفة عملت عليها الجماعات «الجهادية» الدينية في استخدام «الإعلام» بكل تمظهراته من النص إلى الصورة، ويقول: «جماعات العنف من الأساس ذات حجم صغير، لذلك يركزون على الوصول للقواعد الشعبية الجماهيرية بأكثر من طريقة وأكثر من مستوى».
ويضيف «المستوى الأول من حيث المضمون يرغب في توجيه رسالة واضحة للمختلفين معهم عن حجم الرعب الذي سيحملونه معهم حين وصولهم للخصوم، والثاني يستلزم عودة للماضي القريب، لحظة ظهور الفضائيات، وهي لحظة فاصلة في تعاطي هذا النوع من الحركات مع القواعد الجماهيرية، خصوصا أن بعض هذه الفضائيات غازلت هذه التيارات، وتبنت إظهار بعضهم مثل قناة (الجزيرة) القطرية، التي أظهرت الشخصيات الأكثر راديكالية من مفكري هذه الجماعات مثل أبو قتادة والفزاري. المستوى الثالث كان ظهور الإنترنت والمنتديات، ومنها إلى وسائل التواصل الاجتماعية، الأحدث على الساحة، التي كانت وما زالت أرضا خصبة للتجنيد من كل بقاع العالم، حتى أن أحد الأئمة الفرنسيين أشار إلى أن هذه الجماعات باتت من الاحترافية بأن تركز على استقطاب أبناء المهجر ممن يعانون قلقا في الهوية أو المسلمين حديثا، ويرغبون التعمق في فهم أمور دينهم، فتتلقفهم الأذرع الإلكترونية لهذه التنظيمات».
النظرية الإعلامية في فهم رمزيات «الصورة»
توظيف الصور بقصد صناعة تأثير محدد هو وجه من وجوه (البروباغندا) أو الدعاية، وصنفها الباحثون في مجال الاتصال كأحد الأساليب الاتصالية المتنوعة لتحقيق عملية التحول في التصورات حول العدو أو المعارضة، وبناء تصورات جديدة، وشاع استخدامها بشكل جلي في حالة الصراعات والحروب الكبرى، ومنها أخيرا، حرب المجتمع الدولي على تنظيم «داعش» في صيغة متبادلة.
في هذا السياق، يوضح زيد الشكري، المتخصص في الصحافة ووسائل الاتصال في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «في حالة الخطاب الإعلامي لتنظيم داعش، فإن ما يقوم به هو التوسل في الحصول على القوة من خلال الدعاية، وتحديدا توظيف ما يسميه أحد أشهر علماء الاتصال في مجال الدعاية هارولد لازول بـ(الرموز الجماعية)، وهو توظيف للرموز التي تكون عادة ذات ارتباط مع مشاعر قوية، وتمتلك القدرة على تحفيز العمل الجماعي على نطاق واسع على مدى أشهر وأحيانا أعوام من خلال استخدام كل وسائل الاتصال المتاحة. واستخدام هذه الرموز لا يبعث لدينا شعورا يكون وليد اللحظة التي نراها فيها، بل هو نتيجة سياق طويل ابتدأ في الماضي ومورس فيه تكثيف للدلالات والإيحاءات التي تتجدد كلما نراها. وتتعزز دلالات هذه الصور أكثر كلما صاحبها خلفيات أخرى، كالموسيقى المصاحبة، أو التعليق، وأشكال الإنتاج الأخرى».
ولكن على ماذا تتغذى «حروب الدعاية» المعولمة هذه؟ يجيب الشكري «منافذ الظهور والاتصال بالجمهور باتت متنوعة، ومفتوحة في عصر الإنترنت، كما أن أدوات الإنتاج باتت في متناول الجميع، ولم تعد مكلفة كما كان الأمر في الماضي، لذا وجدت الجماعات المتطرفة لنفسها في هذا الفضاء موقعا مثاليا للترويج لدعايتها وشن الحرب على خصومها، ومن هذه المواقع قد تحقق تأثيرا في حرب الكلمات والصور، كما أشار إلى ذلك أحد كبار مستشاري وزارة الخارجية الأميركية وأحد مؤسسي مركز الاتصال الاستراتيجي المناهض للإرهاب ويليام ماكنتس عندما قال بأن (داعش يتقدم على الولايات المتحدة على هذا الصعيد)» ولافتا إلى أن هذه المجموعة «أتقنت بشكل لافت نشر دعايتها منذ وقت طويل على شبكة الإنترنت». وفي مثل هذه الحالات، لا يمكن تقويض دعاية مثل هذه المجموعات الإرهابية خارج الميدان الذي تنشط وتتحرك فيه، وهو مأخذ سجله كثير من المراقبين على إدارة أوباما في حربها الإعلامية ضد الإرهاب، وهو النقد الذي ينسحب على بقية حكومات المجتمع الدولي بالمناسبة، إذ في الوقت الذي تنشط فيه هذه المجموعات المتطرفة من خلال بث دعايتها عبر وسائط الإعلام الجديد، يكتفي المجتمع الدولي بالمقاومة عبر المنصات التقليدية من خلال الخطب والمؤتمرات الصحافية ووسائل تقليدية الأخرى.
الباحثون والمختصون الذين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» أجمعوا على أنه يجب التنبه إلى أن البيئة الجغرافية التي ينشط فيها داعش على الأرض، هي بالأساس منطقة تحظى بنسب تعليم عالية (العراق - سوريا)، فضلا عن الشبان الغربيين الذين ينضمون إليهم بخبراتهم السابقة والمتنوعة.
ربما من المهم في هذا السياق، الإشارة إلى ملاحظة مسؤول الإعلام الرقمي السابق بجامعة كولومبيا الأميركية «سري سرينفاجن» عندما قال لشبكة «إن بي سي» الإخبارية في معرض حديثه عن نشاط دعاية داعش بـ«أن توثيق مشاهد حز الرؤوس ليس منتجا خاصا بداعش، بل سبقتها جماعات إرهابية أخرى، لكن الجديد في دعاية داعش هو أنه أتقن نشر هذه المقاطع في شكل غير مسبوق كليا عبر أدوات الإعلام الجديد، الأمر الذي مكنه من التأثير على خارج محيطه لا سيما المجتمعات الغربية، وضم عددا من هذه الدول للقتال في صفوفه»، على حد قوله.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.