أحداث العام 2014: ليبيا.. الحرب بين رفاق الأمس

انقسام البلاد بين المتطرفين والجيش الوطني

أحداث العام 2014:  ليبيا.. الحرب بين رفاق الأمس
TT

أحداث العام 2014: ليبيا.. الحرب بين رفاق الأمس

أحداث العام 2014:  ليبيا.. الحرب بين رفاق الأمس

شهد عام 2014 تحولات دراماتيكية في ليبيا، بدأت منذ مطلع العام بإصرار ألوف الليبيين على إعادة مسار الثورة، التي قامت ضد العقيد معمر القذافي، إلى الطريق الصحيح، لكن هذا لم يكن سهلا، واستغرق ما تبقى من السنة، ومتوقع أن يستمر لسنة أخرى على الأقل قبل حسم الأمور لصالح إقامة دولة ديمقراطية تحت مظلة الحرية والكرامة والعدل.
ومن المعروف أن تيار «الإسلام السياسي»، الذي يضم خليطا من جماعة الإخوان والمتطرفين، هيمن على حكم البلاد عامي 2012 و2013، وبدلا من أن يسارع ببناء الدولة، من جيش وشرطة ومؤسسات، قام هذا التيار بسلوك طريق آخر شديد الخطورة، في دولة غنية بالنفط وتطل على أوروبا، وذلك باعتماده على المجموعات المسلحة والمتشددة في محاولة بسط الأمن في البلاد، مقابل إعطاء تلك المجموعات الميليشياوية الشرعية والأموال.
وكانت الميليشيات تنفذ رغبات المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق) والحكومة، دون أن تكون لأي منهما القدرة على كبح جماحها. وحين حاول رئيس الحكومة السابق الدكتور علي زيدان إحياء مشروع القضاء على الميليشيات من خلال دمجها في الجيش والشرطة، شنت عليه حربا شعواء انتهت بقيامها بالقبض عليه وتوجيه إنذار له ولباقي أعضاء حكومته بأن الميليشيات خط أحمر.
وظهرت هذه الميليشيات التي استولت على أسلحة معسكرات الجيش الليبي وحصلت على أسلحة من الخارج أيضا، لمحاربة قوات القذافي، إلا أن العديد منها تكون بعد سقوط نظام العقيد الراحل في أواخر عام 2011.
وتسببت عدة قرارات قام بها ما كان يعرف بالمجلس الانتقالي برئاسة مصطفى عبد الجليل، في إغراء زعماء المتطرفين والفارين من السجون أيام فوضى الحرب ضد القذافي، لتكوين تلك الميليشيات وتكاثرها رغم انتهاء الاقتتال ضد النظام السابق، لكي تقوم بحماية مؤسسات الدولة. ووجدت الميليشيات رعاية من نواب جماعة الإخوان ومن نواب يوالون تنظيم القاعدة. وحصل زعماؤها على ملايين الدولارات مقابل حراسة المنشآت والمؤسسات الحكومية.
وجاء هذا على حساب تشكيل قوة من الجيش. وأصبح المستفيدون من وجود الميليشيات يقاومون أي إجراء يمكن أن يصلح حال الدولة ويعيد قوتها وسلطانها. ولهذا جرت أكبر عملية لتصفية الكوادر والقيادات التي كانت لديها القدرة على التأسيس لدولة ما بعد القذافي، من خلال قانون العزل السياسي الذي جرى سنه في 2013 ولم تظهر نتائجه الفعلية إلا في 2014، ومن خلال عمليات الاغتيال لقادة الجيش والتي وصلت إلى نحو 500 من الضباط وضباط الصف والجنوب خلال سنة واحدة فقط.
وتزامن ذلك مع اجتماعات كان يعقدها العديد من الأعيان وقادة الجيش السابقين في لقاءات علنية في طرابلس، من بينهم اللواء خليفة حفتر، ضمن الحراك الشعبي الذي كان يبحث عن طريق ينقذ الدولة مما وصلت إليه. وفي المقابل بدأ المتطرفون في حماية دولتهم التي شكلوها سريعا في الغرف المغلقة بالتعاون مع قيادات في المؤتمر الوطني والحكومة.
لكن حين اقتربت المدة القانونية للمؤتمر الوطني العام من الانتهاء، شعر النواب الإسلاميون بأن الشارع الليبي والناخبين أصبحوا ضد استمرارهم في إدارة الدولة الليبية. ولهذا أخذ المؤتمر يماطل في إجراء الانتخابات الجديدة، وأدى الحراك الشعبي في طرابلس وبنغازي وغيرهما من المدن إلى الضغط من أجل إجراء الانتخابات التي جرى إنجازها بالفعل، ليخسر النواب الإسلاميون الأغلبية في البرلمان الجديد.
وهنا بدأت المجابهة السافرة بين ثلاثة أنواع من الخصوم الليبيين. الأول والثاني يشملان شركاء ما يعرف بـ«ثورة 17 فبراير»، والثالث أنصار القذافي. واشتعلت المعركة بين فريقي «شركاء فبراير»، المتطرفين بقيادة «الإخوان».. والمدنيين بقيادة الجيش والبرلمان الجديد، بينما ظل أنصار القذافي، الخصم الثالث، يراقبون الموقف، ويتحركون بخطوات محسوبة انتظارا للحظة التدخل المباشر.
وباستقالة زيدان من رئاسة الحكومة أصبح على المتطرفين أن يتصرفوا بشكل علني لأول مرة، وتسلم قيادة هذه المجموعات المنتشرة في كل من طرابلس وبنغازي ودرنة وسرت قيادات معروفة من جماعة الإخوان، وشكلت الجماعة من هذا الخليط المتشدد ما أصبح يعرف بقوات «فجر ليبيا» واقتحمت مطار طرابلس الدولي في معركة شهيرة في أغسطس (آب) الماضي، سقط فيها عشرات القتلى، وتعرض فيها المطار وما فيه من طائرات مدنية للدمار.
وكانت حرب مطار طرابلس بداية لانشقاق كبير بين رفاق الأمس. استثمرت جماعة الإخوان الهيمنة على العاصمة في إعادة جلسات البرلمان السابق للانعقاد، تحت حماية قوات «فجر ليبيا»، وهي قوات محسوبة أساسا على مدينة مصراتة وقبائلها. كما أعلنت تشكيل حكومة في طرابلس هي حكومة عمر الحاسي، واتهمت البرلمان المنتخب والجيش الذي يقود حفتر عملياته ضد المتطرفين، بالانقلاب على «ثورة فبراير».
ومن الجانب الآخر لم يتمكن البرلمان الجديد من الانعقاد في العاصمة أو في بنغازي كما ينص الدستور، واضطر للانعقاد في مدينة طبرق الواقعة على بعد نحو 1500 كيلومتر إلى الشرق من طرابلس. واعترف بالجيش الوليد وبعملية الكرامة التي كان حفتر قد بدأ بها عملياته العسكرية، بل أعاد البرلمان حفتر إلى الخدمة بعد أن كان ضابطا متقاعدا.
وحاز برلمان طبرق والحكومة التي يرأسها عبد الله الثني الاعتراف الإقليمي والدولي. وأعلن عن أن الميليشيات التي تحاربه وتحارب الجيش «منظمات إرهابية»، ومن بينها «فجر ليبيا» و«أنصار الشريعة»، وهو تنظيم كان مواليا لتنظيم القاعدة قبل أن يتحول إلى موالاة تنظيم داعش.
ومع اقتراب العام من نهايته تبدو قوات الجيش الوطني الليبي ضعيفة مقارنة بقوات الميليشيات ومن معها من تنظيمات متطرفة. ولا توجد على أرض الواقع أي مساعدة تذكر من دول الجوار الليبي للبرلمان الشرعي والجيش الوطني. ومع ذلك يستخدم الجيش ما لديه من طائرات وآليات وحماسة الجنود والضباط في محاولاته فرض السيطرة على البلاد وتقليم أظافر المتطرفين.
وشعرت العديد من دول الجوار وكذا بعض الدول الأوروبية بخطورة ما يجري في ليبيا من تطورات، لكن لا أحد يعرف ما السبب الذي يجعل دولا مثل الولايات المتحدة وبريطانيا تميل مع جبهة الإسلاميين أكثر من الميل مع الشرعية الممثلة في البرلمان والجيش. ويقول مسؤولون ليبيون ممن كانوا يعملون في الدولة قبل أن يفروا إلى مصر، خشية تعرضهم للقتل على أيدي الميليشيات، إن مبعوثي الدول الغربية، خاصة أميركا وبريطانيا وألمانيا، حريصون على وجود قادة من المتطرفين في المشهد السياسي الليبي.
وعلى النقيض من ذلك تبدو فرنسا أكثر الدول الغربية تمسكا بالشرعية، وعداء للمتشددين، ربما بسبب ما تقاسيه من جروح خلفتها معاركها ضد المتطرفين في شمال مالي أخيرا، وفرار العديد من قادة أولئك المتطرفين إلى ليبيا خاصة في المناطق الجنوبية.
وفي هذه الأثناء يبذل المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، جهودا لجمع الفرقاء الليبيين، وتمكن بالفعل من عقد اجتماع «غدامس»، قبل شهرين، بين نواب من البرلمان الجديد، ونواب يقاطعون الجلسات المنعقدة في طبرق. وكان من المفترض أن يتعهد النواب المقاطعون بنزع سلاح الميليشيات والدخول في عملية سلمية، بعد الاستجابة لعدة شروط تتعلق بالموقف من برلمان طبرق وقوات حفتر. لكن تبين بعد أسابيع من لقاء غدامس أن الحل ليس في يد النواب، لا من هنا ولا من هناك، لكنه بأيدي قادة الميليشيات والقوات العاملة على الأرض.
ومع وجود دعم إقليمي واتصالات من تحت الستار مع أطراف دولية، بدأ المتطرفون يشعرون بالقدرة على المناورة، بالتزامن مع ما يحققونه من مكاسب على الأرض، سواء في محيط طرابلس أو في وسط البلاد، أو جنوبها، حيث تجري عمليات للسيطرة على المنشآت النفطية قبل أي حوار مع برلمان طبرق وجيش حفتر، سواء كان في الجزائر أو في أي دولة أخرى.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.