Casablanca
(1942) (جيد)
نجح بمهارة وليس بجدارة
هناك كاتبان مسرحيان غير معروفين كثيراً هما موراي بيرنَت وجوان أليسون كتبا في سنة 1940 مسرحية لم يتم إنتاجها. تتحدّث المسرحية عن أميركي اسمه رِك يعيش في الدار البيضاء خلال الحرب العالمية الثانية. لجأ إلى هناك بحثاً عن الأمان وامتلك إدارة ملهى كبير. ذات يوم تصل إلى الملهى المرأة التي أحب في باريس ومعها رجل آخر هو زوجها. تطلب من الأميركي تهريبه لأن البوليس الفرنسي في المغرب يريد إلقاء القبض عليه وتسليمه إلى الغستابو. رِك يرضى بعد ممانعة شديدة ويفعل ما طلبته منه تلك المرأة لأنه ما زال يحبّها.
لفت المشروع غير المنجز اهتمام مسؤول الإنتاج صامويل ماركس وعرض على الكاتبين 5 آلاف دولار. من حسن حظهما أنهما تمهلا بقبول العرض لأن جاك وورنر (رئيس وورنر) دفع 20 ألف دولار أول ما وصله النبأ.
لم يكن إنجاز الفيلم شبيهاً بإنجاز أي فيلم آخر. بالإضافة إلى اقتراح أسماء مخرجين وممثلين ثم استبدالهم (وكان ذلك يحدث كثيراً) كانت هناك مشكلة في كتابة السيناريو، إذ تعاقب عليه خمسة كتّاب لا تذكر مقدّمة الفيلم إلا ثلاثة منهم. وهذه المشكلة تواصلت خلال التصوير إذ كان المخرج مايكل كورتيز يصوّر المشاهد المنجزة بينما كان الكتّاب ما زالوا يعملون على المشاهد غير المكتملة أو التي لم تُكتب بعد. هذا يشمل المشهد الأخير الذي يودّع فيه البطل البطلة، وقد ساعدها في تنفيذ هروب زوجها الملاحق كونه يهودياً.
على كثرة هذه المشاكل خلال التصوير (وأخرى سبقته) إلا أن الفيلم انتهى كما لو كان نتيجة خطّة واضحة تاركاً تأثيراً على الجمهور والنقاد آنذاك وعليهم معاً حتى زمننا الحاضر. هذا ليس بفضل السيناريو (له حسنات في مواقع أخرى) لكن بفضل اندفاع المخرج كورتيز لإتمام العمل ضمن سياق مُوحّد رغم العقبات.
يلعب الفيلم على الشخصيات أساساً. عليه، لكي ينجح تقديم شخصياته في أضواء عاطفية. سام حزين. يعمل في كازابلانكا ويواجه السلطات الفرنسية التي تعتقد أنه يتمادى في مساعدة اللاجئين إليه. مع وصول إلسا (إنغريد برغمن) يجد أن هناك المزيد من جروح الأمس ما زالت غير مندملة. بالنسبة لها، هي امرأة ذات هدف. تدرك حبّها لسام (وحب سام لها) لكن هدفها هو الحفاظ على سلامة زوجها.
بطريقة ما غير خفية، يتحدّث الفيلم عن معاناة اليهود لكنه يبتعد عن التخليد. الزوج (بول هنريد) هو بطل في المقاومة الفرنسية لذلك هناك شخصيتان داخل شخصية واحدة يترك لك الفيلم حرية استيعابهما معاً أو قبول أحدهما دون الآخر.
بينما يتحدّث الفيلم أمامياً عن حب سابق ما زال يعيش في قلبين، يتناول في الخلفية الفترة النازية. ليس فيلماً حربياً ولا سياسياً، بل يستند إلى تلك الخلفية بنجاح واضح. في الوقت ذاته، هو فيلم عاطفي يلعب على أوتار المشاهدين بالطريقة الصحيحة بما في ذلك النهاية التي ينفصل فيها بطلاه عن بعضهما البعض لأن الأولوية يجب أن تكون للقضية وليس للعاطفة.
على ما سبق، «كازابلانكا» (الذي صُوّر بميزانية صغيرة في بعض ممتلكات شركة وورنر ثم نال أوسكار أفضل فيلم) يعاني من تصنّع جلي كما من حيرة الشخصيّتين كل حيال الآخر. هذه الحيرة مردّها أنهما دخلا التصوير من قبل أن يقرآ باقي المشاهد. لاحقاً ما تم تطويع أداء كل منهما ليناسب المضمون المتجدد. يخلو الفيلم من مستوى فني أعلى لكنه يحقق ما وعد به الجمهور من دون خجل.
ما فعله الفيلم هو أنه استولى على قلوب كثيرة (من بينها قلوب النقاد) ليس بجدارة بل بمهارة.