مرفأ بيروت «خط سريع» لصفقات «حزب الله»

TT

مرفأ بيروت «خط سريع» لصفقات «حزب الله»

طالما كان يعتبر مرفأ بيروت من أكثر المرافق فساداً في لبنان، وهو معروف بسيطرة بعض القوى السياسية عليه وعلى رأسهم «حزب الله»، ويساهم بشكل أساسي في عجز ميزانية الدولة اللبنانية.
وأتى انفجار بيروت وتبادل الاتهامات حول المسؤولية عن وجود نيترات الأمونيوم التي كانت سبب الكارثة، ليلقي الضوء على خفايا هذا المرفق، وكواليسه من التهريب والتهرب الضريبي ورِشى وأرباح مناقصات ومزادات علنية مشكوك فيها، ورواتب خيالية يستفيد منها موظفون محسوبون على القوى السياسية.
ولـ«حزب الله» في مرفأ بيروت «خط سريع» يمكنه من تمرير ما يريد من دون رقيب، وصفقات تعود بالفائدة على مسؤولين وموظفين محسوبين على قوى سياسية باتت شريحة واسعة من اللبنانيين تطالب برحيلها. ومن هذه القوى «التيار الوطني الحر» بزعامة رئيس الجمهورية ميشال عون، و«تيار المستقبل»، وفق ما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن متابعين لملف المرفأ.
ويقول الباحث محمد شمس الدين من مركز «الدولية للمعلومات» الذي نشر دراسات عدة حول الفساد والتهرب الضريبي في لبنان: «يُعد المرفأ من أكثر المرافق فساداً»، مضيفاً: «ليست هناك رقابة فعلية من الحكومة عليه، سواء على جباية الأموال أو إنفاقها». ويضيف: «نظام المحاصصة ذاته في الدولة ينطبق على المرفأ».
ويستخدم «حزب الله» المرفأ لتمرير بضائع لصالحه أو لصالح رجال أعمال محسوبين عليه، وفق مصادر عدة. ويقول رئيس مجلس شورى الدولة السابق القاضي شكري صادر، لوكالة الصحافة الفرنسية: «من المعروف أن هناك بضائع للمقاومة (حزب الله) تمر عبر المرفأ والمطار»، عدا المعابر الحدودية.
ويضيف: «في المرفأ كما في المطار، لديه خط عسكري تمر عبره البضائع والسلع من دون تفتيش أو رقابة»، موضحاً: «خط المقاومة هذا هو نتيجة اتفاق ضمني مع السلطات، على ألا يقترب منه أحد».
مع العلم أنه في عام 2019، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على المسؤول البارز في «حزب الله» وفيق صفا، بسبب استغلاله «الموانئ والمعابر الحدودية اللبنانية، للتهريب وتسهيل السفر بالنيابة عن (حزب الله)»، وفق ما جاء في بيان للسفارة الأميركية آنذاك. وأورد البيان مثلاً عن «استفادة (حزب الله) من صفا لتسهيل مرور المواد، بما في ذلك المخدرات غير المشروعة والأسلحة، عبر مرفأ بيروت».
وتبلغ إيرادات المرفأ السنوية نحو 220 مليون دولار، يعود منها 60 مليوناً فقط إلى خزينة الدولة، وفق شمس الدين الذي يوضح أن البقية يفترض أنها تستخدم للرواتب والأجور ولتطوير المرفأ: «إلا أننا فعلياً لا نعرف إلى أين تذهب».
أما فيما يتعلق بالجمارك، فيقدر حجم التهرب الجمركي سنوياً، وغالبيته من المرفأ، بما بين مليار وملياري دولار في بلد راوح العجز في الموازنة فيه خلال العامين الماضيين بين خمسة وأكثر من ستة مليارات دولار.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.