تيّار «المنكرين» للوباء يتنامى في أوروبا

حركة الفاشيين الجدد نددت في روما بـ«مؤامرة كوفيد ـ 19»

مظاهرة لمشككين في فيروس «كورونا» بروما السبت (أ.ف.ب)
مظاهرة لمشككين في فيروس «كورونا» بروما السبت (أ.ف.ب)
TT

تيّار «المنكرين» للوباء يتنامى في أوروبا

مظاهرة لمشككين في فيروس «كورونا» بروما السبت (أ.ف.ب)
مظاهرة لمشككين في فيروس «كورونا» بروما السبت (أ.ف.ب)

بعد «انفجار» المشهد الوبائي في فرنسا وإسبانيا منذ أواسط الشهر الماضي وتزايد المخاوف من العودة إلى تدابير العزل الذي تؤكد باريس ومدريد أنه ليس وارداً ضمن خطة مواجهة الموجة الثانية التي تتمدّد في جميع أوصال القارة الأوروبية، يحبس الإيطاليون أنفاسهم أمام الارتفاع المتواصل في أعداد الإصابات اليومية الجديدة وتكاثر بؤر الانتشار التي قاربت الألفين، معظمها في مناطق الجنوب والجزر التي كانت شبه خالية من الفيروس في المرحلة الأولى.
وإذ يتزامن الارتفاع المضطرد في الإصابات الجديدة مع ازدياد نسبة الوفيّات والحالات التي تقتضي علاجاً في العناية الفائقة، تواجه إيطاليا أيضاً تصعيداً في نشاط تيّار «المنكرين» الذين يعتبرون «كوفيد - 19» خدعة تهدف إلى تقييد الحريّات العامة ومنع الأنشطة والتحركات الاحتجاجية ضد سياسات الحكومة. ورغم أن هذا التيّار الذي ينشط مؤخراً في عدد من الدول الأوروبية بعد ظهوره بقوّة في الولايات المتحدة ما زال محدوداً في نسبة المؤيدين له، تخشى حكومات عدة من تناميه في الأسابيع والأشهر المقبلة، خاصة عندما تضطر بعض الدول إلى تشديد تدابير الوقاية والاحتواء، وربما إلى فرض إجراءات العزل الجزئي أو المؤقت مع الارتفاع المرتقب في الإصابات بعد استئناف النشاط المدرسي. ولا تخفي الأوساط الأمنية قلقها من احتمالات جنوح الاحتجاجات نحو المزيد من العنف كما حصل مؤخراً في برلين، عندما حاولت مجموعات يمينية متطرفة اقتحام مبنى البرلمان رافعة الإعلام والشعارات النازية.
وكان لافتاً في المظاهرة التي خرجت مساء السبت الماضي في روما الدور القيادي الذي لعبته في الدعوة إليها وتنظيمها حركة الفاشيين الجدد والشعارات التي حملها المتظاهرون والهتافات التي كانوا يطلقونها. فإلى جانب التنديد «بالمؤامرة التي حاكتها المصانع العالمية الكبرى للأدوية والشركات المتعددة الجنسيات ومؤسسات بيل غيتس وجورج سوروس والحكومات المتواطئة معها»، كان المتظاهرون يهتفون بقيام نظام عالمي جديد «يقوده دونالد ترمب وفلاديمير بوتين»، ويدعون إلى مقاطعة الصين التي يتهمونها «بفبركة الفيروس لوأد الحريات والسيطرة على العالم».
ويخشى مراقبون يتابعون هذا التيّار منذ نشأته أن يتحوّل سريعاً إلى حركة تنصهر فيها جهات عدة مناهضة للأنظمة القائمة، على غرار ما حصل ما في أعقاب أزمة عام 2008 المالية التي تولّدت من تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية الحركات الشعبويّة التي سرعان ما أصبحت لاعباً أساسياً في المشهد السياسي الأوروبي.
ويتوقف المراقبون عند الفسيفساء الواسعة لهذا التيّار الذي يضمّ حركات يمينية متطرفة وهيئات نسائية وجمعيات تجارية وتنظيمات بيئية وطلابية، تتوافق على نظرية المؤامرة وتنادي بإنهاء «الديكتاتورية الصحية»، وترفع شعارات وتطرح أفكاراً تتلاقى حولها جهات عدة متباعدة في مشاربها ومقاصدها. ويدور معظم هذه الأفكار والشعارات حول محورين أساسيين يستقطبان تأييداً واسعاً في الأوساط الاجتماعية الأوروبية: الأول هو استعادة الحرّيات الفردية التي تقلصّت بشكل غير مسبوق بفعل تدابير العزل والوقاية من الوباء، والثاني هو العودة بسرعة إلى استئناف النشاط الاقتصادي الكامل ومنع اتخاذ تدابير جديدة للعزل مع التزايد في عدد الإصابات.
لكن شاءت الأقدار أن الأخصائي الإيطالي الذي يقود منذ أشهر الحملة الداعية إلى وقف تدابير الوقاية، مشدّداً على أن «الفيروس دخل مرحلة الموت السريري» وليس ما يستدعي الإبلاغ عن الإصابات بالوباء كغيرها من الإصابات المرضية الأخرى، هو الباحث المعروف البروفسور ألبرتو زانغريلو الذي يعتبر من أبرز الأخصائيين الإيطاليين في الوبائيات والصحة العامة، وهو الطبيب الخاص لرئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برلوسكوني الذي يعالج منذ أيام في مستشفى بميلانو من إصابته بفيروس كورونا المستجد.
إلى جانب ذلك، ومع التوقعات المتشائمة بشأن المشهد الوبائي بعد العودة إلى المدارس منتصف هذا الشهر، تواجه الحكومة الإيطالية أزمة تتفاقم على خلفيّة التدابير التي اتخذتها خلال فترة ذروة انتشار الوباء عندما سمحت للمئات من زعماء المافيا الذين يقضون عقوبات في السجون ويعانون من أمراض مزمنة بتمضية فترة الوباء في بيوتهم خوفاً من إصابتهم بالعدوى. وكان وزير الصحة قد أصدر قراراً أواخر مارس (آذار) الماضي يقضي بالإفراج المؤقت، لأسباب صحيّة، عن 498 من زعماء المافيا الذين يقضي عدد كبير منهم عقوبات بالسجن المؤبد، ووضعهم تحت الإقامة الجبرية إلى أن تنتهي الفترة الحرجة من انتشار الفيروس.
ورغم الانتقادات الشديدة لذلك القرار من جانب منظمات الحقوقيين والقضاة الذين طالبوا بنقل زعماء المافيا إلى مستشفيات تحت الحراسة وليس إلى منازلهم ونددّوا بالتمييز في التعامل بين هؤلاء والمعتقلين الآخرين، وأيضا من جانب أهالي ضحايا المافيا الذين يعانون يأساً مزمناً من إفلات العديد من زعماء تنظيمات المافيا الإجرامية من براثن العدالة، خرج الموضوع سريعاً من التداول مع اشتداد الأزمة الصحية التي ضربت إيطاليا بقسوة حتى أواخر أبريل (نيسان).
وفي الرابع عشر من مايو (أيار) الفائت أصدر وزير العدل قراراً آخر بإعادة المعتقلين إلى السجون، لكن حتى الآن لم يعد منهم سوى 112، فيما ما زال الباقون في منازلهم بذرائع صحية وقانونية، ما أثار موجة عارمة من الانتقادات والاتهامات ضد الحكومة وبعض الأجهزة القضائية.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».