تصاعدت التحذيرات المحلية والأممية المطالبة بوضع حد لمأساة آلاف المهاجرين غير النظاميين المحتجزين في مقرات للإيواء في ليبيا، وسط تقارير تشير إلى أن هذه المراكز تشهد انتهاكات واسعة تصل إلى حد «التعذيب البدني»، فضلاً عن أنها تعاني «نقصاً في الغذاء».
يأتي ذلك في وقت رحب حقوقيون ومعنيون بملف المهاجرين في ليبيا، بالدعوة التي وجهها الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش، إلى السلطات الليبية بضرورة إغلاق مراكز احتجاز المهاجرين في البلاد، لكنهم تساءلوا عن بديل الاحتجاز الذي توفّره الأمم المتحدة في ظل تدفق من المهاجرين على البلاد بطرق غير مشروعة؟
وقال رئيس منظمة التعاون والإغاثة العالمية (Iocea) جمال المبروك، في حديث إلى «الشرق الأوسط» إن مراكز الإيواء التي تضم آلاف المهاجرين تعاني بالفعل من «أوضاع إنسانية سيئة للغاية، وتدار بطريقة أسوأ»، مشيراً إلى أنها أيضاً «غير مؤهلة لإيواء البشر، نظراً لأن غالبيتها كانت عبارة عن مقرات لمصانع ومدارس ومخازن قديمة البناء، وبالتالي تفتقر إلى المعايير الدولية، وبالتالي فإن احتجاز المهاجرين فيها أمر غير مقبول أخلاقياً وإنسانياً».
وتتكدس مراكز الإيواء التي تشرف عليها سلطات طرابلس، بآلاف من المهاجرين غير النظاميين، من جنسيات أفريقية وآسيوية عديدة، وتشير التقارير المحلية والأممية إلى أن العديد منها «تديرها ميليشيات مسلحة وتُرتكب فيها جرائم بحق المهاجرين بدايةً من الضرب والابتزاز المالي، وصولاً إلى الاعتداءات الجنسية».
وسبق للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين القول مطلع أغسطس (آب) الماضي، إن 46823 لاجئاً وطالب لجوء مسجلون لديها، منهم نحو 45% رجالاً، و22% نساءً، و33% أطفالاً.
وفي تقرير رفعه نهاية الأسبوع الماضي إلى مجلس الأمن الدولي، ندد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بالانتهاكات الشديدة التي يتعرّض لها آلاف المهاجرين المحتجزين بمراكز الإيواء، قبل أن يدعو السلطات إلى سرعة إغلاقها، متحدثاً عن «الظروف المروّعة والمعاملة السيئة» التي يعاني منها اللاجئون والمهاجرون هناك في ظل تعرض العديد منهم للتعذيب والاختفاء القسري والعنف الجنسي، بالإضافة إلى نقص في الغذاء والرعاية الصحية.
وأفاد التقرير بأن «الرجال والفتيان يتعرّضون بشكل روتيني للتهديد بالعنف عندما يتّصلون بعائلاتهم للضغط عليهم لإرسال أموال فدية. لقد تعرّض مهاجرون ولاجئون لإطلاق نار عندما حاولوا الفرار، مما أدّى إلى وقوع إصابات ووفيات. عندما يُعتقد أنّ المهاجرين واللاجئين هم أضعف من أن يتمكنّوا من البقاء على قيد الحياة، غالباً ما يتم نقلهم إلى مستشفيات قريبة وتركهم هناك أو يُتركون في الشوارع ليموتوا».
وأمام دعوة الأمم المتحدة إلى ضرورة إغلاق مقرات احتجاز المهاجرين، تساءل رئيس منظمة التعاون والإغاثة العالمية في ليبيا: «إذا قررت السلطات المحلية في ليبيا إغلاق هذه المقرات، فما البديل؟ أيُتركون هكذا في ظل ظروف بلد يعاني من الصراعات وعدم الاستقرار، لتزيد مأساتهم ويتعرضوا إلى مزيد من الانتهاكات والتجنيد كمرتزقة وغير ذلك من صنوف التعذيب؟».
واستكمل المبروك: «قبل أن يطالبوا بإغلاق مراكز الإيواء عليهم التفكير في حلول بديلة وسريعة»، مقترحاً أن تتم «إعادة من يرغب منهم بشكل طوعي إلى بلدانهم سريعاً»، بالإضافة إلى «نقل اللاجئين وطالبي اللجوء إلى مراكز استقبال في الدول المستقرة، وإتمام عمليات توطينهم في الدول القابلة لذلك».
واستدرك رئيس منظمة التعاون والإغاثة العالمية: «أمّا ليبيا فلن تكون بلداً قابلاً للتوطين، في ظل حالة من عدم الاستقرار الذي تعانيه».
لكن التقرير الأممي أكد أنه «ما من شيء يمكن أن يبرّر الظروف المروّعة التي يُحتجز فيها اللاجئون والمهاجرون في ليبيا»، لافتاً إلى أن عملية إغلاق المقرات ستكون «بتنسيق وثيق مع هيئات الأمم المتحدة».
ونوه إلى أنّه في مراكز الاحتجاز التي تحتوي على مخازن أسلحة وذخيرة «يتم تجنيد قسم من اللاجئين والمهاجرين قسراً، بينما يُجبر قسم آخر على تصليح أو تذخير أسلحة تابعة لجماعات مسلّحة»، وحسب التقرير فإنّ تقديرات الأمم المتّحدة تشير إلى أنّه «في 31 يوليو (تموز) الماضي، كان هناك أكثر من 2780 شخصاً، 22% منهم من الأطفال، محتجزين في مراكز مخصصة لاحتجاز المهاجرين»، وهو ما دفع غوتيريش إلى القول: «لا يجوز بتاتاً احتجاز الأطفال، لا سيّما عندما يكونون غير مصحوبين أو منفصلين عن ذويهم».
وعادت موجات الهجرة غير المشروعة تجتاح سواحل ليبيا مجدداً، كما سبق وأعلنت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في ليبيا، أن خفر السواحل الليبي أنقذ 6588 لاجئاً ومهاجراً من الغرق، أو تم اعتراضهم في البحر، منذ بداية العام وحتى الخامس من أغسطس الماضي.
ونقلت وكالة «آكي» الإيطالية عن مصادر أمنية إيطالية رسوّ مجموعة مهاجرين على سواحل لامبيدوزا ببلدية أغريجنتو الصقلية، قادمين من السواحل الليبية. وأضافت المصادر أنه «تم اعتراض قارب يقل 107 مهاجرين قبالة سواحل الجزيرة من دورية لرجال قوات حماية الميناء وعناصر الشرطة المالية».
وذكرت المصادر أن «المهاجرين الذين يحملون جنسيات مختلفة، والذين غادروا من السواحل الليبية، تم نقلهم إلى النقطة الساخنة في منطقة إمبرياكولا، التي تستضيف حالياً 1239 شخصاً».
تعرُّض آلاف المهاجرين في ليبيا لـ«التعذيب ونقص الطعام»
مسؤول إغاثي لـ «الشرق الأوسط» : مراكز الإيواء غير مؤهلة لاستضافة البشر
تعرُّض آلاف المهاجرين في ليبيا لـ«التعذيب ونقص الطعام»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة