بري ينعى الحكومة اللبنانية: غير مأسوف عليها

بري مترئساً اجتماع هيئة البرلمان أمس (الوكالة الوطنية)
بري مترئساً اجتماع هيئة البرلمان أمس (الوكالة الوطنية)
TT

بري ينعى الحكومة اللبنانية: غير مأسوف عليها

بري مترئساً اجتماع هيئة البرلمان أمس (الوكالة الوطنية)
بري مترئساً اجتماع هيئة البرلمان أمس (الوكالة الوطنية)

لم يعد أمام حكومة الرئيس حسان دياب من خيار سوى الاستقالة، بقرار منه أو باستقالة أكثرية ثلث الوزراء، وإلا فلا مفر من إسقاطها في الجلسة النيابية التي تُعقد الخميس المقبل المخصصة لمحاسبتها، خصوصاً أن الاتصالات التي كان محورها رئيس البرلمان نبيه بري لم تنجح في إقناعه بتحديد موعد آخر للجلسة النيابية لأن انعقادها في موعدها سيؤدي إلى تصويت غالبية النواب على حجب الثقة عن الحكومة، وبالتالي ستتحول تلقائياً إلى حكومة تصريف أعمال لأنها في هذه الحال لن تستطيع اتخاذ أي قرار، وبالتالي توفر على البلد مزيداً من الأضرار الناجمة عن القرارات غير الصائبة التي تتخذها.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية وحزبية بأن رئيس الجمهورية ميشال عون تواصل مع الرئيس بري، وتداول معه في التطورات المستجدة، على خلفية دعوته لعقد جلسة نيابية لمحاسبة الحكومة على تقصيرها في التعامل مع النكبة التي أصابت بيروت جراء الانفجار المدمر الذي ضربها.
وكشفت المصادر النيابية والحزبية أن عون تمنى على بري تأجيل الجلسة النيابية إلى موعد لاحق لأن انعقادها سيؤدي للإطاحة حكماً بالحكومة، لكن بري أصرّ على موقفه، كما نقل عنه لاحقاً عدد من زواره: «غير مأسوف على شبابها، ولا على استقالتها، وعليها أن تتحمل المسؤولية، بدلاً من أن تغسل يديها من تقصيرها، وترميها على المجلس النيابي».
وقالت المصادر إنه بعد أن تعذر على عون إقناع بري بأنه كان يفضل استمرار الحكومة، اقترح على دياب أن ينقل مكان انعقاد الجلسة من بعبدا إلى السراي، لتأتي استقالة الحكومة من مقر الرئاسة الثالثة، لأنه يرفض أن تأتي من مقر الرئاسة الأولى، ويكون رئيس الجمهورية الشاهد الأول على رحيلها.
لذلك استجاب دياب لرغبة عون، وحاول أن يتدارك العاصفة السياسية التي ستحاصره في أثناء انعقاد الجلسة، بإعلانه سحب البند الذي كان وراء اشتباكه مع بري من جدول أعمال الجلسة، المتعلق بالموافقة على مشروع قانون يقضي بتقصير ولاية المجلس النيابي، تمهيداً لإجراء انتخابات نيابية مبكرة، لكن بري لم يأخذ بتراجع دياب عن اقتراحه لأن تداعياته كانت قد فعلت فعلها، ورماها في حضن البرلمان.
واضطر دياب إلى حسم موقفه بإعلان استقالته خلال انعقاد جلسة مجلس الوزراء بعد ظهر أمس، في السراي، من دون أن يسبقها مشاورات للبحث في البدائل، ما يعني أن لدى بعضهم مخاوف حيال تمديد فترة تصريف الأعمال.
ورأت المصادر النيابية أن دياب أقحم نفسه في اشتباك مجاني مع بري، من دون أن يدرك حجم الأخطار السياسية المترتبة على تجاوزه للخطوط الحمر، ليس برمي مسؤولية التقصير على البرلمان فحسب، وإنما لدخوله من دون سابق إنذار إلى المنطقة المحظورة عليه، وتتعلق بصلاحيات المجلس النيابي، لأن إجراء انتخابات مبكرة في حاجة إلى قرار البرلمان بحل نفسه أو باستقالة نصف أعضائه.
وقالت إن دياب أجاز لنفسه، ومن دون التنسيق مع أحد، وبناء على نصيحة «ملغومة»، أن يصادر كأمر واقع الصلاحيات المناطة بالبرلمان حول تقصير ولايته، خصوصاً أن الدستور اللبناني لا يعطي هذه الصلاحية لغيره، وهذا ما نص عليه اتفاق الطائف الذي سحب من رئيس الجمهورية صلاحية حل البرلمان شرط أن تكون معللة.
وعدت أن دياب وإن كان قد تراجع عن اقتراحه، فإن مجرد التلويح به يمكن أن يشكل سابقة يراد منها الالتفاف على صلاحيات الموقع الأول للطائفة الشيعية في التركيبة السياسية، وبالتالي سارع «حزب الله» إلى ضم صوته من دون أي تردد لمصلحة بري، وإن كان ممثله في الحكومة، عماد حب الله، قد أعلن مساء أول من أمس أنه لا استقالة، ونحن صامدون، مع أن ما قاله لا يعني تمسك الحزب ببقاء دياب، وإنما يريد توقيتها، للإمساك بزمام المبادرة في البحث عن البديل.
واتهمت المصادر النيابية دياب بأنه حاول أن يبيع الحراك المدني مزايدات شعبوية على حساب البرلمان، لعله يخفف من حملته عليه، بتحميله مسؤولية التقصير والإهمال حيال الزلزال الذي انفجر في مرفأ بيروت.
ونقل زوار بري عنه قوله إن «الحكومة مسؤولة، ونقطة على السطر. ونصر على محاسبتها، والجميع بات على علم بالمراسلات التي تسلمها من جهاز أمن الدولة حول وجود مواد متفجرة في العنبر رقم (12) في مرفأ بيروت يجب الإسراع في معالجتها (وهذا ما كشفه بالوثائق في أثناء استقباله أمس لوفد اللقاء الديمقراطي)».
وأكد بري أن المسؤولية المباشرة تقع على عاتق الحكومة، وبات عليها أن تتحمل وزر الدمار الذي استهدف بيروت، وقال: «أنا أول من يصوت مع حجب الثقة عن الحكومة». وفيما كشف الزوار أنفسهم أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تواصل مع بري عشية استضافة باريس للمؤتمر الدولي لدعم لبنان، أكدوا في المقابل أن رئيس المجلس لا يوصد الأبواب في وجه إجراء انتخابات نيابية مبكرة، لكنه يرى -كما نقل عنه نواب اللقاء الديمقراطي- أن من الأفضل الاتفاق على قانون جديد للانتخاب، لئلا ندفع بالبلد إلى المجهول.
وعليه، التقط دياب الإنذار الذي وجهه إليه بري، وسارع إلى الاستقالة، رغم أن عون لم يكن يحبذها، وأيضاً رئيس «التيار الوطني الحر»، جبران باسيل، مع فارق يعود إلى أن «حزب الله» كان يفضل عدم التسرع إفساحاً في المجال أمامه لاستدراج العروض، وإن كان حليفه بري قد استبقه ليقول: الأمر لي في إقالة الحكومة.



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».