الصداقة في براح الطبيعة ومفارقات السياسة

«البحيرة السوداء» للهولندية هيلا هاسه في ترجمة عربية

الصداقة في براح الطبيعة ومفارقات السياسة
TT

الصداقة في براح الطبيعة ومفارقات السياسة

الصداقة في براح الطبيعة ومفارقات السياسة

يصعب تفادي رائحة حقول الشاي المُترامية في فضاء رواية «البحيرة السوداء»، فالحقول وقمم الجبال وغابات الخيزران، وصخور النهر، وأصص الأزهار وغيرها من جماليات الطبيعة، هي وسائط ومساقط سردية تُمرِر الكاتبة الهولندية هيلا هاسه في ثناياها الحسيّة والشعرية الكثير من الدفقات الإنسانية، التي توجّت تلك الرواية إلى اليوم كواحدة من أبرز علامات وكلاسيكيات الأدب الهولندي والأوروبي.
ورغم أن الرواية صدرت عام 1948 فإن الاهتمام بترجمتها إلى عديد من لغات العالم لم يفتُر، حتى تم الاحتفاء بترجمتها إلى العربية هذا العام، وهي الترجمة التي أنجزتها عن الهولندية الكاتبة والمُترجمة السورية أمينة عابد، وأصدرتها دار «الكرمة» للنشر والتوزيع بالقاهرة.
تدور الرواية خلال فترة الاستعمار الهولندي للهند الشرقية (شرق آسيا حالياً)، ويجري السرد على لسان صبي هولندي، يستدعي بفيض من حنين سنوات طفولته في جزيرة جاوة مع صديق عمره «أوروخ»، الصبي الجاوي الأسمر، رفيق الطفولة وسنوات الشباب الأولى «أستطيع أن أقول إن أوروخ مُنطبع في حياتي كطابع بريد»، يقول الراوي الهولندي، وشريط حياته مع أوروخ يمر من أمامه، يستدعيها في لحظة فارقة بعد سنوات طويلة استطاعت أن تُبدل لديهما موازين الصداقة والحياة.
تقع الرواية في 142 صفحة من القطع المتوسط، وفيها يُولد صبي أشقر ابن صاحب مزرعة هولندي في جزيرة جاوة الإندونيسية، يتفتح وعيه على صداقة ابن خادم المزرعة الذي ينتمي لسكان الجزيرة الأصليين واسمه «أوروخ»، صداقة لا تعرف الحساسية الطبقية الاجتماعية، ولا شوائب السياسية، ولا معنى الاستعمار، طفلان يفصلهما في العمر عدة أسابيع، مُفردات البهجة لديهما لا تذهب أبعد من صيد السرطانات الوردية، والقفز فوق صخور النهر، والتسلل بين أشجار الفاكهة، وفي أغلب الأوقات كان الصبي الهولندي يذهب لتناول الطعام في بيت أوروخ الفقير، كانت زيارته امتداداً لمتعة اللعب والشعور المُغلّف بالانتماء لهذه الأسرة وهذا الوطن الجاوي، فيما كانت زيارة أوروخ لبيت صديقه الهولندي ليست بذات الترحيب «كان أوروخ يأتي أحياناً لزيارتي في البيت، لكن تلك الزيارات لم تُسعد أياً منا. كان يستحيل أن نلعب ألعاباً طائشة نظراً لوجود أمي».
فرضت تلك الصداقة نفسها على العائلتين، وسط عدم ارتياح كبير من الأب الهولندي صاحب المزرعة، فدائما يُذكّر ابنه بهويته «أنت أوروبي»، يقولها لابنه الذي بات يتحدث السوندية (اللغة الدارجة في جاوة) بدلاً من الهولندية، إلا أن حادثاً مأساوياً يقلب الموازين، بعد تعرض «ديبو» والد أوروخ للموت غرقاً خلال محاولته إنقاذ الابن الهولندي من الغرق في بحيرة يُطلق عليها «البحيرة السوداء»، وبسبب هذا يقرر الأب الهولندي، المُتحفظ على علاقة ابنه بأوروخ، أن يقوم في المقابل بتبني الإنفاق على تعليم هذا الولد الجاوي الفقير، في محاولة لرد جميل إنقاذ حياة ابنه، وهو الأمر الذي زاد من توطيد علاقة ابنه بأوروخ خلال سنوات التعليم.
تستولي البحيرة السوداء التي لقي والد أوروخ فيها مصرعه، على مكانة رمزية خاصة في السرد، فهي البحيرة التي يخشاها الأطفال بسبب الموروثات التي تحكي عن اختباء الأرواح الشريرة بها، ثم تصير مسرحاً درامياً لإنقاذ حياة الصبي الهولندي، وفقد عائلة أوروخ لوالدهم، فهي السر والحياة والموت والخوف والجمال في آن واحد.
تمر أيام الطفولة وتبدأ الفجوة بين الصديقين في الاتساع تدريجياً، ما بين شعب أصلي وآخر مستعمر، يمُر «أوروخ» بتحولات نفسية شتى، بداية من الانسلاخ من هويته في محاولة لتقمص الهوية الأوروبية، ثم يتحوّل إلى الطرف النقيض حيث يقرر الانضمام للطلاب الثوريين ضد الاستعمار، وضد ذوي البشرة البيضاء «ازداد اندهاشي بمرور الدقائق، إذ تبين أن الجو الجديد الذي يعيش فيه أوروخ مع الطلاب الثوريين والشباب المحرضين قد جعل منه خطيباً فصيح اللسان».
تتحوّل مساحة الصداقة إلى ساحة صدام شرسة، يكون تأثيرها فيهما أعمق من كل ذكريات الطفولة، حتى أن الراوي الهولندي الذي عاش معظم حياته في جاوة، رافضاً الانتقال لهولندا، لم يعد قادراً على تفادي تأثير رفض أوروخ له الذي بات يراه ويخاطبه باعتباره رمزاً للاستعمر: «تعمدتم أن يبقى الناس القرويون، الشعب العادي جهلاء، كان من مصلحتكم أن تمنعوا الناس من تطوير أنفسهم. لكن ذلك أصبح في عداد الماضي».
يتمزق البطل بين كيان جاوي وهُوية هولندية، فقد شبّ في جاوة طفلاً كاد يفقد حياته في البحيرة السوداء، يقفز فوق صخور الأنهار، حتى يرى نفسه على مرمى رصاص صديقه أوروخ، يُعيد تساؤلاته مراراً عن معنى أوروخ في حياته، على مرأى ومسمع من الطبيعة الخلابة التي انطبعت في خلاياه: «رأيت عبر النوافذ المفتوحة النجوم المتألقة وراء أغصان شجرة التين البنغالي. تنبعث من حولي الأصوات الخاصة بالليل في الهند الشرقية التي آلفها وآنس إليها، لكنني شعرت مع ذلك أنني غريب بطريقة أو بأخرى. سمعت أوروخ وعبد الله يتحدثان بخفوت في الغرفة المجاورة. اكتمل الانفصال بين عالمهما وعالمي». تشغل اللغة الوصفية الحالمة في «البحيرة السوداء» جانباً أصيلاً في السرد، وتطور حبكته، ولا تستعين بها هيلا هاسه كمُفردات زُخرفية لإضفاء طلاوة على النص وحسب، بقدر ما تدفع به عبر هذا التوظيف تجاه مزيد من التفاعل مع حالة الأبطال الشعورية، وكذلك هو الحال بالنسبة لماهية المكان بالنسبة لها، فالمكان في الرواية طاقة شعورية منفتحة على تحولات الأبطال وتطور عالمهم، يقول البطل الهولندي في محاولة لبلوغ نقطة التقاء مع هويته الحقيقية: «لو صح أن لكل إنسان مشهداً طبيعياً خاصاً بروحه، جواً معيناً تهتز له أقصى الأركان في كيانه، فإن مشهدي الطبيعي كان ولا يزال منظر المُتحدرات الجبلية في (بريانجر)، الرائحة المنبعثة من شجيرات الشاي، خرير المياه المتصاعد من الجداول النقية التي تجري فوق الصخور، لم أدرك أن شوقي إلى هذه الأشياء كلها يمكن أن يبلغ هذا العمق إلا في السنوات التي استحال فيها كل شكل من أشكال التواصل والعودة».



«جوي أووردز» تحتفي بالفائزين بجوائزها في الرياض

الأميركي ماثيو ماكونهي يحمل «جائزة شخصية العام» خلال حفل «جوي أووردز» (موسم الرياض)
الأميركي ماثيو ماكونهي يحمل «جائزة شخصية العام» خلال حفل «جوي أووردز» (موسم الرياض)
TT

«جوي أووردز» تحتفي بالفائزين بجوائزها في الرياض

الأميركي ماثيو ماكونهي يحمل «جائزة شخصية العام» خلال حفل «جوي أووردز» (موسم الرياض)
الأميركي ماثيو ماكونهي يحمل «جائزة شخصية العام» خلال حفل «جوي أووردز» (موسم الرياض)

بحضورٍ لافت من الشخصيات البارزة والمرموقة في عالم الفن والموسيقى والرياضة وصناعة الترفيه، أقيم مساء السبت، حفل تتويج الفائزين بالنسخة الخامسة لجوائز «جوي أووردز» (Joy Awards) لعام 2025 في العاصمة السعودية الرياض.

وبعد مشاركة واسعة وإقبال غير مسبوق من الجمهور في مرحلة التصويت، توافد نجوم عرب وعالميون إلى مقر الحفل الذي احتضنته منطقة «anb Arena»، ضمن فعاليات «موسم الرياض»، حيث انضموا بعد المرور على السجادة الخزامية إلى ‏ليلة استثنائية، في أكبر وأهم حفل للجوائز الفنية العربية بالمعايير العالمية.

ومنذ الساعات الأولى من الحدث، وصل نخبة من فناني ونجوم العالم، تقدّمهم الممثل والمنتج العالمي أنتوني هوبكنز، وصانع الأفلام الأميركي مايك فلاناغان، والممثل التركي باريش أردوتش، وأسطورة كرة القدم الفرنسي تييري هنري، وغيرهم.

توافد نجوم الفن إلى مقر حفل «جوي أووردز» في الرياض (هيئة الترفيه)

وواكب وصول النجوم عزف حي وعروض فنية في الرواق، بينما امتلأت باحة الاستقبال بالجماهير التي حيّتهم، وأبدى الضيوف سرورهم بالمشاركة في الحدث الاستثنائي الذي يحتفي بالفن والفنانين.

وأكد فنانون عرب وعالميون، لحظة وصولهم، أن الرياض أصبحت وجهة مهمة للفن، ويجتمع فيها عدد كبير من النجوم، لتكريم الرواد والمميزين في أداءاتهم وإنتاجهم، وتشجيع المواهب الواعدة التي ينتظرها مستقبل واعد في السعودية.

وانطلقت الأمسية الاستثنائية بعرضٍ مميز لعمالقة الفن مع المغنية والممثلة الأميركية كريستينا أغيليرا، وقدَّم تامر حسني ونيللي كريم عرضاً غنائياً مسرحياً، تبعه آخرَان، الأول للموسيقي العالمي هانز زيمر، وجمع الثاني وائل كفوري مع الكندي مايكل بوبليه، ثم عرض للأميركي جوناثان موفيت العازف السابق في فرقة مايكل جاكسون، قبل أن تُختَتم بـ«ميدلي» للمطرب التركي تاركان.

المغنية كريستينا أغيليرا خلال عرضها في حفل «جوي أووردز» (هيئة الترفيه)

وشهد الحفل تكريم الراحل الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن الذي ترك بصمته الكبيرة في عالم الفن بـ«جائزة صُنَّاع الترفيه الماسيَّة»، تسلّمها نجله الأمير خالد، قبل أن يُقدِّم المغني الأوبرالي الإيطالي الشهير أندريا بوتشيلي مقطوعة موسيقية كلاسيكية إهداء للراحل، و«ديو» جمعه مع فنان العرب محمد عبده.

وتُوِّج رائد السينما السعودية المُخرِج عبد الله المحيسن، والفنان عبد الله الرويشد، والموسيقار بوتشيلي، والممثل مورغان فريمان، والموسيقي هانز زيمر، والمخرج الكوري جي كي يون، والفنان ياسر العظمة، والمُخرِج محمد عبد العزيز بـ«جائزة الإنجاز مدى الحياة»، والممثل الأميركي ماثيو ماكونهي بـ«جائزة شخصية العام»، والمخرج العالمي جاي ريتشي، والممثل الهندي هريثيك روشان، والمصمم اللبناني زهير مراد بـ«الجائزة الفخرية».

الفنان ياسر العظمة يلقي كلمة بعد تكريمه بـ«جائزة الإنجاز مدى الحياة» (هيئة الترفيه)

كما تُوِّج بـ«جائزة صُنّاع الترفيه الفخرية» الممثلة مريم الصالح، والممثلين إبراهيم الصلال، وسعد خضر، وعبد الرحمن الخطيب، وعبد الرحمن العقل، وعلي إبراهيم، وغانم السليطي، ومحمد الطويان. وقدّمها لهم سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي.

وفاز في فئة «المسلسلات»، سامر إسماعيل بجائزة «الممثل المفضَّل» عن دوره في «العميل»، وهدى حسين بـ«الممثلة المفضّلة» عن «زوجة واحدة لا تكفي»، والعنود عبد الحكيم بـ«الوجه الجديد المفضّل» عن «بيت العنكبوت»، و«شباب البومب 12» بـ«المسلسل الخليجي المفضَّل»، و«نعمة الأفوكاتو» بـ«المسلسل المصري المفضَّل»، و«مدرسة الروابي للبنات 2» بـ«المسلسل المشرقي المفضَّل».

أما في فئة «الإخراج»، ففازت رشا شربتجي بجائزة «مخرج المسلسلات المفضَّل» عن عملها «ولاد بديعة»، وطارق العريان بـ«مخرج الأفلام المفضَّل» عن «ولاد رزق 3: القاضية».

حفل استثنائي لتتويج الفائزين بجوائز «جوي أووردز» في الرياض (هيئة الترفيه)

وضمن فئة «السينما»، فاز هشام ماجد بجائزة «الممثل المفضَّل» عن دوره في «إكس مراتي»، وهنا الزاهد بـ«الممثلة المفضَّلة» عن «فاصل من اللحظات اللذيذة»، و«ولاد رزق 3: القاضية» بـ«الفيلم المفضَّل».

وفاز في فئة «الرياضة»، اللاعب سالم الدوسري كابتن فريق الهلال السعودي بجائزة «الرياضي المفضَّل»، ولاعبة الفنون القتالية السعودية هتان السيف بـ«الرياضيِّة المفضَّلة».

أما فئة «المؤثرين»، ففاز أحمد القحطاني «شونق بونق» بجائزة «المؤثر المفضَّل»، ونارين عمارة «نارين بيوتي» بـ«المؤثرة المفضَّلة».

وضمن فئة «الموسيقى»، تقاسَمت «هو أنت مين» لأنغام، و«هيجيلي موجوع» لتامر عاشور جائزة «الأغنية الأكثر رواجاً»، وذهبت «الأغنية المفضَّلة» إلى «الجو» لماجد المهندس، وفاز عايض بـ«الفنان المفضَّل»، وأصالة نصري بـ«الفنانة المفضَّلة»، وراكان آل ساعد بـ«الوجه الجديد المفضَّل».

الرياض وجهة مهمة للفن والرياضة تجمع كبار نجوم العالم (هيئة الترفيه)

وكتب المستشار تركي آل الشيخ رئيس هيئة الترفيه، في منشور على منصة «إكس» للتواصل الاجتماعي: «بدعم مولاي الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو سيدي ولي العهد عراب الرؤية وقائدنا الملهم (الأمير محمد بن سلمان) اليوم نشهد النجاح الكبير لحفل توزيع جوائز جوي أووردز 2025».

وتعدّ «جوي أووردز»، التي تمنحها هيئة الترفيه السعودية، واحدةً من أرقى الجوائز العربية، وتُمثِّل اعترافاً جماهيرياً بالتميُّز في الإنجازات الفنية والرياضية ومجالات التأثير. ويُقدِّم حفلها أحد المشاهير الذي يمثل قيمة جماهيرية لدى متابعيه من جميع أنحاء العالم.

وشهدت جوائز صُنّاع الترفيه في نسختها الخامسة، منافسة قوية في مختلف فئاتها التي تشمل «السينما، والمسلسلات، والموسيقى، والرياضة، والمؤثرين، والإخراج»، مع التركيز على أهم الأعمال والشخصيات المتألقة خلال العام.

وتُمنح لمستحقيها بناء على رأي الجمهور، الأمر الذي صنع منها أهمية كبيرة لدى مختلف الفئات المجتمعية التي يمكنها التصويت لفنانها أو لاعبها المفضل دون أي معايير أخرى من جهات تحكيمية.