السوريون يعالجون أنفسهم في المنازل بعيداً عن تخبط القطاع الصحي الرسمي

عامل يعقم السيارات في مدينة حلب الثلاثاء (أ.ف.ب)
عامل يعقم السيارات في مدينة حلب الثلاثاء (أ.ف.ب)
TT

السوريون يعالجون أنفسهم في المنازل بعيداً عن تخبط القطاع الصحي الرسمي

عامل يعقم السيارات في مدينة حلب الثلاثاء (أ.ف.ب)
عامل يعقم السيارات في مدينة حلب الثلاثاء (أ.ف.ب)

بعيداً عن النظام الصحي الحكومي والأرقام الرسمية، يعالج المصابون بفيروس «كورونا المستجد» في سوريا، المقدّر عددهم بالآلاف أنفسهم في المنازل، وسط واقع صحي ومعيشي قاس جداً، يفتقدون فيه الدواء والكهرباء وحتى الماء، مع استمرار موجة الحر التي تضرب البلاد منذ أسابيع.
وبينما تواصل وزارة الصحة في دمشق تخبطها في مواجهة الانتشار السريع لفيروس «كورونا»، يشيع السوريون يومياً العشرات من المتوفين دون الإعلان عن السبب الحقيقي للوفاة، الذي يرجح كثيرون أنه جرّاء الإصابة بـ«كوفيد - 19»، حيث تجري مراسم الدفن بعيداً عن أي إجراءات خاصة بدفن المصابين بـ«كورونا». وكشف برنامج في التلفزيون الرسمي، بُثّ، مساء أول من أمس، حقيقة الادّعاء بتخصيص خط ساخن لمتابعة الحالات الإسعافية للمصابين بوباء «كورونا»، إذ واجهت المذيعة مسؤولاً في القطاع الصحي بعدم فعالية الخط الساخن، وقامت على الهواء مباشرة بإجراء اتصال بهذا الخط، في الوقت الذي يؤكد فيه المسؤول أن الرد على الخط الساخن يتم بشكل سريع، ودون تأخر. وعندما أحرجته المذيعة بالتأكيد أن الخط مشغول لأكثر من ربع ساعة، رد أن «الخط شغال، وأنا بنفسي بردّ على الاتصال أحياناً»، ثم زوّدها برقم آخر لتتصل به، لتحاول المذيعة بالتعاون مع فريق الإعداد الاتصال من جديد. وبعد تكرار المحاولة مراراً، بدأ الهاتف يرن أخيراً، ولكن دون رد، ليلتفت المسؤول إلى هاتفه ويصدر تعليمات إلى الموظفين بالرد. فما كان من المذيعة إلا أن نبّهته: «شايفتك أنت عم تحاول تخبرهم ليردوا على الخط؟».
وتبدو الأرقام الرسمية لأعداد الإصابات بعيدة عن الواقع، إذ تفيد أرقام وزارة الصحة خلال اليوم الماضيين بتسجيل 15 إصابة في مدينة حلب، و8 في حمص، و7 في طرطوس وحماة، وخمس إصابات في كل من دمشق وريف دمشق والقنيطرة، بينما تم تسجيل 13 حالة شفاء في دمشق وريفها، مقابل وفاتين، واحدة في حمص والثانية في طرطوس. في حين كشفت نقابة الأطباء في دمشق قبل يومين، عن وفاة ثلاثة أطباء يوم الثلاثاء الماضي جراء مخالطتهم لمصابين بكورونا في مكان عملهم، ليترفع عدد الأطباء المتوفين بدمشق جراء الإصابة بالفيروس إلى عشرة أطباء خلال أسبوعين، بينما تنتشر يومياً، وبكثافة على جدران دمشق عشرات النعوات لمتوفين قضوا بالوباء، غالبيتهم من المسنين.
وقال أحد سكان القصاع لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك وفاتين أو ثلاثاً كل يوم في الحي، دون إعلان سبب الوفاة، الذي يُعلم همساً بين أهالي الحي»، وأفاد بوفاة «طبيبين ومهندس ديكور قبل يومين في حي القصاع».
وأغلق مقر نقابة الفنانين المركزي في دمشق، أمس، وحتى نهاية الأسبوع المقبل بعد اكتشاف إصابات بين العاملين. وقد أكّدت النقابة أنها ستتخذ جميع الإجراءات لتعقيم المقر بالكامل، ولن تستقبل أي مراجع دون كمامة بعد استئناف الدوام، حسب ما ذكرته وسائل إعلام محلية. وبدأت شرطة مرور دمشق، يوم أمس (الخميس)، بتطبيق قرار إلزام سائقي وسائل النقل العام بوضع كمامة، وتغريم مَن لا يلتزم منهم بسحب إجازة السياقة.
وسجلت وزارة الصحة، أول من أمس (الأربعاء)، 5 أغسطس (آب) الحالي، أكبر حصيلة لأعداد المصابين منذ بدء نشر أرقام المصابين بفيروس «كورونا»، في مارس (آذار) الماضي، التي بلغت نحو 52 إصابة في مناطق سيطرة النظام. من جهتها، أكّدت مصادر طبية غير رسمية في دمشق أن الأعداد الحقيقية للإصابات أضعاف مضاعفة، متوقّعة قياساً إلى تسارع انتشار الوباء، أن يصاب 75 في المائة من السوريين بـ«كوفيد - 19» مع حلول شهر سبتمير المقبل، مع الإشارة إلى أن الغالبية العظمى من الإصابات لا تسجّل بسبب عدم الخضوع للتحاليل اللازمة بسبب النقص الشديد في معدّات الوقاية. وقالت المصادر إن كثيراً من الحالات تعالج على أنّها إصابة بـ«كورونا»، لمجرد الشك مع ظهور أحد الأعراض، والعكس صحيح.
بدورها، قالت أستاذة جامعية بدمشق مصابة بفيروس «كورونا» عبر الهاتف لـ«الشرق الأوسط» إنها وثلاثة من أشقائها مصابون بالوباء، ويخضعون للعلاج في المنزل تحت إشراف أطباء أصدقاء عبر الهاتف. وأكدت أنهم لم يجروا تحليل «بي سي آر»، وإنما تم تشخيص حالتهم في إحدى العيادات. كما أفادت بإصابة نحو عشرة من زملائها الذين يلتقون العلاج في المنزل، ما عدا حالة إصابة واحدة أُدخلت المستشفى، وتوفيت يوم أمس (الخميس).
ويعاني القطاع الصحي في سوريا من نقص حاد في جميع المستلزمات الطبية جراء الحرب والعقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على النظام السوري، في وقت تكتظ فيه المشافي بالمصابين، حيث امتلأ مشفى الزبداني ومشفى قطنة بريف دمشق اللذان خصصتهما الحكومة لاستقبال حالات «الكورونا»، كما تغص أقسام العزل في مشافي ابن النفيس والمجتهد والمواساة والأسد الجامعي، وتعجز عن استقبال المزيد من الحالات.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.