سنوات السينما: الانفجار

من {الانفجار}
من {الانفجار}
TT

سنوات السينما: الانفجار

من {الانفجار}
من {الانفجار}

«الانفجار» (جيد) (1982)
قبل الانفجار الكبير

مرّ المخرج الراحل رفيق حجار (1947 - 2014) كسحابة تعد بمطر غزير لكنها تعبر السماء بزخات متفرقة لا تشي لا بحقيقة أحلام وطموحات المخرج ولا بما كان ينتظره المتابع منه فيما لو استطاع السيطرة على ظروفه الخاصة التي أودت بمساعيه بعيداً عما خطط لنفسه.
رفيق حجّار كان شخصاً شفّافاً تستطيع أن ترى من خلاله ما وراءه. شخصيته لا تحجب النظر عن سواها ولا تكتنز في داخلها غير ما تعلنه. ذلك النوع من البشر الذي قد تفضل الجلوس معهم كل يوم حتى لو اضطررت لتكرار الأحاديث والأحلام ذاتها.
كان ممن انطلقوا في درب السينما التسجيلية في لبنان. حقق ما بين 1973 وحتى نهاية ذلك العقد خمسة عشر عملاً من هذا النوع التسجيلي (معظمها قصير) ثم، وبعد معاناة البحث عن تمويل كاف، تحقق فيلمه الروائي الأول «الملجأ» سنة 1981 وكان عليه أن يعاني من البحث المضني عن التمويل لفيلمه الثاني «الانفجار» ثم بحث عن تمويل فيلمه الثالث «بيوت من ورق».
كان «الانفجار» محاولة لقراءة بدايات الحرب الأهلية اللبنانية. المشوار الطويل من إخفاقات السياسية للاتفاق على لبنان الواحد الذي يخضع كل من فيه للقانون ذاته والذي ينصهر كل مواطنيه لإنجاز الحلم اللبناني الجميل الذي لم يتحقق حتى الآن. هو فيلم عن الحب الصعب بين فتاة من دين وفتى من دين آخر في وطن ممزق أصلاً بالكثير من التقاليد والأمراض الاجتماعية وكيف حاول الاثنان مواجهة الاختلافات الدينية والعقائدية بالسعي لتأكيد حقهما في حياة أفضل خارج تلك التقاليد.
في منحاه هو فيلم لمثاليات كان المخرج حجّار يؤمن بها. هذا في مقابل ما أنجزه في فيلمه السابق «الملجأ» الذي كان عن ظرف محدود أكثر مما كان حول وضع عام. بكتابة وتحقيق فيلم يعكس مثالياته وتمنياته غمس المخرج في أرض الواقع وسعى لكشفه. فلجانب هاتين الشخصيّتين، يتطرق الفيلم لمسائل ساخنة أخرى مثل الديمقراطية وحرية الصحافة والاستغلال الطبقي وجرائم الأخذ بالثأر دون أن يبتعد عن القصة العاطفية في كل ذلك.
حسناته أنه تطرق إلى تلك المسائل في عناد ووضوح. رغم ذلك فإن مشاكل الفيلم جاءت غالبة وعلى أكثر من جانب قد يبدو كل منها على حدة غير قادر على التأثير على العمل لكنها مجتمعة كبّلت المحاولة وبلوغها لنجاح فعلي.
هناك الحوار الذي كان من الأفضل لو أن المخرج حافظ فيه على فرادة كل شخصية على حدة حتى ولو أدّى به الأمر للاستعانة بكاتب آخر. كما يرد الحوار في الفيلم فإن الشخصيات المتعددة تنطق كلاماً واحداً نتيجة أن الكاتب عمم الحوارات من دون العناية بأن كل شخصية تتحدث بطريقة وباستخدام كلمات معينة دون أخرى حتى ولو اتفقت مع سواها من الشخصيات.
هناك أيضاَ مشاهد كثيرة كان يمكن أن تحذف دون أن تغيّر روح العمل (مثل مشهد التحشيش الذي بدأ مركباً وهامشياً ومثل مشاهد المناجاة المتكررة) مع العلم بأن المخرج أرادها استكمالاً للصورة الشاملة حول الحالة الفردية والاجتماعية التي كانت بيروت عليها عشية الحرب (1975).
على ذلك كله، يتخطى الفيلم في أجزائه الأخيرة مشاكله (التي تبدو وقد أعجبت الجمهور الكبير على كل حال) ويسير متصاعدا معبراً عن تفكك الوطن وخلافاته ولو بوتيرة متسارعة دونما مبرر.
استكمل رفيق حجار مسيرته بمجموعة كبيرة من الأفلام الوثائقية والتسجيلية حقق بعضها في لبنان والبعض الآخر في العراق. هذا كله قبل أن يقرر اللجوء بمواهبه الفنية إلى السعودية حيث عمل طويلاً كمدير تصوير وكمخرج في مجموعة راديو وتلفزيون العرب.


مقالات ذات صلة

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

يوميات الشرق المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا.

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.