«تكتيك جديد» لـ«داعش» يربك المشهد الأمني في العراق

بعد مقتل ثاني قائد عسكري خلال أسبوع

فرقة من الجيش العراقي تطارد فلول «داعش» (حساب وزارة الدفاع العراقية على {تويتر})
فرقة من الجيش العراقي تطارد فلول «داعش» (حساب وزارة الدفاع العراقية على {تويتر})
TT

«تكتيك جديد» لـ«داعش» يربك المشهد الأمني في العراق

فرقة من الجيش العراقي تطارد فلول «داعش» (حساب وزارة الدفاع العراقية على {تويتر})
فرقة من الجيش العراقي تطارد فلول «داعش» (حساب وزارة الدفاع العراقية على {تويتر})

بعد مضي أقل من عشرة أيام على مقتل أحد قادة ألوية الجيش العراقي في قاطع الطارمية شمالي العاصمة بغداد، قتل في ساعة متأخرة من ليل أول من أمس (الثلاثاء) آمر لواء آخر في قضاء هيت (170 كيلومتراً غرب بغداد). كلا العمليتين تبناها تنظيم «داعش» الذي هُزم عسكرياً أمام القوات العراقية أواخر عام 2017، وبعد شهور من تلك الهزيمة التي أنهت ما سماه «دولة الخلافة» عند احتلاله الموصل خلال شهر يونيو (حزيران) عام 2014، عاود أنشطته المختلفة فيما تسمى «مناطق التمكين»، لا سيما غرب وشمال غربي العراق.
العملية الأخيرة التي استهدفت العميد الركن أحمد عبد الواحد اللامي، آمر «اللواء 29» في الجيش العراقي عند نقطة تفتيش في قضاء هيت الذي خضع لسنوات لاحتلال «داعش» تبناها التنظيم. هذه العملية جاءت بعد أيام من مقتل اللواء علي غيدان الخزرجي أمر «اللواء 59» في الجيش العراقي، في قضاء الطارمية الذي لا تزال فيه للتنظيم خلايا نائمة، علماً بأن «داعش» لم يتمكن من احتلال قضاء الطارمية، رغم وصوله إلى أطراف القضاء في عام 2014.
خلية الإعلام الأمني الحكومية، أعلنت في بيان لها نعي القيادة العامة للقوات المشتركة للقائد المذكور، مبينة أن «العملية التي طالت العميد الركن أحمد عبد الواحد محمد اللامي، آمر (اللواء 29) فرقة المشاة السابعة، تمت أثناء تعقبه مجموعة إرهابية»، موضحة أن ضابطاً آخر برتبة ملازم أول قتل أيضاً مع أفراد آخرين.
مفاجأة أخرى فجَّرها «داعش»، هي انفجار عبوة ناسفة كانت موضوعة داخل سيارة ركاب متوسطة من نوع «كيا»، أدت بحسب بيان حكومي إلى جرح 5 أشخاص. وطبقاً للبيان فإن المكان الذي وقع فيه الانفجار بالقرب من ساحة الطيران التي شهدت خلال الأيام الأخيرة مواجهات عنيفة بين المتظاهرين والقوات الأمنية، أدت إلى مقتل 3 متظاهرين.
يأتي انفجار العبوة الناسفة في السيارة بعد فترة هدوء لعدة شهور، لم تشهد فيها العاصمة بغداد أي انفجارات بالعبوات أو الأحزمة الناسفة. ومع تجدد عمليات استهداف القادة العسكريين الكبار في الجيش العراقي، فضلاً عن العبوة الناسفة، فإن كل المؤشرات تؤكد أن تنظيم «داعش» ربما يكون قد بدأ تكتيكاً جديداً لمواجهة القوات العراقية، مستغلاً كالعادة استمرار الخلافات السياسية في البلاد.
وفي هذا السياق، يقول الدكتور معتز محيي الدين، الخبير الاستراتيجي ومدير المركز الجمهوري للدراسات الأمنية والسياسية لـ«الشرق الأوسط»، إن «تنظيم (داعش) يحاول من خلال هذه العمليات تعويض ما كان قد خسره، وهو بذلك من خلال أسلوب قتال جديد يسعى للعودة إلى ما قبل مرحلة 2014. وذلك في المناطق الحدودية والمناطق التي كانت تحت سيطرته، وليس من أجل ما يصفه البعض من أجل أرض التمكين، وإنما من خلال تعزيز أوضاعه، ولا سيما مصادر التمويل الذاتي، وتجنيد عناصر داخل القوات الأمنية، والانتقال من العمليات التعرضية إلى عمليات نوعية».
وأضاف أن «تنظيم (داعش) بذلك يرى أن الأزمة الصحية نتيجة وباء (كورونا) صبت كثيراً في مصلحته داخل العراق؛ حيث أوجدت له خواصر هشة، من منطلق أن القوات الأمنية انسحبت من المناطق المفتوحة وأطراف المدن نحو المناطق المكتظة بالسكان داخل المدن؛ حيث إن هذا الخلل رصده التنظيم، وبدأ يشن هجمات على عدد من المدن والقرى، وأخيراً الطارمية وهيت، علماً بأن كلتا المنطقتين مسيطر عليها أمنياً».
وأوضح محي الدين أن «لهذا دلالات مهمة، وهي أن الأجهزة الأمنية مخترقة استخبارياً من قبل مسلحي (داعش)؛ حيث إن من بين الأسئلة المطروحة: كيف وصل التنظيم إلى مثل هذه الرتب العسكرية الرفيعة وتصفية هؤلاء القادة؟ هذا يعني أن هناك خللاً كبيراً؛ حيث يعرف (الدواعش) تحركات هؤلاء الضباط من بدايتها حتى وقوع الحوادث، علماً بأن هؤلاء القيادات العسكرية لديهم حمايات كبيرة، وبالتالي فإن السؤال يبقى مطروحاً: أين حمايات هؤلاء حيال مثل هذه العمليات النوعية؟».
وأشار محي الدين إلى أن «خطورة الصراعات السياسية على الملف الأمني، وعدم اتخاذ إجراءات فاعلة للحد من نشاط التنظيم الإرهابي، يدلان على أن هناك إهمالاً حكومياً بالملف الأمني مقابل الانشغال بالصراع السياسي، مما سيحقق مكاسب للتنظيم، وهو ما حدث أيضاً على صعيد بدء التنظيم مرحلة جديدة، وهي زرع العبوات الناسفة في سيارات الركاب. وهذا تطور خطير آخر»، لافتاً إلى أن «ذلك يدل على أن التنظيم بات قادراً على الوصول إلى مناطق داخل العاصمة، بعد أن حصل على إمكانيات مادية وقدرات تنظيمية، الأمر الذي يؤكد أهمية تعزيز البعد الاستخباري بالدرجة الأولى».


مقالات ذات صلة

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

المشرق العربي فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا تدخل منبج (إعلام تركي)

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

يبحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تركيا الجمعة التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا اللفتنانت جنرال فيض حميد (منصة إكس)

بدء محاكمة الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الباكستانية

بدأ الجيش الباكستاني محاكمة الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الباكستانية، في خطوة من المحتمل أن تؤدي إلى تفاقم التحديات القانونية ضد رئيس الوزراء السابق المسجون.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
أوروبا أمرت النيابة العامة الفيدرالية بألمانيا باعتقال رجل يشتبه في كونه عضواً بجماعة «حزب الله» اللبنانية بهانوفر حيث يُعتقد أنه يعمل لصالحها داخل ألمانيا (د.ب.أ)

ألمانيا: إيداع سوري مشتبه في تعاطفه مع «داعش» بالحبس الاحتياطي

بعد عملية واسعة النطاق نفذتها الشرطة البافارية الأحد تم إيداع شخص يشتبه في أنه من المتعاطفين مع «تنظيم داعش» قيد الحبس الاحتياطي.

«الشرق الأوسط» (ميونيخ - شتوتغارت )
آسيا شرطي يراقب أفراداً من الأقلية المسيحية الباكستانية وهم يستعرضون مهاراتهم في الاحتفال بأعياد الميلاد على أحد الطرق في كراتشي بباكستان 8 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)

باكستان: مقتل شخصين يحملان متفجرات بانفجار قرب مركز للشرطة

انفجرت عبوة ناسفة كان يحملها مسلحان مشتبه بهما على دراجة نارية في جنوب غربي باكستان، بالقرب من مركز للشرطة، الاثنين.

«الشرق الأوسط» (كويتا (باكستان))
أفريقيا وزير الدفاع الجديد تعهّد بالقضاء على الإرهاب في وقت قريب (وكالة أنباء بوركينا فاسو)

بوركينا فاسو: حكومة جديدة شعارها «الحرب على الإرهاب»

أعلن العسكريون الذين يحكمون بوركينا فاسو عن حكومة جديدة، مهمتها الأولى «القضاء على الإرهاب»، وأسندوا قيادتها إلى وزير أول شاب كان إلى وقت قريب مجرد صحافي.

الشيخ محمد (نواكشوط)

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.