«كورونا» تتوّج الكوارث السورية بسوء معاملة المصابين بالمرض... الأحياء منهم والأموات

المستشفيات تمتنع عن استقبال حالات الإسعاف والكوادر الطبية تشكو عدم توافر وسائل الحماية

عامل في مجال الصحة يقيس درجة حرارة طفل سوري في مخيم للنازحين  في شمال غربي سوريا (أرشيفية - رويترز)
عامل في مجال الصحة يقيس درجة حرارة طفل سوري في مخيم للنازحين في شمال غربي سوريا (أرشيفية - رويترز)
TT

«كورونا» تتوّج الكوارث السورية بسوء معاملة المصابين بالمرض... الأحياء منهم والأموات

عامل في مجال الصحة يقيس درجة حرارة طفل سوري في مخيم للنازحين  في شمال غربي سوريا (أرشيفية - رويترز)
عامل في مجال الصحة يقيس درجة حرارة طفل سوري في مخيم للنازحين في شمال غربي سوريا (أرشيفية - رويترز)

أوضح مقطع فيديو مسرب طريقة تعامل بعض كوادر المستشفيات الحكومية في سوريا مع جثامين المتوفين تأثراً بفيروس كورونا، إذ ظهر عمال في أحد المستشفيات ينقلون جثة من الصندوق وأحدهم يوجه السباب والشتائم البذيئة إلى المتوفى. كما ظهر أعضاء الكادر بلباس عادي، على عكس ما سبق أن صرح به رئيس الطب الشرعي في جامعة دمشق حسين نوفل، عن وجود فريق حكومي مجهز بلباس خاص يبقى مع المتوفى من التغسيل حتى الدفن.
ويدفن المتوفون نتيجة الإصابة بفيروس كورونا في مقبرة الغرباء، بمنطقة نجها بريف دمشق حصراً «منعاً لانتشار الفيروس في الأماكن السكنية. كما لا يمكن دفن أي ميت دون تقرير طبي من طبيب مختص، مع تصديق التقرير من نقابة الأطباء»، وفق تصريح مدير مكتب دفن الموتى فراس إبراهيم لإذاعة محلية.
مقطع الفيديو الذي تم تداوله على نطاق واسع بين السوريين عبر السوشيال ميديا زاد حالة التخبط والذعر التي يعيشها السوريون جراء سوء المعاملة مع المصابين بفيروس كورنا، الأحياء منهم والأموات. ومما زاد الرعب، التصاعد المتسارع في أعداد الإصابات المسجلة رسمياً منذ نحو أسبوع، إذ يسجل يومياً ما بين 23 و24 إصابة. كما تزايدت أعداد الوفيات عل نحو غير مسبوق، وهي التي يُشك في أنها جراء الإصابة بالفيروس، دون التأكد من ذلك، حسب ما أفادت به تصريحات إعلامية سابقة لفراس إبراهيم، من أنه لوحظ ازدياد عدد الوفيات منذ 10 يوليو (تموز) بسبب فيروس كورونا، أو «وفيات ناجمة عن أعراض شبيهة بالفيروس لم يتم التأكد منها».
وتشير إحصاءات وزارة الصحة السورية إلى إن حصيلة الإصابات المسجلة في البلاد حتى يوم الاثنين وصل إلى 674 إصابة، مقابل شفاء 10 حالات، ووفاة حالتين، ليرتفع عدد الوفيات بفيروس كورونا منذ مارس (آذار) الماضي إلى 40 وفاة، فيما بلغ عدد المتعافين 210. وتنال دمشق النصيب الأكبر من الإصابات، وتوزع عدد المصابين المسجلين يوم الاثنين على النحو الآتي: 14 في دمشق، و8 في ريف دمشق، وواحد في درعا، وواحد في القنيطرة. أما توزع العدد الإجمالي، فكان: دمشق 368 إصابة، وريف دمشق 141، والقنيطرة 36، وحلب 30، واللاذقية 29، والسويداء 16، وحماة 10، وحمص 10، ودرعا 9، وطرطوس إصابة واحد.
وتجدر الإشارة إلى أن الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة لا تعبر عن الأرقام الواقعية لانتشار فيروس كورونا المستجد، مع تزايد أعداد الوفيات التي لا يعلن عنها رسمياً، والتي قدرت بنحو 130 وفاة يومياً. وخلال الأيام القليلة الماضية، نشر كثير من كلمات النعي لمتوفين بكورونا، بينهم شخصيات معروفة، منهم الفنان اللبناني مروان محفوظ الذي توفي في مستشفى «الأسد الجامعي»، خلال زيارته دمشق لإحياء حفلة في دار الثقافة، حسب ما قالته مصادر إعلامية غير رسمية في دمشق. كما توفيت الطبيبة الشابة أروى بيسكي، المشرفة في قسم التعويضات الثابتة بكلية طب الأسنان في جامعة دمشق، ونعتها نقابة الأطباء في دمشق مع طبيبين آخرين، هما غسان تكلة وخلدون الصيرفي، تلاهم الطبيب عزمي فريد، أحد أعضاء جمعية دعم التصلب اللويحي في سوريا الاستشاري في أمراض السكري والتغذية العلاجية، يوم السبت الماضي. كما أعلن عن إصابة رئيس جامعة حلب الذي نُقل يوم الاثنين إلى مستشفى جراحة القلب ليتلقى الرعاية الطبية، فيما نعت قناة الإخبارية الرسمية يوم الاثنين رئيس تحريرها خليل محمود، دون ذكر سبب الوفاة، فيما أكد معارفه أنه توفي جراء إصابته بفيروس كورونا.
وانتشر الفيروس بشكل كبير منذ يونيو (حزيران) الماضي، وسُجلت إصابات بين أعضاء الكوادر الطبية في مستشفى المواساة والأسد الجامعي بدمشق، إضافة إلى إصابة أحد أعضاء قيادة فرع ريف دمشق لحزب البعث، وعدد من الطلاب في كليات الطب البشري وطب الأسنان والاقتصاد بجامعة دمشق، فضلاً عن عشرات المدنيين في التل والقلمون والغوطة الشرقية وجرمانا.
ولوحظ أن أعمار المتوفين لم تقتصر على كبار السن أو الكهول ممن لديهم سوابق مرضية، فقد سجلت وفاة 3 حالات لأعمار 33 و36 و39 عاماً، وليس لديها سوابق مرضية، بحسب مصادر طبية في دمشق. كما لوحظ تغير أعراض الإصابة في سوريا في الموجة الحالية عن المسجلة في الموجة السابقة، المتمثلـة بارتفـاع الحرارة والسـعال الجـاف وضـيق التنفـس. فقد قال الدكتور نبوغ العوا، عميد كلية الطب في دمشق، إن الفيروس «أعطى أعراضاً جديدة، وغير فترة الحضانة التي كانت 10 أو 12 يوماً، وأصبحت 4 أو 5 أيام. أما الأعراض، فأصبحت فقدان الشم والتذوق... وإذا فحصنا الأنف في حالة الإصابة بفيروس الكورونا، نجد أن المنطقة الشمية بأعلى الأنف لونها أبيض وكأنها متليفة مضمحلة، وتحتاج حاسة الشم إلى 15 أو 20 يوماً حتى تعود لحالتها الطبيعية بالتدريج. ومن الأعراض أيضاً الآلام الهضمية والإسـهال والطفح الجلدي والآلام المفصليـة التي تحدث عقب إجراء تـمارين رياضية قاسية».
ويواجه السوريون الانتشار المتسارع للفيروس بنظام صحي متهالك، ونقص شديد في المسحات اللازمة لكشف الإصابة بفيروس كورونا في دمشق، إضافة للعوز الشديد في وسائل الوقاية والكمامات. وعلمت «الشرق الأوسط» من كوادر طبية أن بعض الأطباء والممرضين باتوا يتهربون من القيام بواجباتهم في المستشفيات الحكومية، لعدم توافر كمامات لهم. كما لفتت المصادر إلى أن المستشفيات والمستوصفات في دمشق باتت بؤراً لانتشار الفيروس، وتابعت: «حتى أن الأطباء المقيمين في المستشفيات الحكومية يخرجون لشراء سندويتش، ويختلطون بالناس في الشارع ومحلات الأطعمة، من دون وضع كمامات، ثم يعودون إلى مزاولة عملهم».
وتكتظ مستشفيات دمشق الخاصة والحكومية بأعداد المصابين بالفيروس، إلى حد باتت تمتنع فيه عن استقبال الحالات الإسعافية الجديدة. فقد قالت عاملة في القطاع الصحي لـ«الشرق الأوسط» إن قريباً لها، وهو مريض سكري، شك بإصابته بالفيروس، وطلب منها المساعدة، وقد بذلت كل جهدها للتواصل مع الإسعاف السريع في وزارة الصحة، ومنظمة الهلال الأحمر، وكثير من الجهات، لإرسال سيارة إسعاف لنقله إلى المستشفى، إلا أن الجميع رفضوا. كما رفضت المستشفيات استقباله، ولولا التوسط لدى أحد المسؤولين لما أدخل إلى المستشفى الحكومي.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».