وزير الخارجية الفرنسي حمل معه {الإنذار الأخير} إلى المسؤولين اللبنانيين

لبنانية تلتقط صورة سيلفي مع الوزير لودريان خلال زيارته أمس لإحدى المدارس قرب بيروت بعد وعده بمساعدات للقطاع التعليمي بـ17 مليون دولار (أ.ب)
لبنانية تلتقط صورة سيلفي مع الوزير لودريان خلال زيارته أمس لإحدى المدارس قرب بيروت بعد وعده بمساعدات للقطاع التعليمي بـ17 مليون دولار (أ.ب)
TT

وزير الخارجية الفرنسي حمل معه {الإنذار الأخير} إلى المسؤولين اللبنانيين

لبنانية تلتقط صورة سيلفي مع الوزير لودريان خلال زيارته أمس لإحدى المدارس قرب بيروت بعد وعده بمساعدات للقطاع التعليمي بـ17 مليون دولار (أ.ب)
لبنانية تلتقط صورة سيلفي مع الوزير لودريان خلال زيارته أمس لإحدى المدارس قرب بيروت بعد وعده بمساعدات للقطاع التعليمي بـ17 مليون دولار (أ.ب)

قالت مصادر وزارية ونيابية إن وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، حضر إلى بيروت في مهمة خاصة، حاملاً رسالة إلى أركان الدولة من العيار الثقيل من غير الجائز تجاهلها، وقد جاءت بمثابة إنذار أخير، وفيها تحميلهم مسؤولية التلكؤ في تحقيق الإصلاحات الإدارية والمالية التي تعد الممر الإلزامي للوصول في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي إلى نتائج ملموسة تدفع باتجاه دعم خطة التعافي المالي لتفادي الأخطار التي تحيط بلبنان.
ولفتت المصادر إلى أن لودريان لم يحط في بيروت لينقل رسالة باسم الحكومة الفرنسية فحسب، وإنما حمل معه رسالة بالنيابة عن المجتمع الدولي ومجموعة أصدقاء لبنان، محذراً من بلوغ لبنان مرحلة الخطر الشديد، وأن لا مساعدات من دون الإسراع في تحقيق الإصلاحات، ووضعها على الطريق الذي يمكنه من الإفادة من الدعم الدولي من خلال صندوق النقد، خصوصاً أن الرهان على مقررات مؤتمر «سيدر»، وتوظيفها لمساعدته للنهوض من أزماته، ليس في محله لأنها ارتبطت كلياً بمصير التفاوض مع الصندوق، وباتت متلازمة معه.
وكشفت المصادر نفسها لـ«الشرق الأوسط» أن لودريان تحدث مع كبار المسؤولين بلهجة قاسية لم تكن مألوفة من قبل، مستخدماً تعابير فيها كثير من الإنذارات، على خلفية تماديهم في إهدار الفرص التي أُتيحت للبنان لقطع الطريق على تدحرج الانهيارات التي تحاصره، خصوصاً أن الوقت لم يعد يسمح باستمرار تخبط الحكومة وتلكؤها في الاستجابة لدفتر الشروط الذي أعده المجتمع الدولي للسير على طريق الإنقاذ، ولو على مراحل.
ورأت أن عنوان محادثات لودريان مع الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وحسان دياب، ووزير الخارجية ناصيف حتي، كان محصوراً بأمر عمليات دولية، وفيه: عليكم أن تساعدوا أنفسكم ليكون في مقدورنا مساعدتكم، ولا مجال لترف الوقت والدخول في مهاترات يراد منها تصفية الحسابات لأن لبنان يمر في ظروف قاهرة استثنائية تستدعي من جميع الأطراف والقوى السياسية التكاتف، فبلدكم يقترب من الخطر الشديد، وبشكل غير مسبوق.
وأكدت المصادر أن المواقف التي أعلنها لودريان في ختام لقاءاته خلت من الإشادة بالحكومة والحكم على السواء، وحملت انتقادات لعدم استجابتهما لتطلعات الشعب اللبناني الذي انتفض في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فيما خص لودريان البطريرك الماروني بشارة الراعي بلقاء استثنائي لتوجيه رسالة من بكركي، تتضمن تأييد دعوته إلى حياد لبنان لأنه لا سيادة من دون هذا الحياد، إضافة إلى أنه ينظر إلى الراعي، كما علمت «الشرق الأوسط»، على أنه من الركائز الأساسية، ليس لتحقيق التوازن ومنع الإخلال به فحسب، وإنما لدور الكنيسة المارونية في إنقاذ لبنان.
ومع أن المصادر نفسها نفت أن يكون لودريان قد تطرق في لقاءاته مع أركان الدولة إلى مطالبة الراعي بحياد لبنان، فإنه ركز على ضرورة النأي بالنفس، وعدم إقحام لبنان في سياسة المحاور أو في التجاذبات التي تشهدها المنطقة لأن تحييده يأتي في سياق دفتر الشروط الدولية للوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد.
وفي هذا السياق، شدد لودريان على ضرورة مبادرة الحكومة والحكم إلى تصحيح علاقة لبنان بعدد من الدول العربية، وتحديداً تلك التي ساهمت في توفير الدعم لخطة النهوض التي أقرها مؤتمر «سيدر»، إضافة إلى تشديده على التزام فرنسا بتوفير الدعم للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي للحفاظ على الاستقرار، وتمكين الدولة من بسط سلطتها على كامل أراضيها.
كما انتقد لودريان التأخر الذي لا تبرير له، والذي بات يعيق تحقيق الإصلاحات في قطاع الكهرباء، معتبراً أن الخطوات التي اتُّخذت حتى الساعة غير مشجّعة، ومشدداً على استقلالية القضاء بصفتها مدخلاً لتحقيق الإصلاح، ومطالباً بالإسراع بإقرار قانون «كابيتال كونترول» لتأمين التحويلات المالية إلى الخارج، إضافة إلى أن بري تمنى عليه توفير الدعم للجامعة اللبنانية، بصفتها جامعة وطنية لكل اللبنانيين.
أما لماذا لم يجتمع لودريان بالقيادات السياسية غير الرسمية، فقد علمت «الشرق الأوسط» أنه جاء إلى بيروت بمهمة خاصة، وبالتالي حرص على ألا يُقحم مهمته في لقاءات يُفهم منها أنه يتولى الوساطة بينها، ما يفتح الباب للمسؤولين بالتذرع، وعدم الاستجابة للإنذار الذي حمله معه، علماً بأن لزيارته مقر مؤسسة «عامل» في الضاحية الجنوبية أكثر من معنى، لجهة أن ليست هناك مناطق مقفلة في وجه أي موفد فرنسي.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.