رون دي سانتيس...حليف ترمب يحلم بدور أكبر

حاكم فلوريدا الذي ستلعب ولايته دوراً حاسماً في الاقتراع الرئاسي

رون دي سانتيس...حليف ترمب يحلم بدور أكبر
TT

رون دي سانتيس...حليف ترمب يحلم بدور أكبر

رون دي سانتيس...حليف ترمب يحلم بدور أكبر

بعد احتلال ولاية فلوريدا الأميركية المركز الرابع عالمياً في عدد الإصابات بفيروس «كوفيد - 19»، وتسجيلها أيضاً أرقاماً عالية من الوفيات، سُلّط الضوء عليها أخيراً مع تصاعد أهميتها في تقرير مصير المعركة الانتخابية التي يخوضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ومنافسه جو بايدن. فالولاية باتت تُصنَّف من الولايات المتأرجحة، واستطلاعات الرأي فيها تشير إلى صعوبات حقيقية تواجه ترمب، بسبب إدارته ملف الجائحة التي سببت تداعياتها ضرراً اقتصادياً كبيراً على الولاية التي تُعتبر معقل السياحة في الولايات المتحدة.
حظي حاكم ولاية فلوريدا الأميركية الجمهوري رون دي سانتيس، خلال الأسابيع الأخيرة، باهتمام وسائل الإعلام جراء مواقفه وإجراءاته المثيرة للجدل، خصوصاً في مواجهة جائحة «كوفيد - 19».
ولاء دي سانتيس الشديد للرئيس دونالد ترمب، تعود جذوره إلى مسيرته السياسية التي بدأت قبل نحو 10 سنوات في صفوف الحزب الجمهوري. وبعد ذلك كان بين أوائل المنحازين لترمب عند ترشح الأخير للانتخابات الرئاسية عام 2015، ثم تعمَّق ولاؤه له عبر «الحروب» السياسية التي خاضها دفاعاً عن الرئيس، وصولاً إلى إصراره على رفض اتخاذ إجراءات متشددة لمواجهة انتشار الجائحة، وإسراعه في تنفيذ رغبة ترمب «بإعادة فتح الاقتصاد».

دور ترمب في صنع نجوميته
في ديسمبر (كانون الأول) عام 2017 أعلن ترمب أنه سيدعم دي سانتيس إذا ترشح لمنصب حاكم ولاية فلوريدا خلفاً للحاكم السابق ريك سكوت، الذي كانت ستنتهي ولايته في يناير (كانون الثاني) 2018. ولا يسمح القانون بتجديد فترته. وعندما رشح دي سانتيس نفسه للمنصب؛ فإنه شدد على دعم ترمب، وبلغ تملقه له حدّ عرض إعلان يظهر تعليمه أطفاله كيفية «بناء الجدار» (الفاصل عن المكسيك)، وقول: «اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى»، وإلباس أحد أطفاله اللون الأحمر (لون الحزب الجمهوري) مع الشعار نفسه. وذات يوم عندما سُئل عما إذا كان بإمكانه تسمية قضية اختلف فيها مع ترمب، ردّ بأنه لم يجد مشكلة واحدة. وحقاً، كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» في عددها، 30 يوليو (تموز) 2018، أن الدعم الذي تلقته حملة دي سانتيس أظهر قدرة ترمب على صنع «ملك» في دولة ذات اتجاه جمهوري، ولكن أيضاً قدرته على توسيع قاعدة المحافظين بشكل أكبر.
ثم، عندما تفشى فيروس كوفيد - 19» في الولايات المتحدة، رفض رون دي سانتيس إصدار أمر تنفيذي يدعو مواطني ولاية فلوريدا إلى البقاء في منازلهم، «لأن إدارة الرئيس ترمب لم توصِ بذلك». ولكن، مع نهاية مارس (آذار) الماضي، مع بلوغ عدد الإصابات فيها نحو 7 آلاف حالة مؤكدة، اضطر الحاكم الشاب في 1 أبريل (نيسان) إلى إصدار أمر البقاء في المنازل لمدة 30 يوماً مع استثناء الخدمات والأنشطة الأساسية.
وفي التاسع من الشهر نفسه تعرّض لانتقادات حادة إثر تصريحه الخاطئ بأن الوفيات لم تطل مَن هم دون سن الـ25، في دفاع غير مباشر عن صور الشبان والشابات التي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي، وهم يحتفلون ويستجمّون على شواطئ الولاية المشهورة كوجهة سياحية. وهو ما نفته السلطات الصحية في الولاية، وبالتالي، أُجبر على الاعتراف بهذا الخطأ.
وفي يونيو (حزيران) الماضي، رضخ دي سانتيس للضغوط مجدداً، وطلب تكثيف الفحوص الطبية بعد التزايد الكبير في عدد الإصابات، التي بدأت ترتفع بعد أربعة أسابيع تقريباً من بدء فلوريدا رفع الإغلاق وإعادة فتح الاقتصاد. غير لأنه، مع هذا، رفض تحميل المسؤولية لأوامر فتح الولاية، زاعماً أن «ارتفاع الإصابات مرده لزيادة عدد الاختبارات واكتشاف حالات من دون اعراض للمرض، وتفشي الفيروس، خصوصاً، في السجون ومرافق قطاع الزراعة الذي يعمل فيه عمال من أميركا اللاتينية».
أيضاً، أصرّ دي سانتيس على أن لدى فلوريدا ضعفَيْ عدد الأسرة المخصّصة لمرضى الجائحة، وبالتالي لا ضغط عليها، رافضاً إعادة فرض القيود على الأنشطة التجارية والاجتماعية، بحجة أنها غير مسؤولة عن الارتفاع القياسي في عدد الإصابات. ولكن، في منتصف يونيو سجلت فلوريدا ما يقرب من ثلاثة أضعاف عدد الإصابات منذ بداية التفشي، فوصل عدد المصابين يوم الاثنين الماضي (بحسب إحصاءات وزارة الصحة في الولاية) أكثر من 360 ألف إصابة بما في ذلك أكثر من 5 آلاف وفاة.

خسارة فلوريدا... خسارة السباق؟
وسط هذه الأجواء، تصاعدت الانتقادات لدي سانتيس شخصياً، ولإدارة ترمب وللجمهوريين عموماً، بسبب ما اعتُبِر «سوء إدارتهم» لملف التعامل مع الجائحة، الأمر الذي يُخشى أن يتحوّل إلى أحد أبرز العوامل التي قد تساهم في خسارتهم الانتخابات الرئاسية والعامة مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
إذ يؤخذ على «الولايات الجمهورية» أنها هي التي تسجل الآن (باستثناء ولاية كاليفورنيا) أعلى أرقام الإصابات، مقابل تراجعها بشكل حاد وكبير في «الولايات الديمقراطية» التي التزمت باتخاذ إجراءات مشددة لوقاية المواطنين. وراهناً، تسجل ولايات تكساس وجورجيا وأريزونا ونيفادا، مع فلوريدا وغيرها من «الولايات الجمهورية»، غالبية الإصابات الجديدة المؤكدة، ليصل عدد الإصابات في الولايات المتحدة نحو 4 ملايين ووفاة أكثر من 141 ألفاً.
ومع إصرار خبراء الصحة على أن الموجة الثانية من «كوفيد - 19»، المتوقعة في بداية الخريف (أي قبيل إجراء الانتخابات في نوفمبر المقبل) لم تضرب بعدُ، بات الجمهوريون أكثر توتراً من احتمال خسارة ولاياتهم «الحمراء» (أي الجمهورية) التقليدية، وبالأخص فلوريدا وتكساس. وهذا، مع الإشارة إلى أن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى تقدُّم المرشح الديمقراطي جو بايدن على الرئيس ترمب في غالبية هذه الولايات، وبالذات، في فلوريدا، بحسب استطلاع قناة «فوكس نيوز» اليمينية المحسوبة على الجمهوريين. ولذا، يعتقد خبراء الانتخابات أن خسارة فلوريدا وحدها من بين «الولايات الجمهورية»، قد تؤدي إلى خسارة ترمب السباق الرئاسي. ذلك أن هذه الولاية هي ثالث كبرى الولايات من حيث عدد السكان الإجمالي (وأيضاً من حيث حجم الجاليات اللاتينية) بعد كاليفورنيا وتكساس.

التعددية والتنوّع
والحال أن لدى فلوريدا 29 صوتاً في المجمع الانتخابي الذي يختار الرئيس. وهي تُعدّ من أكثر الولايات الأميركية تعدداً عرقياً ودينياً وسياسياً، ويمثل الأميركيون من أصول كوبية فيها أكبر جماعات الضغط، بعد احتضانها مئات آلاف المنشقين والهاربين من نظام فيديل كاسترو اليساري، الذي سيطر على الجزيرة عام 1959. ويسيطر هؤلاء على العديد من المشاريع الاقتصادية والسياحية والكازينوهات وشبكات التهريب التي تعمل في مختلف الولايات امتداداً نحو دول كاريبية ولاتينية عدة.
ثم أنه بسبب طقس فلوريدا شبه الاستوائي، تشكل الولاية أهم مركز تقاعد للعديد من الأميركيين الذين ينقلون سجّلات قيودهم إليها، حاملين معهم أموال التقاعد ومدخّرات العمر، ويتملكون فيها الشقق والمنازل والسيارات الفاخرة. ومع هؤلاء ومنهم، تحتضن ثاني أكبر جالية يهودية في البلاد بعد ولاية نيويورك، وكثيرون منهم انتقلوا إليها أيضاً للتقاعد.
وغني عن القول أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب نقل مكان إقامته وسجله إلى فلوريدا من نيويورك، بعد خلافه السياسي والقضائي مع مسؤوليها على خلفية الدعاوى التي رُفعت ضده في قضايا الضرائب وأعمال مؤسساته وشركاته. وهو يملك فيها اليوم فنادق ومؤسسات ومنتجعاً سياحياً ضخماً يُدعى «مار دي لاغو» يمضي فيه عطلاته الأسبوعية والرسمية، حيث يمارس لعبة الغولف المفضلة لديه، ويعتمده مقراً للقاء كبار مسؤولي إدارته وعدد من الشخصيات الدولية.

بطاقة شخصية
... ولكن مَن هو دون دي سانتيس؟ فمع تمسك حاكم ولاية فلوريدا بخطابه المتشدد وولائه المطلق لترمب، سلطت الأضواء أخيراً على شخصيته ومسيرته الحزبية والسياسية، خصوصاً، وأنه يُعد من «صقور» الجمهوريين الطامحين للعب أدوار قيادية مستقبلاً بسبب صغر سنه نسبياً.
وُلد رونالد «رون» ديون دي سانتيس يوم 14 سبتمبر (أيلول) 1978 في مدينة جاكسونفيل بأقصى شمال شرقي ولاية فلوريدا. وهو كاثوليكي من أصل إيطالي، تزوج عام 2010 من الإعلامية كيسي بلاك ولهما ثلاثة أولاد ويقيمان في بالم كوست، إلى الشمال من مدينة دايتونا بيتش في شمال شرقي فلوريدا.
حصل على شهادة البكالوريوس التاريخ من جامعة ييل العريقة عام 2001. ثم تخرّج بشهادة في القانون، في كلية الحقوق بجامعة عريقة أخرى هي جامعة هارفارد، عام 2005. وعلى الأثر، عمل محامياً، كما خدم ضابطاً في البحرية الأميركية، إلى أن دخل العمل السياسي عضواً في مجلس النواب الأميركي من عام 2013 إلى 2018 عن ولاية فلوريدا. وبات حاكم فلوريدا الـ46 منذ يناير 2019. وما يُذكر أن دي سانتيس - المتحدّر أبوه من أصل إيطالي - ترشح في عام 2016 لعضوية مجلس الشيوخ، لكنه انسحب عندما أعلن السيناتور الحالي ماركو روبيو ترشحه مرة جديدة بعد انسحابه من السباق الرئاسي أمام ترمب عام 2016.
وكما سبقت الإشارة، يُعتبر دي سانتيس من أشد حلفاء الرئيس. وذاع صيته عندما حثه على وقف التمويل وإقفال ملف التحقيقات في التدخل الروسي المفترض في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2017. كما أنه وجه انتقادات قاسية للمحقق الخاص روبرت مولر داعياً للتحقيق معه، ولنائب المدعي العام في وزارة العدل رود روزنشتاين.

أصغر حاكم ولاية

في أغسطس (آب) 2018، خاض دي سانتيس معركة قاسية للفوز بمنصب حاكم فلوريدا أمام منافسه الديمقراطي الأفرو - أميركي أندرو جيلوم، عمدة مدينة تالاهاسي عاصمة الولاية، أسفرت عن فوزه بعد إعادة فرز الأصوات الآلية، ليغدو أصغر حاكم حالي لولاية أميركية في سن 41.
وبالنسبة لتاريخه العسكري، فإنه، عام 2004، بدأ تلقي علومه العسكرية في مركز الاحتياط البحري الأميركي بمدينة دالاس في ولاية تكساس، وتخرج عام 2005، عندما كان لا يزال طالباً في كلية الحقوق بجامعة هارفارد. وعام 2006، رقّي من رتبة مبتدئ إلى ملازم وعمل مع قائد فرقة العمل المشتركة مع المعتقلين في معتقل غوانتانامو بكوبا. وفي عام 2007 انضم إلى الوحدات الخاصة «نافي سيل» وخدم في مدينة الفلوجة العراقية. وهو حصل على ميدالية «النجم البرونزي» وميدالية إشادة من سلاح البحرية وميدالية «الحرب ضد الإرهاب» وميدالية «الحرب في العراق».
ولقد عاد في عام 2008 ليُعيّن مدعياً عاماً فيدرالياً في المنطقة الوسطى من فلوريدا، ثم خدم كمحامي دفاع تجريبي حتى عام 2010، حين أصبح نائباً في مجلس النواب الأميركي.
في مجال السياسة الخارجية، عارض دي سانتيس خطة الرئيس السابق باراك أوباما لإغلاق معتقل غوانتانامو، قائلاً «إن جلب الإرهابيين المتشددين إلى الأرض الأميركية يضر بالأمن القومي». وعارض استئناف العلاقات الدبلوماسية مع كوبا بحجة «إن رفع العلم الكوبي في الولايات المتحدة صفعة على وجوه أولئك الذين عانوا من وحشية نظام كاسترو»، أيضاً، عارض دي سانتيس الاتفاق النووي مع إيران، واصفاً إياه بأنه «صفقة سيئة من شأنها أن تتسبب في تدهور كبير لأمننا القومي». وتابع دي سانتيس: «الاتفاق الإيراني يمنح آية الله علي خامنئي ما يريده بالضبط: مليارات الدولارات لتخفيف العقوبات، وتحقيق البرنامج النووي الإيراني والقدرة على عرقلة عمليات التفتيش». وفي عام 2013، قدم قانون مساءلة الفلسطينيين، الذي يوقف المساعدة الأميركية للسلطة الفلسطينية حتى تعترف رسمياً بحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية وتقطع جميع علاقاتها بحركة حماس.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».