متوسطاً ميدان التحرير، وسط القاهرة، يطل المبنى الضخم بتصميمه نصف الدائري، محتضنا الميدان الأشهر في مصر، ومستقبلاً زواره، على مدار أكثر من نصف قرن، تحول فيها المبنى التراثي، إلى رمز للبيروقراطية، بأبوابه وطرقاته المزدحمة بالمواطنين الراغبين في إنهاء معاملاتهم الحكومية الرسمية، وغرفه وشرفاته، التي شغلتها مكاتب موظفي الدولة، ليصبح المبنى الذي أنشئ بهدف خدمة المواطنين رمزاً لحالة إحباط جسدتها السينما المصرية عبر فيلم «الإرهاب والكباب» بطولة الفنان عادل إمام، واليوم وفي إطار خطة الحكومة المصرية لاستعادة رونق العاصمة، وإعادة تطوير مبانيها التراثية وميادينها الرئيسية، يبدو أن هناك مستقبلا مختلفا ينتظر مجمع التحرير، حيث سيتم تحويل رمز البيروقراطية الحكومية إلى فندق سياحي ومركز تجاري.
ولبحث مصير المبنى التاريخي، عقد ثلاثة وزراء اجتماعا، أمس، مع الصندوق السيادي المصري لوضع تصور لكيفية إعادة استغلاله، وخلصت نتيجة المناقشات مع المستثمرين إلى اقتراح تحويل مجمع التحرير إلى مبنى متعدد الوظائف والأغراض يضم أنشطة ثقافية وفندقية وتجارية متنوعة، بحسب تصريحات الدكتور خالد العناني، وزير السياحة والآثار، في بيان صحافي، مقترحا «تقسيم المبنى إلى مول تجاري كبير بالأدوار الأولى، خاصة أن هناك جراجين كبيرين بالمنطقة، وهما جراج التحرير وجراج عمر مكرم، وتخصيص الأدوار في منتصف المبنى لأنشطة متنوعة، كالبنوك والمطاعم، وتحويل الأدوار الأخيرة لفندق سياحي».
ويعود تاريخ مجمع التحرير إلى عام 1951، حيث صممه المهندس محمد كمال إسماعيل عام 1951، وبني على مساحة 28 ألف متر، بتكلفة بلغت 2 مليون جنيه مصري، وهو مبنى إداري يضم مكاتب تابعة لهيئات حكومية مختلفة، ويتكون من 14 طابقا، ويبلغ ارتفاعه 55 متراً، ويضم 1356 حجرة، ويتميز بالصالات الواسعة والمناور والنوافذ العديدة والممرات الكثيرة بكل طابق، وفقا للبيانات الرسمية.
وبني المجمع في موقع سرايا الإسماعيلية، وهو تصميم عبقري يحفظ اتزان الميدان، ويحتضنه، على حد تعبير الدكتورة سهير حواس، أستاذ العمارة والتصميم العمراني بجامعة القاهرة، والتي قالت لـ«الشرق الأوسط» إنه «في الفترة بين عامي 2014 و2015 تم تنفيذ مشروع لتطوير المبنى وإزالة التعديات والتشوهات التي لحقت به خاصة بعد أحداث عام 2011، حيث أزيلت الكابلات وأغلقت فتحات التكييف في الجدران، وتم تنظيف المناور، وإزالة العشش والأبنية الخشبية من الطرقات، والأهم من ذلك تطوير واجهة المبنى وإعادتها إلى أصلها عبر إزالة طبقات الطلاء القديمة واستعادة الواجهة القديمة المبنية من الحجر الصناعي، ونفذ المشروع شركة (المقاولون العرب) بتكلفة بلغت 4 ملايين جنيه»، معربة عن «دهشتها من إعادة طلاء الواجهة مرة أخرى بالأكريليك ضمن مشروع تطوير ميدان التحرير».
وخطة تطوير مجمع التحرير هي جزء من خطة حكومية للاستفادة من الأماكن والمباني الحكومية والمناطق التي يمكن استثمارها، بهدف توسيع قاعدة الفرص الاستثمارية المتاحة وتعظيم الاستفادة من الأصول المستغلة وغير المستغلة للدولة، وتنويع مصادر التمويل لزيادة تنافسية وإنتاجية الاقتصاد وتحديد أهداف التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة، بحسب تصريحات الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية.
وعلى مدار السنوات الأخيرة الماضية، طرحت فكرة إعادة استغلال مبنى المجمع في نشاط استثماري، خاصة مع اتجاه الدولة لنقل الوزارات والمقرات الحكومية إلى العاصمة الإدارية الجديدة، والتي كان من المقرر تطبيقها منتصف العام الجاري، لكن تأجل النقل بشكل كامل بفعل انتشار فيروس «كورونا»، وإن كان قد تم بالفعل نقل مكاتب الجوازات من المجمع إلى العباسية، وإخلاء المكاتب التابعة لوزارة التضامن بالمبنى.
وكان تحويل المبنى إلى فندق واحد من الاقتراحات الأولى التي واجهت بعض الصعوبات من بينها عدم وجود جراجات، وأماكن لخدمات لفندق، واقترح ضم جراج عمر مكرم للمبنى لحل المشكلة، لكن لم يتم التنفيذ لعدم وجود ميزانيات وتصور واضح للاستثمار، وفقا لحواس.
ووضع الدكتور أشرف رضا، وكيل كلية الفنون الجميلة، عام 2013 تصورا لحل مشاكل المبنى وإعادة استغلاله كفندق سياحي خمس نجوم، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «أفضل استغلال للمبنى هو تحويله إلى فندق سياحي متكامل، خاصة أنه يتوسط ميدان التحرير المجاور لوسط البلد، والتي تضم محلات تجارية متنوعة، تجعل من غير الضروري إنشاء مول تجاري في المنطقة، كما أنه الفرصة الأخيرة لإنشاء فندق كبير بهذا الحجم في القاهرة»، مشيرا إلى أنه «وضع تصورا لكيفية حل مشكلة عدم وجود مساحات كافية لعمل قاعات طعام كبيرة وقاعات احتفالات عبر إغلاق المناور في الأدوار الثلاثة الأولى وتحويلها إلى قاعة استقبال وقاعات طعام للفندق».
ويتضمن التصور المقترح عمل 20 جناحا فندقيا في المجمع يحمل كل جناح اسم شخصية تاريخية أو اسم رمز مصري مثل أم كلثوم ونجيب محفوظ، ومن المقرر مناقشة هذا المقترح قريبا في اجتماع مع اللجنة الخاصة بإعادة استغلال مجمع التحرير، وفقا لرضا، الذي يؤكد أن هذا التصور مجرد فكرة، لكنه لن يكون ملزما للمستثمرين الذين سيتولون عملية تطوير المبنى وإعادة استغلاله.
ويعمل صندوق مصر السيادي، المسؤول عن إعادة استغلال أصول الدولة، حاليا على دراسة كافة المقترحات لإعادة استغلال مجمع التحرير، حيث أجرى الصندوق اتصالات مع السفير الأميركي في القاهرة، للتباحث حول العلامات التجارية أو المولات العالمية التي من الممكن أن تقوم بالاستثمار في مصر، وفقا لتصريحات أيمن سليمان، المدير التنفيذي لصندوق مصر السيادي، الذي أعلن أن «هناك شركة أميركية قامت بتطوير أحد المولات الضخمة بالمملكة العربية السعودية، أبدت استعدادها للاستثمار في تطوير مبنى مجمع التحرير»، مؤكداً أهمية وجود تنوع في استخدامات المبنى بحيث نضمن وجود عائد مستمر سواء من المكون الفندقي أو المكون التجاري بالمبنى.
«مجمع التحرير» في مصر رمز البيروقراطية يتحوّل إلى فندق
بني عام 1951 على مساحة 28 ألف متر مربع
«مجمع التحرير» في مصر رمز البيروقراطية يتحوّل إلى فندق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة