رحلة تعافٍ شاقة من مضاعفات «كوفيد ـ 19»

معاناة المرضى تستمر لأسابيع بعد الخروج من وحدة العناية المركزة

مستشفى «ويل كورنيل» في مانهاتن عالج مئات المرضى (نيويورك تايمز)
مستشفى «ويل كورنيل» في مانهاتن عالج مئات المرضى (نيويورك تايمز)
TT

رحلة تعافٍ شاقة من مضاعفات «كوفيد ـ 19»

مستشفى «ويل كورنيل» في مانهاتن عالج مئات المرضى (نيويورك تايمز)
مستشفى «ويل كورنيل» في مانهاتن عالج مئات المرضى (نيويورك تايمز)

استيقظ تشارلي بلو ويس (33 عاما) معتقداً أنه في مستوصف سري في مطار ما، ربما في الصين. كان على يقين من أن أحداً يلاحقه، فيما استمرت رسائل التهديد في التواتر عبر الشاشات من حوله.
بعد تبدد حالة الارتباك التي لازمته، وهي حالة شائعة بين مرضى فيروس «كورونا» الذين قضوا فترة طويلة خاضعين لجهاز التنفس الصناعي، بدأ بلو ويس في إدراك حالته. فقد أدرك أنه كان في وحدة العناية المركزة في مستشفى «ويل كورنيل» بمانهاتن، وأن الشاشات التي تحيط به تعرض في الواقع علاماته الحيوية وتطورات حالته الصحية. وتسببت الأيام الخمسة عشر التي قضاها على جهاز التنفس الصناعي في قرحة على خده، وكان يعاني من ارتخاء في يده اليمنى، وكان أضعف من أن يتمكن من الجلوس. لم يستطع بلو ويس فتح هاتفه للاتصال بزوجته، بسبب تورم شديد في يديه. وعندما تمكن من الاتصال بها أخيرا، سارع بسؤالها: «متى سأعود إلى المنزل؟».
في 28 أبريل (نيسان)، نُقل بلو ويس على نقالة إلى الجناح الداخلي بمبنى كان مخصصا في السابق للطب النفسي بمستشفى «ويل كورنيل»، وجرى تحويله إلى جناح لعلاج مرضى فيروس «كورونا». ففي ذروة تفشي الوباء في مدينة نيويورك خلال الفترة الماضية، لم تعد المستشفيات وطواقمها الطبية تستقبل أعدادا كبيرة من المصابين بأمراض خطيرة أخرى بعد أن حل مكانهم مرضى «كورونا»، الذين تطلب وجودهم استخدام جميع أجهزة التنفس الصناعي، لتتراجع أعداد الأجهزة بدرجة خطيرة.
تحولت الخطوط الأمامية لمكافحة الفيروس من وحدات للعناية المركزة إلى أجنحة مخصصة للتعافي من مضاعفات الوباء، مثل الوحدة التي تحمل اسم «11 شمالي»، ووحدات مماثلة في مستشفيات أخرى. هنا يجد الأطباء أنه في الحالات الحرجة، يمكن أن تتحول رحلة التعافي إلى عملية طويلة وشاقة. في الأوقات العادية، فإن المرضى الذين يبقون لفترة طويلة في وحدة العناية المركزة، بعد جراحة القلب أو حوادث السيارات أو إطلاق النار أو تسمم الدم أو فشل الجهاز التنفسي، غالباً ما يحتاجون إلى فترات تعافٍ طويلة.
وفي هذه الحالات، يشتكي بعض المرضى من عجز في الإدراك ومن صعوبة في التركيز، فيما يعاني كثيرون للعودة إلى أعمالهم ووظائفهم. تقول الدكتورة ليندسي ليف، اختصاصية أمراض الرئة في «مستشفى ويل كورنيل»، إن حوالي الثلث يعانون من القلق أو الاكتئاب، أو أعراض اضطراب ما بعد الصدمة. وتابعت ليف: «في عصر كورونا، أعتقد أن هذا الأمر سيتضخم. وأشارت إلى أن مريض كورونا، بشكل عام، عادة ما يتواجد في وحدة العناية المركزة لفترات طويلة، لا تقل عن أسبوعين، وهذا يعني المزيد من فقدان العضلات وزيادة خطر حدوث مشاكل أخرى».
حتى أولئك الذين يتعافون وتشفى رئتهم في الغالب قد يكونون ضعفاء بعد فترة العجز الطويلة في وحدة العناية المركزة، حيث يتم إعطاؤهم جرعات عالية من المهدئات التي تصل بهم أحيانا إلى درجة الشلل. وقد يحتاج البعض لأن يتعلم البلع دون الشعور بالاختناق، فيما يعاني البعض الآخر من آلام في الأعصاب، أو عجز في الإدراك، بما في ذلك مشاكل في الكلام. فيما يعاني آخرون من الصدمة ويبدون غير مستعدين للعيش بمفردهم.
في هذا الإطار، قال الدكتور ألكا غوبتا، مدير وحدة «11 شمالي»: لقد «أخبرني الكثير من الناس أنهم شعروا بالضياع. كان الكثير منهم يعانون من كوابيس كل ليلة، ويخشون الوحدة». فلم تتمكن شابة في وحدة العناية المركزة من تذكر اسمها لأكثر من يوم، فيما فتح مهاجر في منتصف العمر عينيه وكان مقتنعا بأن حربا أهلية قد اندلعت في وطنه. ذكر بعض المرضى أنهم يخشون النوم وأنهم قلقون من أن يستيقظوا ويجدوا أنفسهم على جهاز التنفس الصناعي مجددا. استذكر الدكتور غوبتا مريضة في جناح «11 الشمالي» لم تعد بحاجة إلى الأكسجين الإضافي، ولكن بعد 10 دقائق من إيقاف تدفق الأكسجين، طالبت باستعادته، حيث كانت تخشى أن تفشل رئتاها مرة أخرى.
بالنسبة للأطباء، هؤلاء المرضى هم المحظوظون. فبحلول منتصف شهر مايو (أيار)، توفي أكثر من 220 مريضًا بسبب الفيروس في مستشفى «ويل كورنيل» وحده. ويقوم الأطباء المحبطون من ارتفاع حالات الوفاة بسبب الوباء بزيارات إلى جناح «11 الشمالي» لرؤية مرضاهم الناجين من الموت، إذ أصبحت وحدة التعافي المكان الأكثر أملاً في المستشفى.
وفي هذا الصدد، قالت الدكتورة لورا كولبي التي عالجت مرضى فيروس «كورونا» في ذروة تفشي المرض وتعمل الآن في جناح «11 الشمالي»: «أرى الجناح منارة حقيقية داخل المستشفى». يطل الجناح على جزيرة روزفلت وعلى محطة كهرباء «كوينز»، ولم يتبقى في الجناح اليوم سوى حوالي 30 مريضا بعد أن جرى تسريح 60 مريضا متعاف.
في هذا المكان، يمكن سماع أصوات مختلفة عن أي مكان آخر: فهنا، يمكنك أن تسمع أعلى سعال سمعته على الإطلاق، وصوت أقدام المرضى الذين يتعلمون المشي إلى أسفل الرواق، كما تسمع كلمات التشجيع من مات ديسكوفيتش، اختصاصي العلاج الطبيعي، وهو يحث المرضى على السير 10 أقدام أخرى، مذكرا إياهم بأنهم على طريق يؤدي بهم إلى المنزل.
لكن المنزل يمكن أن يكون بعيد المنال في الوقت الحالي. فالسيد بلو ويس كان يعتقد أنه إقامته في الوحدة ستستمر أسبوعا واحدا فقط. لكن في مقابلة في مايو (أيار)، في يومه الثاني عشر في الوحدة، قرر التوقف عن حساب الأيام والتخمين بعد أن أدرك، كمغني أوبرا يعمل الآن في شركة للتكنولوجيا المالية، أن «هناك أشياء معينة قد تستغرق بعض الوقت». فقد أبقته القرحة وألم الأعصاب مستيقظا طول الليل يشاهد التلفزيون ويحصل على قيلولة أثناء النهار.
كانت أهم لحظاته في هذا المكان فترة 90 دقيقة التي يقضيها في العلاج الطبيعي، عندما بدأ يتعلم المشي مرة أخرى. كان لديه القليل من الإحساس في قدمه اليمنى، مما أضعف توازنه. كانت قدمه تميل إلى الأسفل، مما يعرضه لخطر السقوط مع كل خطوة.
في أحد الأيام، كان بإمكانه المشي لمسافة ستة أقدام أو نحو ذلك في الممشى قبل أن يحتاج للراحة. سرعان ما أصبحت المسافة 50 قدماً، ثم 75 قدماً. كان يسير صعوداً ونزولاً في رواق «11 الشمالي»، متجاوزاً غرف المرضى الآخرين الأكبر منه سنا. لم يكن مهتما أو راغبا في الاختلاط بغيره من المرضى، ولم يكن الوحيد الذي تحاشى جلسات العلاج الجماعي.
اتضح أن ذلك الإحساس كان شائعاً بين المرضى، مما تسبب في خيبة أمل الأطباء، حيث قال الدكتور غوبتا: «أعتقد أن الناس يعيدون الاندماج بحذر نوعاً ما. لقد فوجئت بذلك». حتى بين الزملاء في غرف المستشفى، نشأت علاقات محدودة. ففي إحدى الغرف، كان رجل تركي الأصل يواجه صعوبات للإمساك بهاتفه المحمول. وكان زميله في الغرفة، وهو ممرض من الفلبين، يتحرك من سريره وينحني لاستعادة هاتف زميله، ليعاود كل منهم إلى الحديث في الهاتف مع عائلته.
كان هناك الكثير ليقال بين المتعافين، فغالبية المرضى لم يروا عائلاتهم منذ دخولهم في الجناح قبل ثلاثة أو أربعة أسابيع. عادة ما يسرد المرضى لعائلاتهم ما حدث في المستشفى، لكن في عصر «كورونا» يحدث العكس. فكثير من المرضى ليس لديهم فكرة عما حدث لهم أثناء دخولهم المستشفى. كانت هانا كيتس، زوجة بلو ويس تحتفظ بملاحظات دقيقة لتسردها له. وسمحت إدارة المستشفى للسيدة كيتس بزيارة زوجها بعد خمسة وثلاثين يوماً من دخوله المستشفى رغم حظر الزوار بشكل عام، لكنها حصلت على استثناء. احتاجت كيتس إلى معرفة كيفية الاعتناء بقرحة زوجها، والتي تضمنت ضمادة مصنوعة من الطحالب. كان عليها أن تقطعها إلى قطع صغيرة تضعها على الجرح. كانت ترتدي قناع الوجه عندما دخلت إلى غرفته بالمستشفى، مما جعل زوجها يعتقد بالخطأ أنها ممرضة.
استمرت الزوجة في الجناح لمدة 11 ساعة تعلمت خلالها العناية بقرحة زوجها، وقلمت أظافره وروت له أحداث الأسابيع الماضية. جلسا معا بهدوء وتحدثا عما سيحتاجه عندما يعود إلى المنزل، عصا وكرسي متحرك للمسافات الطويلة وممرضة زائرة ومعالج طبيعي زائر. في أواخر مايو (أيار)، خضع بلو ويس لعملية جراحية استمرت ست ساعات في ذراعه اليمنى لمحاولة إصلاح تلف الأعصاب. وفي 29 مايو، عادت كيتس إلى المستشفى لاصطحاب زوجها إلى المنزل، واصطف الأطباء والممرضات على جانبي الرواق ليهتفوا ويصفقوا له أثناء خروجه.

- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

كيف يبدو مستقبل «كوفيد-19» في 2026؟

صحتك سجَّلت بريطانيا أحد أعلى معدلات الوفيات المرتبطة بجائحة «كورونا» في أوروبا إذ حصد «كوفيد-19» أرواح نحو 226 ألف شخص (رويترز)

كيف يبدو مستقبل «كوفيد-19» في 2026؟

يتوقع خبراء استمرار «كوفيد-19» في 2026، مع هيمنة متحوِّرات «أوميكرون» وأعراض مألوفة، محذِّرين من التهاون.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك فيروس «كورونا» تسبب في وفيات بالملايين حول العالم (رويترز)

دراسة مصرية تثبت قدرة أدوية الالتهاب الكبدي على الحد من وفيات «كوفيد - 19»

كشفت دراسة طبية مصرية عن نجاح دواء يستخدم في علاج مرضى فيروس (التهاب الكبدي الوبائي سي) في الحد من مضاعفات الإصابة بفيروس «كوفيد - 19» المعروف بـ«كورونا»

نصري عصمت (لندن)
أوروبا سجّلت بريطانيا أحد أعلى معدلات الوفيات المرتبطة بجائحة كورونا في أوروبا إذ حصد «كوفيد - 19» أرواح نحو 226 ألف شخص (رويترز)

أكثر من 14 مليار دولار تكلفة الاحتيال المتعلق بـ«كوفيد - 19» في بريطانيا

بلغت تكلفة الاحتيال المتعلق ببرامج الدعم الحكومي خلال جائحة كوفيد - 19 في بريطانيا 10.9 مليار جنيه إسترليني (14.42 مليار دولار).

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق امرأة ترتدي الكمامة خلال فترة انتشار الجائحة في كندا (رويترز)

كيف أثّر وباء «كوفيد» على مرحلة البلوغ لدى الفتيات؟

تسبب الإغلاق الذي فُرض بعد انتشار جائحة «كوفيد - 19» في توقف شبه تام للحياة، وشهد مئات الملايين من الأشخاص تغيُّرات جذرية في أنماط حياتهم.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك طفلة تتلقى جرعة من لقاح «موديرنا» لفيروس «كورونا» بصيدلية سكيباك في شوينكسفيل - بنسلفانيا (رويترز)

تقرير أميركي: وفاة 10 أطفال بسبب جرعات التطعيم ضد فيروس «كورونا»

قال مارتي ماكاري، مفوض إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية، اليوم (السبت)، إن البيانات أظهرت وفاة 10 أطفال؛ بسبب جرعات التطعيم ضد فيروس «كورونا».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

إحراق سيارة تحمل لافتة لمناسبة عيد يهودي في ملبورن الأسترالية

الشرطة الأسترالية ذكرت أن «الحريق المشبوه» وقع في ضاحية سانت كيلدا إيست التابعة لملبورن (أرشيفية - رويترز)
الشرطة الأسترالية ذكرت أن «الحريق المشبوه» وقع في ضاحية سانت كيلدا إيست التابعة لملبورن (أرشيفية - رويترز)
TT

إحراق سيارة تحمل لافتة لمناسبة عيد يهودي في ملبورن الأسترالية

الشرطة الأسترالية ذكرت أن «الحريق المشبوه» وقع في ضاحية سانت كيلدا إيست التابعة لملبورن (أرشيفية - رويترز)
الشرطة الأسترالية ذكرت أن «الحريق المشبوه» وقع في ضاحية سانت كيلدا إيست التابعة لملبورن (أرشيفية - رويترز)

تحقق الشرطة الأسترالية بشأن «حريق مشبوه» بعدما اندلعت النيران في سيارة وُضعت عليها لافتة للاحتفال بعيد الأنوار اليهودي (حانوكا) في ملبورن، اليوم (الخميس).

وأُحرقت السيارة الخالية التي وُضعت على سقفها لافتة كُتب عليها «عيد حانوكا سعيد» بينما كانت متوقفة عند منزل، بحسب ما أظهرت صور بثّتها شبكة «إيه بي سي».

وذكرت شرطة فيكتوريا، في بيان، أن «الحريق المشبوه» وقع في الساعات الأولى من صباح الخميس في ضاحية سانت كيلدا إيست التابعة لملبورن.

وتم إخلاء المنزل كإجراء احترازي.

وقالت الشرطة إن «المحققين تعرّفوا على شخص قد يكون قادراً على مساعدتهم في تحقيقهم ويجرون عمليات بحث بشأن مكانه».

وشددت السلطات الأسترالية القوانين والعقوبات المرتبطة بجرائم الكراهية بعد إطلاق النار الذي استهدف حفلاً لمناسبة «حانوكا» على شاطئ بونداي في سيدني، وأسفر عن مقتل 15 شخصاً.

وقال الحاخام إيفي بلوك من كنيس حاباد في سانت كيلدا إنه من الواضح أن حادثة إحراق السيارة تندرج في إطار الاعتداءات المعادية للسامية.

وأفاد لوكالة الصحافة الفرنسية: «نشكر الله لأن أحداً لم يتعرض إلى الأذى... لكن ما يجري هو تصعيد متواصل مع تكرار هذه الأحداث».

وأضاف: «لا يشعر أفراد جاليتي اليهودية في سانت كيلدا وملبورن بالأمان في منازلهم وبلدهم».


تنديد أوروبي بفرض واشنطن حظر تأشيرات على شخصيات أوروبية

المفوض الأوروبي السابق تييري بروتون (أ.ف.ب)
المفوض الأوروبي السابق تييري بروتون (أ.ف.ب)
TT

تنديد أوروبي بفرض واشنطن حظر تأشيرات على شخصيات أوروبية

المفوض الأوروبي السابق تييري بروتون (أ.ف.ب)
المفوض الأوروبي السابق تييري بروتون (أ.ف.ب)

أدانت المفوضية الأوروبية ومسؤولون في الاتحاد، الأربعاء، بشدة العقوبات الأميركية المفروضة على خمس شخصيات أوروبية ذات صلة بتنظيم قطاع التكنولوجيا، ومن بينها المفوض السابق تييري بروتون.

كانت وزارة الخارجية الأميركية أعلنت، الثلاثاء، حظر منح تأشيرات دخول لبروتون وأربعة نشطاء، متهمة إياهم بالسعي إلى «إجبار» منصات التواصل الاجتماعي الأميركية على فرض رقابة على وجهات النظر التي يعارضونها.

وصعّدت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب هجماتها على قواعد الاتحاد الأوروبي بعدما فرضت بروكسل في وقت سابق من هذا الشهر غرامة على شركة «إكس» التابعة لإيلون ماسك، لانتهاكها بنود قانون الخدمات الرقمية (DSA) المتعلقة بالشفافية في الإعلانات وطرقها، لضمان التحقق من المستخدمين، ومن أنهم أشخاص حقيقيون.

«محاولة للطعن في سيادتنا»

وجاء في بيان صادر عن المفوضية: «لقد طلبنا توضيحات من السلطات الأميركية وما زلنا على تواصل معها. وإذا لزم الأمر، فسنرد بسرعة وحزم للدفاع عن استقلاليتنا التنظيمية ضد الإجراءات غير المبررة».

وأضافت: «تضمن قواعدنا الرقمية بيئة عمل آمنة وعادلة ومتكافئة لجميع الشركات، ويتم تطبيقها بشكل عادل ودون تمييز»، مشددة على أن «حرية التعبير حق أساسي في أوروبا، وقيمة جوهرية مشتركة مع الولايات المتحدة»، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقالت المفوضية إن «الاتحاد الأوروبي سوق موحدة مفتوحة وقائمة على القواعد، وله الحق السيادي في تنظيم النشاط الاقتصادي، بما يتماشى مع قيمنا الديمقراطية والتزاماتنا الدولية».

بدورها، قالت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، إن «قرار الولايات المتحدة فرض قيود على سفر مواطنين ومسؤولين أوروبيين غير مقبول»، وإن «فرض أميركا قيوداً على سفر مواطنين ومسؤولين أوروبيين محاولة للطعن في سيادتنا».

وأضافت أن أوروبا «ستواصل الدفاع عن قيمها والقواعد الرقمية العادلة والحق في تنظيم فضائنا الخاص».

«يرقى إلى مستوى الترهيب»

ونددت دول في الاتحاد الأوروبي بالإجراء الأميركي.

وعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأربعاء، أن حظر التأشيرات «يرقى إلى مستوى الترهيب والإكراه ضد السيادة الرقمية الأوروبية».

وقال على «إكس»: «تدين فرنسا قرارات تقييد التأشيرات التي اتخذتها الولايات المتحدة ضد تييري بروتون وأربع شخصيات أوروبية أخرى»، مؤكداً أن الأوروبيين سيواصلون الدفاع عن «سيادتهم الرقمية» و«استقلالهم التنظيمي».

بدوره، أعلن متحدث ​باسم الحكومة البريطانية، الأربعاء، أن بريطانيا ملتزمة بدعم الحق في حرية التعبير. وقال في بيان نقلته وكالة «رويترز»: «مع أن كل ⁠دولة تمتلك الحق في ‌وضع قواعد التأشيرات ‍الخاصة بها، إلا أننا ‍ندعم القوانين والمؤسسات التي تعمل على إبقاء (شبكة) الإنترنت خالية من ​المحتوى الأكثر ضرراً».

وأضاف: «يجب ألا تُستخدم ⁠منصات التواصل الاجتماعي لنشر مواد الاستغلال الجنسي للأطفال أو التحريض على الكراهية والعنف أو نشر معلومات زائفة ومقاطع فيديو لهذا الغرض».

وفي برلين، أكد وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول أن القرار «غير مقبول»، مضيفاً: «يضمن قانون الخدمات الرقمية أن أي نشاط غير قانوني خارج الإنترنت، يكون غير قانوني أيضاً عبر الإنترنت».

«إجراءات غير مقبولة بين الحلفاء»

كما دانت وزارة الخارجية الإسبانية حظر التأشيرات، منددة بـ«إجراءات غير مقبولة بين الشركاء والحلفاء».

وقالت في بيان: «تعرب الحكومة الإسبانية عن تضامنها مع المفوض الأوروبي السابق تييري بروتون وقادة منظمات المجتمع المدني الذين يكافحون التضليل وخطاب الكراهية»، مشددة على أن ضمان «مساحة رقمية آمنة» أمر «أساسي للديمقراطية في أوروبا».

وشمل الحظر بروتون، المسؤول الأوروبي السابق عن تنظيم قطاع التكنولوجيا، الذي غالباً ما تصادم مع كبار النافذين فيه مثل ماسك بشأن التزاماتهم قواعد الاتحاد الأوروبي.

كما استهدف الإجراء عمران أحمد من مركز مكافحة الكراهية الرقمية (CCDH)، وهي منظمة تحارب الكراهية عبر الإنترنت والمعلومات المضللة والكاذبة، وآنا لينا فون هودنبرغ وجوزفين بالون من منظمة «هايت إيد» (HateAid) الألمانية، وكلير ميلفورد التي تقود مؤشر التضليل العالمي (GDI) ومقره المملكة المتحدة.

«إدارة تحتقر سيادة القانون»

وقال مفوض الاتحاد الأوروبي للسوق الداخلية والخدمات ستيفان سيجورنيه، الأربعاء، إن العقوبات الأميركية على سلفه، لن تمنعه من القيام بعمله.

وكتب على منصة «إكس»: «لقد عمل سلفي تييري بروتون بما يخدم المصلحة العامة الأوروبية، ملتزماً بالتفويض الذي منحه الناخبون عام 2019».

وأضاف: «لن تسكت أي عقوبة سيادة الشعوب الأوروبية. تضامني الكامل معه ومع جميع الأوروبيين المتضررين».

ونددت منظمة «هايت إيد» بالعقوبات. ووصفت في بيان الخطوة الأميركية بأنها «عمل قمعي من قبل إدارة تحتقر سيادة القانون بشكل كبير، وتحاول بكل الوسائل إسكات منتقديها».

ويقود ترمب هجوماً كبيراً على قواعد التكنولوجيا في الاتحاد الأوروبي التي تفرض لوائح على ضوابط مثل الإبلاغ عن المحتوى الإشكالي، وهو ما تعده الولايات المتحدة هجوماً على حرية التعبير.

وقد نددت واشنطن بالغرامة البالغة 140 مليون دولار التي فرضها الاتحاد الأوروبي في بداية ديسمبر (كانون الأول) على منصة «إكس» المملوكة لماسك، ووصفها وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بأنها «هجوم على جميع منصات التكنولوجيا الأميركية والشعب الأميركي من جانب حكومات أجنبية».


ولاية أسترالية تشدد قوانين حيازة الأسلحة ومكافحة الإرهاب بعد هجوم بونداي

نصب تذكاري بالقرب من شاطئ بونداي (نيويورك تايمز)
نصب تذكاري بالقرب من شاطئ بونداي (نيويورك تايمز)
TT

ولاية أسترالية تشدد قوانين حيازة الأسلحة ومكافحة الإرهاب بعد هجوم بونداي

نصب تذكاري بالقرب من شاطئ بونداي (نيويورك تايمز)
نصب تذكاري بالقرب من شاطئ بونداي (نيويورك تايمز)

أقرت ولاية نيو ساوث ويلز في أستراليا، الأربعاء، حزمة واسعة من القواعد الجديدة المتعلقة بحيازة الأسلحة ومكافحة الإرهاب، وذلك عقب واقعة إطلاق النار العشوائي التي حدثت على شاطئ بونداي، وأدت إلى فرض «قيود على حيازة الأسلحة النارية» وحظر عرض «الرموز المتعلقة بالإرهاب» في الأماكن العامة، و«تعزيز صلاحيات الشرطة للحد من الاحتجاجات».

وأقر برلمان ولاية نيو ساوث ويلز مشروع قانون لتعديل تشريع الإرهاب وتشريعات أخرى، في الساعات الأولى من صباح الأربعاء، بعد أن وافقت الغرفة العليا في البرلمان عليه، بغالبية 18 صوتاً مقابل 8 أصوات، خلال جلسة طارئة.

كريس مينز رئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز (رويترز)

وقال كريس مينز، رئيس وزراء نيو ساوث ويلز، إن بعض السكان في الولاية يرفضون حزمة التعديلات ‌الصارمة، لكنه أكد ‌أن الحكومة ستبذل قصارى جهدها للحفاظ على سلامة ‌المواطنين.

يأتي ​ذلك ‌في أعقاب إطلاق النار الذي وقع في 14 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، خلال احتفال بعيد «حانوكا» اليهودي، وأدى إلى مقتل 15 شخصاً وإصابة العشرات.

وأضاف مينز للصحافيين: «لقد تغيّرت سيدني وولاية نيو ساوث ويلز إلى الأبد نتيجة ذلك العمل الإرهابي».

وكانت الغرفة الأدنى في البرلمان أقرت مشروع القانون، الثلاثاء، بدعم من «حزب العمال» الحاكم المنتمي إلى تيار يسار الوسط، و«حزب الأحرار» المعارض، فيما عارض «الحزب الوطني» إجراء تعديلات على تشريعات الأسلحة، قائلاً إن «وضع حد لحيازة الأسلحة سيضر بالمزارعين».

وأدى هجوم بونداي المسلح، الأكثر ‌إزهاقاً للأرواح في أستراليا منذ نحو ‍3 عقود، إلى إطلاق دعوات لتشديد قوانين الأسلحة النارية، واتخاذ إجراءات أشد صرامة ضد معاداة السامية.

خبراء الأدلة الجنائية خلال معاينة جثة أحد الضحايا بموقع إطلاق النار بشاطئ بونداي في سيدني (أرشيفية - إ.ب.أ)

وتنص القوانين الجديدة على أن يكون الحد الأقصى لمعظم التراخيص الممنوحة للأفراد هو 4 قطع من الأسلحة النارية، مع السماح بما يصل إلى 10 للمزارعين.

وتعتقد الشرطة أن المسلحَين المشتبه في تنفيذهما الهجوم استلهما أفكارهما من تنظيم «داعش» الإرهابي. وقُتل أحد المنفذَين واسمه ساجد أكرم (50 عاماً) برصاص الشرطة، في حين اتُّهم ابنه نافيد (24 عاماً) بارتكاب 59 جريمة؛ منها القتل والإرهاب.

لكن جماعات ناشطة نددت بالقانون، وأشارت إلى عزمها الطعن فيه دستورياً. وقالت جماعات «فلسطين أكشن» و«يهود ضد الاحتلال» و«بلاك كوكاس»، إنها ستتقدم بطعن قانوني ضد ما وصفتها بأنها «قوانين قمعية مناهضة للاحتجاج» جرى تمريرها على عجل في برلمان الولاية.

وأضافت في بيان: «من الواضح أن حكومة (الولاية) تستغل هجوم بونداي المروع للدفع بأجندة سياسية تقمع المعارضة السياسية وانتقاد إسرائيل، وتحد من الحريات الديمقراطية».

لقطة من فيديو بصفحة رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز على «إكس» تُظهره وهو يلتقي بمستشفى في سيدني السوري أحمد الأحمد الذي انتزع سلاح أحد المهاجمَين خلال هجوم شاطئ بونداي (أ.ف.ب)

وتوعد رئيس الوزراء، أنتوني ألبانيزي، بتشديد الإجراءات ضد خطاب الكراهية، إذ تعتزم الحكومة الاتحادية تقديم تشريعات لتسهيل ملاحقة من يروجون للكراهية والعنف، وإلغاء أو رفض منح التأشيرة لأي شخص متورط في خطاب الكراهية.

ورداً على الانتقادات الموجهة للحكومة بأنها لا تبذل جهوداً كافية ‌للحد من معاداة السامية، قال ألبانيزي إنه تحدث إلى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتسوغ، الثلاثاء، ودعاه إلى إجراء زيارة رسمية لأستراليا في أقرب وقت ممكن.

اعتقال مؤيد

وفي السياق ذاته، قالت شرطة أستراليا الغربية إن رجلاً اعتقل في بيرث عقب تحقيق في كتابته «تعليقات معادية للسامية على مواقع التواصل الاجتماعي». وبعد ساعات من الهجوم المميت على احتفال يهودي بشاطئ بونداي تردد أن الرجل أبدى دعمه لمطلقَي النار عبر تطبيق «إنستغرام». ونقلت وسائل الإعلام المحلية المنشور الذي يقول: «أدعم مائة في المائة مطلقَي النار في نيو ساوث ويلز. الحق في الدفاع عن النفس ضد اليهود، وكل اليهود المستقبليين». واتُّهم الرجل، الذي يبلغ 39 عاماً، «بارتكاب سلوك يهدف إلى المضايقة العنصرية، وحمل أو حيازة سلاح ممنوع، وتخزين سلاح ناري ومواد ذات صلة في مخزن غير ملائم».

رواد شاطئ بونداي يفرون بعد إطلاق النار (أ.ف.ب)

وصادرت الشرطة كثيراً من الأسلحة المسجلة، وكذلك كمية من الذخيرة عند تنفيذ مذكرة تفتيش بمنزل الرجل، الثلاثاء، في إطار «عملية دالوود» التي أطلقتها شرطة أستراليا الغربية عقب الهجوم الإرهابي بشاطئ بونداي. وقالت نائبة رئيس وزراء أستراليا الغربية، ريتا سافيوتي، في مؤتمر صحافي الأربعاء، إن الشرطة عثرت «على أسلحة ممنوعة وأعلام على صلة (بميليشيا) حزب الله و(حماس)». وقالت شبكة «إيه بي سي» الأسترالية إن ممثلي الادعاء قالوا، أمام إحدى محاكم بيرث، إن قائمة تسوق لإعداد قنبلة، و6 بنادق مسجلة، ونحو 4 آلاف طلقة، عثر عليها في مقر سكن الرجل».