التنافس على إنتاج لقاح لـ«كورونا»... حرب باردة محورها «إكسير الحياة»

سباق عالمي محتدم على اجتراح لقاح (رويترز)
سباق عالمي محتدم على اجتراح لقاح (رويترز)
TT

التنافس على إنتاج لقاح لـ«كورونا»... حرب باردة محورها «إكسير الحياة»

سباق عالمي محتدم على اجتراح لقاح (رويترز)
سباق عالمي محتدم على اجتراح لقاح (رويترز)

يُجمع الخبراء على أن تغلّب البشرية على فيروس كورونا المستجدّ لا يمكن أن يتحقق إلا بتوافر نظم صحية قوية، وقدرات كافية لإجراء اختبارات كشف الفيروس، وخصوصاً لقاح فعّال وآمن يحصّن الإنسان ضد شرور «كوفيد - 19». والواقع أنه لم يسبق أن اعتمد مستقبل الكثير من الناس - صحياً واقتصادياً - على إيجاد لقاح، كما هو حاصل الآن. والأمر الأخير ليس مجرّد معادلة طبية علمية، بل لا بد من توافر لقاح لكل سكان المعمورة مهما تفاوتت مداخيلهم. وهذا يتطلّب تعاوناً شفافاً وصادقاً من الدول المعنية، خصوصاً الولايات المتحدة والصين رأسي الحربة في المعركة ضد الوباء.
يشير رقم تقديري إلى أن هناك نحو 120 عملية جارية بحثاً عن لقاح في مختبرات شركات ومؤسسات مختلفة، الكثير منها في الدولتين صاحبتي الاقتصادين الأول والثاني في العالم. لكن يبدو جلياً أن لا تعاون بين المعنيين، ولا جهد ترعاه جهة – مظلة ليسير في الاتجاه الصحيح، لا سيما أن منظمة الصحة العالمية التي يفترض أن تكون هذه المظلة باتت محلّ خلاف حاد بعدما سحبت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب يدها منها واتهمتها بأنها دمية في يد الصين.
في ظل هذا الوضع، يواصل فيروس كورونا انتشاره في العالم بوتائر مختلفة، فيخفت في مكان ويعلو صوته في آخر، لكنه يواصل في أي حال حصد الأرواح البشرية وضرب البنى الاقتصادية، وباختصار: تغيير وجه العالم. والمؤسف أن الحساسيات والخلافات والتنافس على المكاسب المباشرة وغير المباشرة ترافق البحث عن الترياق، بل لا مبالغة في القول إن اللقاح الموعود هو محور حرب جيوسياسية كبرى بين الولايات المتحدة والصين.

*المنظور... والواقع
تتطلب عملية علمية ضخمة على هذا المستوى منظوراً ريادياً مؤدّاه الاعتراف باللقاح كمنفعة عامة عالمية. ولا يمكن السماح للأجندات المحلية ولا اعتبارات الربح بأن تكون المحرك لجهود لاجتراح أهم لقاح في التاريخ. بل يجب على الحكومات وشركات الأدوية والمؤسسات والمنظمات العمل معاً لإيجاد اللقاح وإنتاجه وتقديمه.
غير أن الحقيقة مختلفة عن التمنّيات، فالجهات الأميركية التي تعمل على لقاح تتعرض لتجسس سيبراني، وفق السلطات التي لم تقدّم دليلاً ملموساً على ذلك سوى القول إن قراصنة إلكترونيين صينيين دأبوا في الأشهر الأخيرة على استهداف بعض الجامعات وشركات الأدوية وغيرها من مؤسسات الرعاية الصحية في الولايات المتحدة بهدف سرقة بياناتها المتعلقة بفيروس كورونا.
بالطبع، تنفي الصين ذلك. ومن السهل أن تقول إن وجود قرصان إلكتروني لا يعني أنه مرتبط بدولة ما، بل لعله يعمل بدافع فردي. كما أنها تضع هذه الاتهامات في سياق دأب الرئيس الأميركي دونالد ترمب على تحميلها مسؤولية تفشي «كوفيد - 19» في العالم.
من المنطقي أن تسعى الصين إلى الفوز في السباق لإيجاد لقاح، لما لذلك من فوائد اقتصادية. وأيضاً لأن تحقيق هذا الإنجاز سيزيل الوصمة التي لحقت بها بعد تحميلها مسؤولية الأزمة. وأبعد من ذلك، هناك مزايا جيوسياسية كبيرة لاجتراح لقاح، إذ ستحصل الصين إذا نجحت في الوصول به إلى الأسواق قبل غيرها على مركز الريادة في إنقاذ البشر، وسينسحب ذلك على مجمل علاقاتها وتشعّبات تمددها في مختلف القارات.
... سواء صحت الاتهامات الأميركية لبكين أو لا، تشكل «قومية اللقاحات» تهديداً خطيراً لفرص تحقيق عملية عالمية فعالة لإنتاج اللقاحات وتوزيعها بشكل منصف. فالسباق لا يقتصر على الولايات المتحدة والصين، بل تخوضه دول أوروبية وآسيوية تريد بدورها موقعاً متقدماً في المشهد وقطعة من الكعكة الموعودة.

*حرب على الفيروس أم حرب بسببه؟
في حين يؤكد المجتمع العلمي أن الحرب على كورونا لن تُربح إلا من خلال تعبئة دولية واسعة ومنسّقة للعثور على ما يسمى «الرصاصة السحرية» لقتله، فإنه يأسف لكون العالم منقسماً لا تنسيق فيه أو قيادة لمعركة اللقاح، بل هناك من يتحدث بلا تردد عن فتح جبهة جديدة في الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين، تكون تتمة للجبهات الأخرى، خصوصاً التجارية، وترتبط بالصراع المستمر الذي يدور حول فكرة النظام الأمثل لإدارة الدولة: الرأسمالية الحرة التي ترفع شعارها واشنطن، أم الرأسمالية المستبدّة التي تمثلها بكين.
في هذا السياق، حذّرت الأسترالية جاين هالتون، المسؤولة في منظمة الصحة العالمية، من أن «قومية اللقاحات» تشكل تهديداً جسيماً لآمال التوصل إلى لقاح آمن وفعّال قريباً. وقالت إن الاستئثار بلقاح واستخدامه سلاحاً في التنافس الدولي، سيعنيان استمرار المعاناة.
غير أن التنافس قائم بوضوح، مع تقدّم للصين تعترف به واشنطن. وفي هذا الإطار، نسبت مجلة «بوليتيكو» إلى مسؤول في جهاز الأمن القومي الأميركي، قوله إن بكين متقدّمة في الجهود العالمية لتطوير لقاح، وقال مسؤول آخر إن الصين تعرف أن من «يجد لقاحاً فعّالاً يحكم العالم الآن»...
من جهته، كتب الدكتور سكوت غوتليب، المدير السابق لإدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة، في مقال نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، أن الصين تحرز «تقدماً سريعاً» في تطوير لقاح لفيروس كورونا. وأضاف: «الدولة التي تصل إلى خط النهاية قبل سواها ستكون الأولى في استعادة اقتصادها ونفوذها العالمي. والولايات المتحدة معرّضة لخطر أن تكون الثانية».
المشكلة هنا، أن التسابق يشبه ما حصل بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي خلال حربهما الباردة المديدة من تسابق على غزو الفضاء. فذاك يمكن اعتباره نوعاً من «الترف». أما التسابق بشكله الحالي على اجتراح لقاح يكون بمثابة «إكسير حياة» للناس المنتظرين بخوف، فأمر لا يمتّ إلى الإنسانية بشيء، ويثبت أن حكّام الأرض لم يتعلموا شيئاً من دروس التاريخ القاسية.


مقالات ذات صلة

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

صحتك تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهميةً الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

قبل خمس سنوات، أصيبت مجموعة من الناس في مدينة ووهان الصينية، بفيروس لم يعرفه العالم من قبل.

آسيا رجل يرتدي كمامة ويركب دراجة في مقاطعة هوبي بوسط الصين (أ.ف.ب)

الصين ترفض ادعاءات «الصحة العالمية» بعدم التعاون لتوضيح أصل «كورونا»

رفضت الصين ادعاءات منظمة الصحة العالمية التي اتهمتها بعدم التعاون الكامل لتوضيح أصل فيروس «كورونا» بعد 5 سنوات من تفشي الوباء.

«الشرق الأوسط» (بكين)
آسيا رجل أمن بلباس واقٍ أمام مستشفى يستقبل الإصابات بـ«كورونا» في مدينة ووهان الصينية (أرشيفية - رويترز)

الصين: شاركنا القدر الأكبر من بيانات كوفيد-19 مع مختلف الدول

قالت الصين إنها شاركت القدر الأكبر من البيانات ونتائج الأبحاث الخاصة بكوفيد-19 مع مختلف الدول وأضافت أن العمل على تتبع أصول فيروس كورونا يجب أن يتم في دول أخرى

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد أعلام تحمل اسم شركة «بيونتيك» خارج مقرها بمدينة ماينتس الألمانية (د.ب.أ)

«بيونتيك» تتوصل إلى تسويتين بشأن حقوق ملكية لقاح «كوفيد»

قالت شركة «بيونتيك»، الجمعة، إنها عقدت اتفاقيتيْ تسوية منفصلتين مع معاهد الصحة الوطنية الأميركية وجامعة بنسلفانيا بشأن دفع رسوم حقوق ملكية للقاح «كوفيد».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم تراجعت أعداد الوفيات من جراء الإصابة بفيروس كورونا على نحو مطرد (أ.ف.ب)

الصحة العالمية تعلن عن حدوث تراجع مطرد في وفيات كورونا

بعد مرور نحو خمس سنوات على ظهور فيروس كورونا، تراجعت أعداد الوفيات من جراء الإصابة بهذا الفيروس على نحو مطرد، وذلك حسبما أعلنته منظمة الصحة العالمية في جنيف.

«الشرق الأوسط» (جنيف)

«أكسيوس»: بايدن ناقش خططاً لضرب المواقع النووية الإيرانية

الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
TT

«أكسيوس»: بايدن ناقش خططاً لضرب المواقع النووية الإيرانية

الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)

قدّم مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان للرئيس جو بايدن خيارات لـ«هجوم أميركي محتمل» على المنشآت النووية الإيرانية، إذا «تحرك الإيرانيون نحو امتلاك سلاح نووي» قبل موعد تنصيب دونالد ترمب في 20 يناير (كانون الثاني).

وقالت ثلاثة مصادر مطّلعة لموقع «أكسيوس» إن سوليفان عرض تفاصيل الهجوم على بايدن في اجتماع - قبل عدة أسابيع - ظلت تفاصيله سرية حتى الآن.

وقالت المصادر إن بايدن لم يمنح «الضوء الأخضر» لتوجيه الضربة خلال الاجتماع، و«لم يفعل ذلك منذ ذلك الحين». وناقش بايدن وفريقه للأمن القومي مختلف الخيارات والسيناريوهات خلال الاجتماع الذي جرى قبل شهر تقريباً، لكن الرئيس لم يتخذ أي قرار نهائي، بحسب المصادر.

وقال مسؤول أميركي مطّلع على الأمر إن اجتماع البيت الأبيض «لم يكن مدفوعاً بمعلومات مخابراتية جديدة ولم يكن المقصود منه أن ينتهي بقرار بنعم أو لا من جانب بايدن».

وكشف المسؤول عن أن ذلك كان جزءاً من مناقشة حول «تخطيط السيناريو الحكيم» لكيفية رد الولايات المتحدة إذا اتخذت إيران خطوات مثل تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء 90 في المائة قبل 20 يناير (كانون الثاني).

وقال مصدر آخر إنه لا توجد حالياً مناقشات نشطة داخل البيت الأبيض بشأن العمل العسكري المحتمل ضد المنشآت النووية الإيرانية.

وأشار سوليفان مؤخراً إلى أن إدارة بايدن تشعر بالقلق من أن تسعى إيران، التي اعتراها الضعف، إلى امتلاك سلاح نووي، مضيفاً أنه يُطلع فريق ترمب على هذا الخطر.

وتعرض نفوذ إيران في الشرق الأوسط لانتكاسات بعد الهجمات الإسرائيلية على حليفتيها حركة «حماس» الفلسطينية وجماعة «حزب الله» اللبنانية، وما أعقب ذلك من سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا.

وقال سوليفان لشبكة «سي إن إن» الأميركية: «القدرات التقليدية» لطهران تراجعت؛ في إشارة إلى ضربات إسرائيلية في الآونة الأخيرة لمنشآت إيرانية، منها مصانع لإنتاج الصواريخ ودفاعات جوية. وأضاف: «ليس من المستغرب أن تكون هناك أصوات (في إيران) تقول: (ربما يتعين علينا أن نسعى الآن لامتلاك سلاح نووي... ربما يتعين علينا إعادة النظر في عقيدتنا النووية)».

وقالت مصادر لـ«أكسيوس»، اليوم، إن بعض مساعدي بايدن، بمن في ذلك سوليفان، يعتقدون أن ضعف الدفاعات الجوية والقدرات الصاروخية الإيرانية، إلى جانب تقليص قدرات وكلاء طهران الإقليميين، من شأنه أن يدعم احتمالات توجيه ضربة ناجحة، ويقلل من خطر الانتقام الإيراني.

وقال مسؤول أميركي إن سوليفان لم يقدّم أي توصية لبايدن بشأن هذا الموضوع، لكنه ناقش فقط تخطيط السيناريو. ورفض البيت الأبيض التعليق.