تحولات محتملة في القطاع الحكومي والخاص لتمكين الاقتصاد السعودي

مسؤولون ورجال أعمال يعولون على المنشآت الصغيرة والمتوسطة لقيادة دفة التغيير بعد الجائحة

القطاع الخاص محط تحول واهتمام حكومي سيتضاعف بعد انجلاء الجائحة (الشرق الأوسط)
القطاع الخاص محط تحول واهتمام حكومي سيتضاعف بعد انجلاء الجائحة (الشرق الأوسط)
TT

تحولات محتملة في القطاع الحكومي والخاص لتمكين الاقتصاد السعودي

القطاع الخاص محط تحول واهتمام حكومي سيتضاعف بعد انجلاء الجائحة (الشرق الأوسط)
القطاع الخاص محط تحول واهتمام حكومي سيتضاعف بعد انجلاء الجائحة (الشرق الأوسط)

توقع مسؤولون حكوميون ورجال أعمال حدوث تحولات هيكلية محتملة في القطاعين العام والخاص لتمكين الاقتصاد السعودي لمرحلة ما بعد جائحة كورونا، مستدلين بالتغيرات الجارية من استجابة القطاعين للمستجدات على مستويات طبيعة أنماط العمل، وتسيير الإجراءات، وتخطي الظروف، في ظل الأزمة الحالية. وأجمع المسؤولون ورجال الأعمال على أن تكون محطات التغير في القطاع الحكومي للذهاب نحو مزيد من تمكين القطاع الخاص لتولي زمام حركة التنمية الاقتصادية، ورفع الإنتاجية، والتحرر من الاعتماد على القطاع الحكومي.
وجاءت هذه التقديرات خلال لقاء افتراضي عقد ليلة أول من أمس، حضرته «الشرق الأوسط»، تحت عنوان تمكين منظومة الاقتصاد السعودي في زمن الجائحة، نظمه مركز التواصل والمعرفة المالية (أحد مبادرات وزارة المالية السعودية)، وأداره أستاذ الاقتصاد بمعهد الدراسات الدبلوماسية الدكتور رجا المرزوقي، إذ حمل تفاؤلاً واسعاً بعودة الاقتصاد في المملكة للتعافي إذا ما استمرت الاستجابات الحالية لمعالجات الدولة للاقتصاد، وتفاعل المجتمع مع رفع الوعي الوقائي في البلاد.
مؤشرات عالمية
قال أيمن أفغاني، وكيل وزارة الاقتصاد والتخطيط، إن ما يزيد من تفاؤل عودة الاقتصاد السعودي للتعافي، ما تشير إليه بعض المؤشرات العالمية، خاصة للاقتصادات الكبرى المؤثرة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي أفصح مؤشر البطالة فيها عن انخفاض ملحوظ، كما أن مؤشر مديري المبيعات سجل نمواً في أعمال الشركات، مضيفاً أن مؤشرات دولية متصاعدة تتعلق بحركة النقل.
وزاد أفغاني أن الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد السعودي تركزت في محوري تراجع أسعار النفط، وضعف الطلب مع الإجراءات الاحترازية. وكلا العاملين، بحسب أفغاني، بدأ في التعافي مع رفع إغلاق الاقتصاد الوطني، ما يوحي بتنامي البيع وارتفاع السحوبات المالية من البنوك.
مؤشرات نقدية
من ناحيته، لفت الدكتور فهد الدوسري، وكيل محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، إلى أنه رغم ظروف الأزمة العنيفة، فإن مؤشرات النقدية والسيولة لا تزال تبشر بخير حتى مرحلة رفع الإغلاق الاقتصادي، مبيناً أن مؤشرات السلامة البنكية جيدة. كما أن الائتمان المصرفي حتى أبريل (نيسان) الماضي سجل نمواً بواقع 12.2 في المائة، وهو الأعلى منذ 2015، ويعكس مواصلة البنوك تقديم خدمات الائتمان، خاصة على القروض العقارية.
وزاد الدوسري أن عرض النقود بمفهومه الواسع كذلك سجل ارتفاعاً بواقع 1.2 في المائة إلى 2035 مليون ريال (542 مليون دولار)، تمثل نسبة نمو 10 في المائة على أساس سنوي. كما أن معدل كفاية رأس المال بلغ 18 في المائة، ومعدل القروض إلى الودائع 80 في المائة، وتغطية السيولة بواقع 201 في المائة، وجمعيها أعلى من متطلبات معايير بازل.
واستطرد: «لا توجد أي مخاطر حول السيولة»، مفيداً بأن هناك تصاعداً مهولاً في الاستفادة من الدفع الإلكتروني، خاصة عبر نقاط البيع التي استفاد منها 147 ألف متجر، و2800 متجر إلكتروني، مع تكفل «مؤسسة النقد» برسوم نقاط البيع بما يربو على 160 مليون ريال.
أولويات وتحديات
وأمام ذلك، يوضح عبد العزيز الرشيد، مساعد وزير المالية، أنه رغم كل تلك المؤشرات والآمال، أعادت الدولة من خلال خطط الإنفاق أولويات المصروفات، معتبرة الصحة أولاً، بالإضافة إلى دعم مراكز قوى الاقتصاد الوطني، وبينها البرامج والمبادرات المالية المخصصة للقطاع الخاص.
وأضاف الرشيد، خلال مشاركته في اللقاء، أن وزارة المالية تواجه تحدي تحديد الأفق الزمني، واستشراف المرحلة التي ستستمر فيها الأزمة الراهنة بدقة، لتتواكب الخطط بما يتماشى مع أهداف البلاد الاقتصادية، ومستهدفات «رؤية المملكة 2030»، في الوقت الذي يحفظ فيه مستويات الإنفاق لتمكين مشروعات التنمية.
ويشدد الرشيد على أن وزارة المالية كانت بالغة الحرص في دراسة وتعقب جميع المبادرات والمحفزات فور تنفيذها لمحاولة قياس الأثر، حيث لمست انعكاسات إيجابية سريعة، من بينها -على سبيل المثال- تأجيل الإقرارات الزكوية التي استفادت منها 164 ألف منشأة حصلت على شهادة الزكاة، لتتمكن من استمرار أعمالها. كما استفاد ما يزيد على 250 ألف منشأة من تأجيل الضرائب، وشملت حزمة الـ50 مليار ريال المعلنة قبل أسابيع سداد مستحقات القطاع الخاص.
تداعٍ اقتصادي
من جانبه، يوضح عمار الخضيري، رئيس مجلس إدارة مجموعة «سامبا» المالية، أن أزمة كورونا سيكون لها تداعيات بما لا يقل عن عام، ستكون فيها ظواهر شح العوائد للمستثمرين، وتراجع أسعار الفائدة.
وأضاف الخضيري أن حزم التحفيز والدعم ستؤدي إلى زيادة مالية هائلة في السيولة، كما هو الحال في الاقتصاد الأميركي، لا بد أن تجد لها استثماراً وسط ضعف الطلب، حيث إن خلاف ذلك سيؤدي إلى تضخم في الأسواق.
وبيّن أن أسعار الفائدة البينية بين البنوك تقلصت، إلا أن تكاليف المخاطر ارتفعت. بيد أن العميل -وفقاً للخضيري- استفاد من تراجع سعر الفائدة، في مقابل أن البنوك ستضطر لرفع هامش المخصصات المالية التحوطية من الأزمة.
زيادة التكاليف
إلى ذلك، أفاد محمد أبونيان، رئيس مجلس إدارة «أكوا باور»، بأن القطاع الخاص عانى بكل فئاته نتيجة الجائحة العالمية، إلا أن سرعة استجابة الدولة عززت صمود القطاع أمام الأزمة، مؤكداً أن ذلك لا يمنع من تساقط كثير من المنشآت الصغيرة والمتوسطة المعتمدة على معدل دوران نقدي قصير المدى.
وقال أبونيان: «جهود الحكومة واضحة، بيد أنه لا بد من متابعة حالة المنشآت الصغيرة والمتوسطة من كثب، والتأكد من وصول برامج التحفيز لهم بطريقة تساعدهم على النهوض والعودة»، لافتاً إلى أن الدولة نجحت في معالجة إشكالية الرواتب في المنشآت. وحذر أبونيان من أن تتحول برامج دعم القطاع الخاص إلى زيادة تكاليف، من خلال إعادة التمويل، وتوسيع سقف الدين، مؤكداً أن المنشآت الصغيرة لا تزال تعاني من الوصول للاستفادة من برامج التحفيز.
تغييرات محتملة
ويرى المسؤولون الحكوميون أن التغيرات المحتملة التي ربما تشهدها أروقة قرارات القطاعات في الدولة هي زيادة الدفع لتمكين القطاع الخاص السعودي لمراحل متقدمة يكون فيها أكثر ديناميكية واستقلالاً، إذ يشير وكيل وزارة الاقتصاد والتخطيط، أيمن أفغاني، إلى أن التطلعات، بعد تجربة كورونا، تسير تجاه التركيز على مكونات القطاع الخاص لدفعه نحو التحرر من العقود الحكومية، واستقلاله بالاستثمار في فرص التحول الاقتصادي للوصول إلى درجة تمكنه من التنافس والتفاعل السريع مع معطيات السوق.
وأضاف: «سيكون هناك تحول حكومي نحو تكثيف الاستثمار في البنية الأساسية، ما يعطي مساحات أوسع للقطاع الخاص للموازنة، بالإضافة إلى التوجه نحو متانة سلاسل الإمداد ورفع كفاءتها».
ومن جانبه، يؤكد مساعد وزير المالية عبد العزيز الرشيد أن الدولة اعتنت بتوفير بيئة صديقة متكاملة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة لمزيد من تمكينها، بل ووفرت المحركات كافة نحو الإنتاجية، من خلال منظومة تشريعية وأجهزة حكومية متكاملة، منها هيئة التجارة الخارجية، وهيئة «منشآت»، واستقلال وزارة بالصناعة، وهيئة المحتوى المحلي، للاستفادة من مشروع التحول.
ويؤكد وكيل محافظ «مؤسسة النقد»، الدكتور فهد الدوسري، أن البنك المركزي كذلك يدعم القطاع المصرفي لتوفير بيئة نقدية ذات سيولة مستمرة من أجل تغطية احتياجات القطاع الخاص، لا سيما المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
الفرصة العظيمة
ومن ناحيته، يشير محمد أبونيان، إلى تفاؤل كبير، لا سيما أن من محاسن الأزمة الحالية أنها تشكل فرصة كبيرة لإعادة ترتيب الأمور، ومراجعة نماذج الأعمال، وطرق الإدارة والتشغيل، وتغيير المجالات والأنشطة المحتملة، داعياً القطاع الحكومي كذلك للتوجه ذاته، خاصة ما يتعلق بإعادة النظر في آلية طرح المشروعات، ورفع كفاءة الإنفاق.


مقالات ذات صلة

الميزانية السعودية... استدامة مالية واستمرار في الإصلاحات

الاقتصاد ولي العهد في أثناء توقيعه على الميزانية العامة للدولة لعام 2025 (واس)

الميزانية السعودية... استدامة مالية واستمرار في الإصلاحات

أقر مجلس الوزراء السعودي برئاسة الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء أمس (الثلاثاء)، ميزانية عام 2025 بإيرادات متوقعة عند 1.184 تريليون ريال.

مساعد الزياني (الرياض) عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد ولي العهد مترئساً جلسة مجلس الوزراء المخصصة لإقرار ميزانية عام 2025 (واس) play-circle 00:51

الميزانية السعودية 2025... نمو مستدام مدعوم بالإصلاحات الاقتصادية

جاء إعلان السعودية عن ميزانية العام المالي 2025 التي أقرّها مجلس الوزراء السعودي ليظهر مدى توسع الاقتصاد السعودي.

مساعد الزياني (الرياض) عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد ولي العهد يوقِّع على الميزانية العامة للعام المالي 2025 (واس) play-circle 00:51

محمد بن سلمان: ميزانية 2025 تؤكد العزم على تعزيز قوة ومتانة ومرونة اقتصاد السعودية

قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إن ميزانية 2025 تؤكد العزم على تعزيز قوة ومتانة ومرونة اقتصاد المملكة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد وزير الاستثمار متحدثاً إلى الحضور خلال «المبادرة العالمية لمرونة سلسلة التوريد» (الشرق الأوسط)

السعودية توسّع صفقاتها للمشاركة في سلاسل التوريد العالمية

تتجه السعودية إلى زيادة الوصول للمواد الأساسية، وتوفير التصنيع المحلي، وتعزيز الاستدامة، والمشاركة في سلاسل التوريد العالمية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
خاص الأمير سعود ووزير الصناعة خلال حفل الهيئة (إمارة منطقة مكة المكرمة)

خاص وزير الصناعة السعودي: هيئة المساحة ستلعب دوراً محورياً في السنوات الـ25 المقبلة في التعدين

تلعب هيئة المساحة الجيولوجية في السعودية دوراً حيوياً في الكشف عن مخزونات الأرض من الفلزات، التي تشمل الذهب والزنك والنحاس.

سعيد الأبيض (جدة)

محضر «الفيدرالي»: المسؤولون أيَّدوا وتيرة تدريجية لخفض أسعار الفائدة

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
TT

محضر «الفيدرالي»: المسؤولون أيَّدوا وتيرة تدريجية لخفض أسعار الفائدة

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

أيَّد مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي التحرك «تدريجياً» نحو خفض أسعار الفائدة، في ظل النمو الاقتصادي الأميركي الأقوى من المتوقع، وتلاشي المخاوف بشأن صحة سوق العمل، وفقاً لمحضر اجتماع نوفمبر (تشرين الثاني).

ويشير محضر الاجتماع إلى أن مسؤولي البنك المركزي الأميركي لم يعودوا يرون حاجة ملحة للوصول بسرعة إلى مستوى أسعار «محايدة» لا يعوق النمو، بعد خفض كبير بنحو نصف نقطة في سبتمبر (أيلول).

وفي اجتماع نوفمبر، خفَّضت لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة إلى نطاق 4.5- 4.75 في المائة، وهو الخفض الثاني.

ويجتمع بنك الاحتياطي الفيدرالي في ديسمبر (كانون الأول)، وهو اجتماعه الأخير قبل عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

ومن المتوقع أن يمضي البنك المركزي قدماً بخفض آخر بنحو ربع نقطة، على الرغم من أن المسؤولين يراقبون البيانات الواردة من كثب.

وقال رئيس البنك، جيروم بأول، في وقت سابق من هذا الشهر، إن الاقتصاد الأميركي القوي يعني أن البنك المركزي لا يحتاج إلى «التسرع» في خفض أسعار الفائدة.

ولا يزال التضخم -على الرغم من انخفاضه الحاد عن ذروته في عام 2022- أعلى من هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 في المائة.

وأشار مسؤولو البنك المركزي إلى أن التضخم كان يتراجع، وفقاً للمحضر؛ لكن البعض حذَّر من أنه قد يستغرق وقتاً أطول من المتوقع، نظراً للقوة الأساسية للاقتصاد، واحتمال أن تؤدي المخاطر الجيوسياسية وانقطاعات سلسلة التوريد إلى إبطاء الانخفاض.

وأظهر أحدث تقرير لمؤشر أسعار المستهلك ارتفاع التضخم إلى 2.6 في المائة، بعد زيادة بنسبة 0.2 في المائة على أساس شهري.

واتخذ المسؤولون أيضاً موقفاً أكثر تفاؤلاً مما كان عليه في اجتماعهم السابق بشأن آفاق سوق العمل، قائلين إنه «لا توجد علامة» على التدهور السريع.

ومع ذلك، فإن التوقف المؤقت في خفض أسعار الفائدة سيكون مبرراً «إذا ظل التضخم مرتفعاً»، كما أشار المحضر، وهو ما يعكس وجهة نظر توم باركين، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في ريتشموند، وعضو التصويت في لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية لهذا العام، لصحيفة «فايننشيال تايمز» في مقابلة الأسبوع الماضي. وقال: «إذا كان التضخم يظل أعلى من هدفنا، فهذا يجعل من الضروري توخي الحذر بشأن خفض أسعار الفائدة... إذا كانت معدلات البطالة تتسارع، فإن هذا يجعل القضية أكثر توجهاً نحو المستقبل».

وحسب أسواق العقود الآجلة، يفضل المتداولون خفضاً آخر بمقدار ربع نقطة مئوية في ديسمبر. وقال نيل كاشكاري، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس، هذا الأسبوع، إن خفض أسعار الفائدة في ديسمبر «معقول»، في حين أيد رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو أوستن غولسبي فكرة تخفيضات أسعار الفائدة الإضافية.